أفكار وآراء

هل بدأ التورط الأمريكي في حرب سوريا ؟

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

جوليان بارْنْز دَيسي - ترجمة قاسم مكي -

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

بعد ستة أعوام من الصراع في سوريا، ركل دونالد ترامب جانبا محاولات سلفه التي استمرت لفترة طويلة لإبقاء الولايات المتحدة بعيدًا عن الحرب وأمر بتوجيه ضربات صاروخية على قاعدة جوية تابعة للحكومة السورية بالقرب من مدينة حمص. كانت هذه الهجمات ردًا على استخدام مزعوم من قبل بشار لأسلحة كيماوية وربما غاز السارين تحديدًا مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص. وفي حين أن ترامب استهدف بالضربة إرسال رسالة واضحة هي عدم التسامح مع استخدام الأسلحة الكيماوية لكن من المرجح أن يكون أثرها أهم من ذلك بكثير.

رحب العديدون بالرد الأمريكي القوي على ما اعتبروه «تصرفا بشعا » في خان شيخون. وربما أن هذه الضربة ستخدم هدفها في ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى. لكن تدخل الولايات المتحدة الآن يخاطر باتخاذ مسارات خطرة جدًا. وبالنسبة لأولئك المهمومين بمحنة السوريين (سقط منهم الآن ما ينوف على نصف مليون قتيل) إلى جانب انشغالهم بالمصالح الغربية ذات الصلة فيما يخص انتشار الأصولية وتدفقات المهاجرين، سيلزمهم وضع أثر الضربات الأمريكية في بؤرة اهتمامهم. لقد كان التدخل الأمريكي الصاروخي محدد الأهداف ومحدودًا جدًا، مثله في ذلك مثل الضربات التي اقترحها أوباما في عام 2013 حين استخدم الأسد غاز السارين في الغوطة الشرقية.

تقول الولايات المتحدة إنه لن يكون هناك المزيد من الإجراءات الفورية. في البداية سيكون لمثل هذه الضربات المحدودة أثر ضئيل على الوضع على الأرض. ولكن حين تخوض الولايات المتحدة وتتوغل في الصراع سيصعب بالنسبة لها جدًا أن تنجح في احتواء طموحاتها، هذا إذا لم نقل شيئًا عن طموحات حلفائها. لقد تحولت الحرب الأهلية السورية باطراد إلى حرب أهلية معقدة ومعولمة. وتشكل إضافة المزيد من الأطراف المتحاربة والمزيد من التسلح بل وحدوث مواجهة أمريكية روسية محتملة «مزيجًا قابلًا للاشتعال».

لذلك تخاطر هذه الضربات باستثارة دورة تصعيدية جديدة وشحذ همم كل الأطراف لإذكاء أُوَار الحرب. يصح هذا القول خصوصًا بالنظر إلى أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون نوَّه بما يبدو أنه التزام متجدد من جانب الولايات المتحدة بتغيير النظام السوري. وهو ما يعني سد الباب أمام انتقال سريع إلى مسار سياسي قابل للنجاح. وفي حين تقول الحكومة الأمريكية إنها الآن تساند عملية سياسية تفضي إلى خلع الرئيس السوري إلا أن ذلك (المسار) يظل طريقا مسدودا بالنظر إلى رسوخ وضع الأسد على الأرض. وهو وضع لم تستعد الولايات المتحدة بعد لتغييره عسكريًا.

كما لا توجد أية مؤشرات مهما كانت بأن حلفاء الأسد سيتخلون عنه فجأة. وبالنسبة لعدد غير قليل من أولئك الذين يدفعون باتجاه تدخل أمريكي (في عام 2013 واليوم) ظل موضوع الأسلحة الكيماوية وسيلة لغاية أبعد هي تصعيد التدخل الأمريكي لحل مسألة الأسد. وستنظر المعارضة في معظمها وكذلك مساندوها الإقليميون إلى الضربات الأمريكية كبداية بسيطة لتحول كبير. وربما أن الدول الإقليمية التي كانت تضغط على المعارضة كي لا تتنازل في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة ستقوم الآن بإعادة تنشيط دعمها المادي للمعارضة المسلحة.

أما الأسد ومؤيدوه فربما أنهم ينوون تجاوز هذه الضربات الأمريكية برد محدود نسبيا. لكن من المؤكد تقريبا أنهم بدورهم سيعززون مواقفهم. إن الكثير سيعتمد الآن على قدرة ترامب أو عدم قدرته على الكف عن التصعيد ونقل رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتخذ إجراء عسكريا آخر مع تجديد الالتزام بتبني مسار سياسي قابل للتطبيق. وهو مسار إذا كان عليه أن يحقق أي تقدم لا يمكن أن يركز على مسألة الانتقال السياسي الفوري للسلطة في دمشق. ولكن ترامب سيواجه ضغوطا كبيرة للوفاء بهدف تغيير النظام. وهذه محصلة يبدو الآن أن صدقية حكومته ترتبط بها.

وإذا أضفنا إلى ذلك رغبة واضحة لدى ترامب لتمييز نفسه عما يعتقد الناس أنه ضعف من جانب أوباما، فقد يجد صعوبة بالغة في مقاومة تصعيد التدخل الأمريكي في الصراع السوري. ومع استهداف ادارة ترامب الحازم لإيران منذ توليه الحكم ورد موسكو على الضربات الصاروخية على القاعدة الجوية بإغلاق قنوات تنسيق العمليات الجوية بين البلدين فوق سماء سوريا (قبل إعادة فتحها بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكية لموسكو) فإن إمكانية وقوع مواجهة خطرة واضحة للعيان .

وفي النهاية لقد استوجب استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية - حسب الرواية الأمريكية - ردا. ولكن بسبب عدم ربط الرد باستراتيجية عريضة قابلة للتطبيق تخاطر هذه الضربات الآن بتوسيع نطاق الصراع وجرجرة الولايات المتحدة ببطء ، ولكن على نحو أكيد ، إلى حرب إقليمية جديدة.