أفكار وآراء

الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. سيناريوهات ومفاجآت

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

عبدالعزيز محمود -

مع اقتراب موعد إجراء جولتها الأولي يوم الأحد القادم الموافق ٢٣ أبريل الجاري، تكتسب الانتخابات الرئاسية الفرنسية أهمية استثنائية كونها ستحدد سياسات فرنسا في الداخل والخارج لخمس سنوات قادمة، كما ستحدد بدرجة كبيرة -وهذا هو الأهم- مستقبل الاتحاد الأوروبي.  

وتجري الانتخابات التي يخوضها 11 مرشحًا يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي، في ظل ركود سياسي واقتصادي، لم تنجح الأحزاب الفرنسية المتناوبة على السلطة في أن تجد حلولًا له، مما أدى إلى صعود رموز سياسية جديدة، وتراجع شعبية الأحزاب المعروفة التي تداولت السلطة بدرجات وصيغ مختلفة منذ عام 1958.

وفي حين يشعر عدد غير قليل من الفرنسيين بنوع ما من الإحباط تجاه رئاسة الرئيس هولاند (الحزب الاشتراكي)، الذي فقد شعبيته ولم يترشح لولاية ثانية، في حدث هو الأول من نوعه منذ عام 1958، فان كثير من الفرنسيين يشعرون بالغضب أيضا جراء فضائح الفساد التي تلاحق بعض رموز النخبة الحاكمة، ومن بينهم مرشحون في السباق الرئاسي الحالي.

ومن جانب آخر ساهم ارتفاع معدلات البطالة (ربع الشباب الفرنسي بدون عمل) وزيادة الضرائب (بنسبة 75%) وتعثر برامج الإصلاح الاقتصادي، وإعلان حالة الطوارئ، والتهديدات الإرهابية، في زيادة الشعور بأهمية التغيير، وهو ما انعكس علي السباق الانتخابي، وسط توقعات بانخفاض الإقبال على التصويت إلى الثلثين، مما قد يهدد فرص مرشحي اليمين المحافظ واليسار المعتدل، ويصب في مصلحة أقصى اليمين وأقصى اليسار.

ويحاول المرشحون توظيف هذا الشعور الداخلي المتداخل بين الإحباط وإدراك أهمية التغيير، بطرح رؤى جديدة، لمشكلات اقتصادية واجتماعية قديمة، والدعوة إلى تغييرات جذرية في علاقات فرنسا الخارجية، تصل لحد الدعوة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي والناتو وتعزيز العلاقات مع روسيا، بينما فرضت قضية الإسلاموفوبيا نفسها علي السباق الرئاسي، وسط تباين في مواقف المرشحين ما بين دعوة للانفتاح وتشجيع المهاجرين على الاندماج، واتهامات للإسلام بتهديد الثقافة والهوية الفرنسية.

على صعيد آخر جاءت الانتخابات في ظل صعود لافت للنظر لتيار اليمين الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة، والذي حقق انتصارات تمثلت في التصويت البريطاني بالموافقة على انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وهو ما يدعم فرص اليمين الشعبوي في فرنسا. وطبقا لتوقعات مركز ستراتفور الاستراتيجي فان انتصار أقصى اليمين الفرنسي سوف يعجل بنهاية منطقة اليورو.

وطبقًا للدستور الفرنسي ينتخب رئيس الجمهورية بنظام الاقتراع العام والمباشر لولاية تدوم خمس سنوات، بنظام الاقتراع على دورتين، فإذا لم يستطع أي مرشح الحصول على الأغلبية المطلقة (أكثر من 50% من الأصوات) في الجولة الأولى، يتم تنظيم جولة ثانية بعد 14 يومًا على أقصى تقدير، يخوضها المرشحان اللذان حصلًا على الترتيب الأول والثاني في الجولة الأولى.

