أفكار وآراء

جودة القروض

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

مصباح قطب -

أخبرني خبير مصرفي يعمل في بنك فرنسي عالمي ان لديه خبرا مهما يتمثل في حصول قرض، كان مصرفه قد اشرف على ترتيبات انجازه لصالح الشركة القابضة لكهرباء مصر وقام البنك منفردا بضمان تغطيته، حصوله على جائزة عالمية حيث احتل المرتبة الاولى وفقا لمجلة « يورو موني للتمويل التجاري» في ابريل 2017 ، ووعد بموافاتي بتفاصيل خبر القرض.

هنأته.

فانا اعرف صدق جهوده فى عمله واخلاصه له وكم قدم متطوعا من نصائح مفيدة لجهات حكومية في مجال التمويل منها وزارة المالية المصرية نفسها ، وبعد التهئنة قلت له سأنظر في الخبر أولا وارى مدى اتفاقه مع معايير النشر التي نعمل بها في الجريدة في مثل تلك الحالات والتي يتماس فيها الخبر مع الاعلان.

بعد وقت اخذت أقلب الأمر على جوانبه.

قلت اننا لم نتعود بعد النظر الى النجاح من منظور اصحاب الفعل.

قد يفوز بطل مصري او عربي في مسابقة دولية للكرة الصاروخية - مثلا - وانا او غيري قد يكون ممن لا يتحمسون لهذا اللعبة او لا يرون قيمة كبيرة لها او لايشاهدونها بالأصل او حتى لا يعرفون عنها وبالتالي فإن الخبر يمر من تحت اعينهم مر الكرام  بينما اطراف اخرى تقدر عاليا همة البطل وجهده وانجازه..

اطراف محلية او اقليمية او عالمية.

فكيف يفصل الانسان بين رأيه الشخصي وبين تقييمه للحدث - سواء كان فوزا رياضيا ام إبرام قرض ناجح - في ذاته او بالنسبة لأصحابه او بالنسبة لشركة كبيرة او لبلد او حتى أمة احيانا ؟.

القرض الذي اتحدث عنه قيمته كبيرة وتبلغ 470 مليون دولار أمريكي لتمويل تحويل محطتي كهرباء في دلتا مصر وفي صعيدها من دورة بسيطة إلى دورة مركبة عبر شراء عدد ضخم من التوربينات من شركة امريكية معروفة. انتهى اغلاق القرض في ديسمبر 2016 وسيتم استخدام حصيلة القرض لتمويل 85 % من قيمة النقد الأجنبي المطلوب لعقد تجاري بين شركة الكهرباء القابضة وشركة اعمار ومقاولات مصرية ضخمة قائمة على التنفيذ ومعها عدد كبير من مقاولي الباطن.

تم ضمان القرض من قبل وزارة المالية المصرية مع تأمين من قبل وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية.

وللقرض قصة فهو يستند إلى مذكرة تفاهم وقعت بين شركاء المشروع في مؤتمر التنمية الاقتصادية في مصر في مارس 2015 بشرم الشيخ والذي ظلت الميديا لأسابيع تتساءل عن مصير الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون والاستثمار التي أبرمت خلاله ثم نسيت المتابعة..

كانت الاتفاقيات الضخمة التي اعلن عنها وقتذاك قد أثارت اسئلة حول مدى جديتها وامكان تنفيذها وكلنا يذكر ان تمويل وتنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة كان واحدا من بين موضوعات مذكرات التفاهم الكثيرة وقد تمت مع شركة اعمار الاماراتية وبقيمة استثمارية بلغت 45 مليار دولار لكن الأمر سار في مسار آخر.

المهم ان للمشروع الذي سيموله القرض آثارا اقتصادية كبيرة مثل خفض استهلاك الغاز وتقليل انبعاثات الكربون بمقدار الثلث، فضلا عن خلق 6000 فرصة عمل أثناء البناء وقد اقترب التنفيذ الفعلي من متوسط 65 % في الحالتين.

فاز القرض بهذه الجائزة من بين 150 تقريرا عالميا ( عن قروض ) استنادا إلى معايير الابتكار والتعقيد والقابلية للتكرار وجاذبية الشروط للمقترض.كل هذا مهم ومن المؤكد ان العملية تستحق الاشادة بمن بذلوا الجهد لإتمامه وانا اعرف بحكم قربي من وزارة المالية - وكما قد رويت على هذه الصفحة للقراء من قبل - مقدار الجهد الذي يتم بذله في طرح اصدار سندات دولية او إبرام اتفاق قرض من كونسرتيوم .اسابيع واشهر من العمل المتواصل لتحضير كمية ضخمة من الاوراق والوفاء بشروط وقواعد لا آخر لها كلها بالتأكيد تتعلق بالملاءة المالية للمقترض سواء كان دولة ام شركة، دراسات ونقاشات عن اوضاع الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي - اي القطاع الذي تعمل في اطاره الشركة المقترضة - ونوع الصناعة والحصة السوقية للمقترض وصادراته او التزاماته عبر سلسلة زمنية وموارده واتجاهات الاسواق الداخلية والخارجية والعوامل السياسية والمخاطر التجارية ونظم التقاضي والمعايير البيئية ...الخ.