وحسب استطلاعات الرأي يتقدم السباق الرئاسي الفرنسي الآن أربعة مرشحين يتنافسون على منصب الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة، وفي مقدمتهم ايمانويل ماكرون رئيس حركة إن مارش (إلى الأمام) التي تأسست في عام ٢٠١٦ ووزير الاقتصاد والصناعة السابق (٢٠١٤- ٢٠١٦)، والذي لم يسبق له الترشح لمنصب منتخب، وهو يتبني الفكر الليبرالي في الاقتصاد ويدعو لتحديث الاقتصاد الفرنسي، والاستمرار في الاتحاد الأوروبي كما يدعم العولمة وحرية التجارة والهجرة وتشجيع المهاجرين على الاندماج، ويركز في حملته على إرضاء النخب التقليدية والناخبين من كل الاتجاهات.

ويليه في الترتيب جان لوك ميلانشون (أقصى اليسار) رئيس حركة فرنسا الأبية والنائب في البرلمان الأوروبي منذ عام 2009، خاض انتخابات ٢٠١٢ وحصل فيها على المركز الرابع بنحو ١١.١٠٪ من الأصوات، وهو يطالب بوضع دستور جديد واستقلال القرار الفرنسي عن أمريكا، ويحظى بدعم النقابات المهنية والحزب الشيوعي.

وجاء صعود ميلانشون المفاجئ قبل أسبوع من إجراء الجولة الأولى، باعتباره نتيجة لأدائه المتميز في المناظرات التليفزيونية، واستثماره لمشاعر الإحباط العام تجاه فترة هولاند، ودعوته للديمقراطية الاجتماعية، واستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي، مما يرشحه للصعود إلى الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 7 مايو المقبل، فيما قد يشكل مفاجأة تعيد إلى الأذهان مفاجآت سابقة، أبرزها تصويت الناخبين الفرنسيين عكس كل التوقعات ضد مشروع الدستور الأوروبي في عام 2005، وإطاحتهم بالرئيس ساركوزي في انتخابات ٢٠١٢.

وهكذا جاءت في المركز الثالث وفقًا لاستطلاعات الرأي مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية (أقصى اليمين)، بعد أن كانت تحتل المركز الثاني، وتمثل المنافس الأقوى لماكرون، لكن صعودها للجولة الثانية مازال قائما، رغم تفوق ميلانشون. وقد خاضت لوبان انتخابات ٢٠١٢، وحصلت على المركز الثالث بـ17.9% من الأصوات، وتطالب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والناتو وتعزيز العلاقات مع روسيا، وترفض الهجرة، وتعتبر الإسلام خطرًا على الثقافة والهوية الفرنسية.

ويأتي في المركز الرابع فرانسوا فيون السياسي اليميني ورئيس الوزراء السابق (٢٠٠٧-٢٠١٢) ومرشح الجمهوريين الذي يدعو لإصلاح قانون العمل ونظام التأمين الاجتماعي وإعطاء سلطة أكبر للدول المنطوية في الاتحاد الأوروبي، لكن حملته تعرضت لانتكاسة،عقب تحقيقات قضائية معه بتهم إساءة استخدام المال العام.

وطبقا للاستطلاعات أصبح الترتيب الخامس من نصيب بونوا هامون السياسي والنقابي ووزير التعليم السابق (٢٠١٤) ومرشح الحزب الاشتراكي والنائب عن منطقة إفلين، والذي يركز على القضايا الاجتماعية والبيئية ويدعو لإصلاح هيكلي للحكومة.

كما يخوض السباق الرئاسي الفرنسي ستة مرشحين آخرين، هم: نيكولا ديبون إنيان رئيس حزب ديبو لا فرانس (انهضي يا فرنسا)، وناتالي آرتو أستاذة الاقتصاد ومرشحة حزب النضال العمالي الشيوعي الفرنسي، وفيليب بوتو من حزب انتيكابيتاليست (مناهضة الرأسمالية)، وجاك شوميناد رئيس حزب التضامن والتقدم، وجان لاسال نائب منطقة بيرنييه اتلانتيك جنوب غربي فرنسا والعضو السابق في الحركة الديمقراطية، وفرانسوا أسيلينو رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري (يميني متشدد).

وكان لافتا للنظر غياب أسماء لامعة عن السابق الرئاسي الفرنسي منها فرانسوا بايرو زعيم الحركة الديمقراطية، الذي خاض انتخابات ٢٠٠٢ و٢٠٠٧ و٢٠١٢، وكذلك حزب أوروبا ايكولوجي، لتصبح الانتخابات الحالية هي أول انتخابات منذ عام 1969 لا يخوضها مرشح للخضر، ورفض آلان جوبيه رئيس الوزراء الأسبق خوض الانتخابات بديلا لفيون متعللًا بان الوقت قد فات.

ويحاول معسكر ماكرون رئيس حركة إن مارش الترويج أنه قادر على حسم المعركة من أول جولة، لكن ذلك لا يبدو واردا، في ظل هذا العدد من المرشحين (11 مرشحًا) وانقسام الشارع الفرنسي، وعدم وجود مرشح قادر على حشد الأصوات، وهو ما حدث في ثلاث انتخابات رئاسية فقط منذ عام 1965، حُسمت من أول جولة (فاليري جيسكار ديستان في عام ١٩٧٤، وفرانسوا ميتران في عام 1981، وجاك شيراك في عام ١٩٩٥).

وفي ظل هذا المناخ الملتهب لم يخل السباق الانتخابي من فضائح، فقد تعرض فيون ولوبان لاتهامات بسوء إدارة المال العام، وهي اتهامات لاحقت أيضا وبدرجة أقل ماكرون، ووفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية بباريس فإن ٥٤٪ من الفرنسيين يتهمون النخبة السياسية بالفساد، وهي نسبة ترتفع إلي ٧٥٪ فيما يتعلق بنواب الجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي.

ويواجه فرانسوا فيون مرشح الجمهوريين، الذي كان يتصدر السباق حتى نهاية ديسمبر الماضي، تحقيقات قضائية بتهمة منح مليون يورو رواتب لإفراد أسرته مقابل وظائف وهمية حين كان نائبا في الجمعية الوطنية، وهي اتهامات وصفها فيون بأنها محاولة لاغتياله سياسيًا.

كما طالب القضاء الفرنسي من البرلمان الأوروبي برفع الحصانة عن مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية للتحقيق معها في الحصول على أموال من الاتحاد الأوروبي كمساعدات ومنحها بشكل غير قانوني لأعضاء في حزبها (الجبهة الوطنية)، لكنها وصفت الاتهامات بأنها مسيسة.

وفي مواجهة ذلك يحاول فيون اللعب بنظرية المؤامرة، في محاولة لاستعادة شعبيته، وأنه كان ضحية مؤامرة من الرئيس هولاند، بينما قررت لوبان رفع دعوى ضد البرلمان الأوروبي.

وبغض النظر عما تشهده الانتخابات الرئاسية من تدخلات، فالمؤكد أن الرئيس هولاند يدعم ماكرون رئيس حركة إن مارش، ويوجه انتقادات عنيفة ضد فيون وميلانشون، بينما يحاول هامون مرشح الحزب الاشتراكي تحسين فرصه، باتهام لوبان وميلانشون بالتبعية لروسيا. ومع اقتراب السباق من موعد إجراء الجولة الأولي الأحد القادم، يبدو واضحًا تقدم ماكرون ولوبان وميلانشون طبقًا لتقديرات مؤسسات قياس الرأي، بينما يليهم في الترتيب فيون وهامون، وفي حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة، وهذا هو المتوقع، سوف تجرى الجولة الثانية في ٧ مايو المقبل بين المرشحين اللذين يحصلان على أعلى الأصوات. وهكذا تظل كل الأعين معلقة علي الانتخابات الرئاسية في فرنسا، في محاولة للإجابة عن السؤال الحائر، من هو رئيس فرنسا القادم؟