وقد يعرف قليلون فقط مقدار التعب في امور كتلك ويعرف عدد اقل اهمية العمليات المالية والتمويلية للدول وللحركة الاقتصادية الحالية والمرتقبة ومن بين من يعرفون لن تجد الكثيرين ممن يحيون او يظهرون التقدير لمن قاموا بكل هذا الجهد.

ومن المؤكد ان شخصا مثل حذر ازاء الاستدانة عموما ليس وحيدا في هذا العالم فهناك مثلي اشخاص بلا عدد وسؤاله الأول عادة حين يسمع عن أي اقتراض ليس هو ما العائد وما الشروط بل ولماذا أصلا يتم الاقتراض وهل كان يمكن تدبير تمويل داخلي بديلا عن ذلك الدولي الخ.

واصحاب النمط السابق من التفكير كما ترون لن يستسيغوا او يطربوا لحصول هذا البنك او تلك المؤسسة المالية على جائزة عن عملية اقراض ، وثمة بعد آخر هو المؤسسات /‏‏‏ المجلات او المواقع او الكيانات الناشرة التي تمنح مثل تلك الجوائز فالقليل منها هو الذي له مصداقية وله ثقل ولديه اطقم تحكيم فنية عالية المستوى يمكنها ان تقدر وتقرر بحيادية معقولة.

فالحاصل مثلا انه يحدث كثيرا ان تمنح هذه الجريدة او هذه المجلة جوائز تميز بلا حساب وبلا معيار لبنوك وشركات اتصالات وسيدات اعمال ورواد اعمال وتكتشف فى النهاية ان العملية تنطوي على ممارسة تجارية هدفها ان يكون هؤلاء او تكون مؤسساتهم بمعنى ادق معلنة في هذه الجريدة او راعية لانشطتها وتلعب مثل تلك المطبوعات على غريزة احتياج الانسان في الزمن المعاصر وبسبب الارهاق الشديد وتعب العمل الى لحظة ارتياح ويا حبذا لو كانت على منصة تكريم.

فى المقابل فان ثمة مؤسسات صحفية لا تتنازل في مجمل المعايير حين تقرر منح هذه الجهة او تلك او هذه العملية او تلك جائزة ، عارفة ان اي حياد عن النزاهة سيؤدي - وعكس الاتجاه الاول - الى هروب الزبائن منها.

فالمجاملة هنا خطر على سمعتها وعلى موقعها.

وهناك مؤسسات صحفية وسط اي لا هي تجارية الهدف بالضبط ولا هي صاحبة تشدد كاف في معايير منح الجوائز والسبب انها تمنح جوائز بمعايير قوية فعلا لكنها تنقب في تفاصيل كثيرة لتجد سببا تمنح فيه اكثر من جائزة تحت مسميات مختلفة لجهات كثيرة وحتى لا يغضب احد فهي مثلا تمنح هذا البنك جائزة افضل عمليات خارجية والآخر افضل اعمال خزينة والثالث افضل بنك في تمويل الشركات والرابع في تمويل التجارة الخارجية والخامس في القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وعلى الرغم من الالتزام بمعايير الا ان بهجة الجائزة تقل كثيرا اذا يجد المحتفى به انه وسط عدد هائل من الفائزين حتى ليكاد يتصور انها حفلة جوائز وليست عملية تتويج لمسابقة جوائز.

الغريب فى الامر ان الجوائز التى يكون لها صدى هي تلك التي تقرر جهات اجنبية بالذات منحها.

حتى ليكاد المرء ان يقول ان عندنا عقدة الخواجة بالفعل بيد ان الجانب الثاني من الصورة هو احتياجنا كدول عربية الى مؤسسات ذات معايير تمنح جوائز بشفافية وبميزان عدل وبشجاعة ايضا.

ستسألني يعني ايه بشجاعة ؟ اقل لك انه حدث يوما ان تقرر منح جائزة ووفق ارقى المعايير لافضل جهاز عربي للاحصاء رغم كل الشفافية والموضوعية فقد غضب كثيرون او زعلوا - بالعامية المصرية - بما جعل المنظمين يتراجعون ولا يكررون التجربة انتظارا لأن تأتي جهة عالمية فتفعلها ووقتها ستكون مقبولة ومرحبا بها حتى لو كانت المعايير اقل صرامة.