fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: فانظر ماذا ترى

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

عيني على المجتمع الذي تغيّر، ولم يعدْ كما كان في الماضي القريب، من يسأل عن الصّديق؟، ومن يزور المريض؟، ومن يعطف على المسكين؟، ومن يرأف بالفقير؟، ومن يوقّر الكبير؟، ويحترم الصغير؟، ومن يعمل لوجه الله العظيم؟، ومن يتعفّف عن الشُّبه والكلام البذيء؟، صرنا اليوم في عالم أشبه بالغابة، لا حرمة لدمٍ أو مالٍ أو عرضٍ، تنتهك فيه الأعراض، وتسلب فيه الأموال، وتزهق فيه الأرواح، بل صار الحيوان أعزّ من الإنسان، حين تُدافع عنه منظمات حقوق الإنسان والحيوان، ويبقى الإنسان في هذا العصر بلا عنوان.

ولا أدلّ على ما أقول ما تحكيه القنوات وما تفرزه الحكوات، وما تبثّه الجرائد والمجلات، عناوين مخيفة بالبنط العريض، مقتلُ أو قتلُ أو وفاةُ أو موتُ، كلها عبارات تدل على الفناء، وفناء الإنسان مهما كان أصبح وِرْدا يوميا على هذه القنوات، لا تكاد تمرّ نشرة إلا ولغة الموت هي البادئة وهي الأخيرة، أخبار عاجلة مخيفة وأخرى آتية مفزعة، والعالم يموج بالقتل والنفي والتشريد، والعالم يموج بالكوارث والنوازل والأعاصير والحروب والدمار، والعالم يسعى لحتفه بيده، يخرّب وجوده بنفسه، وهو غير مقتنع أن ما يفعله حرامٌ أو معادٍ للإنسانية.

أين العقلاء؟ وأين العلماء؟ وأين الحكماء؟ وأين أصوات المثقفين الأقوياء؟ وأين من ينادون بحقوق الإنسان على المنابر في كل مكان؟ وأين الساسة الذين يعدون الشعوب بالأمن والأمان؟ وأين الرجال الذين يدعون دوما إلى تحقيق السعادة والمحبّة والتآلف وتنمية العمران والبنيان؟ وأين من كان ينطق بالحق والعدل والمساواة في عالم غلبت عليه لغة القتل والرّعب والخوف؟ أم هو امتحان وابتلاء أو بلاء؟ لِمَ لا يراجع كلّ منا نفسه في أي واد هو؟ ولِمَ لا يسعى إلى تغيير ما جرى؟ كلٌّ حسب قدرته وقوته وما آتاه الله من علم وأخلاق وقوة ومال وجاه؟

تعصرني كما تعصر غيري مشاهد الخوف والرعب في العالم عبر هذه القنوات والفضائيات التي تزيد الحدث لهبا، وتدمي القلوب كمدا، وترفع أعلام الدّم عاليا، ويبتسم مقدّم الأخبار بعد البشعِ، وتبدأ المسلسلات في البثّ، وكأنّ الأمة راضية بالقدرِ، وما يعنيها أمرُ المسلم، وهو يُذبح من الوريد إلى الوريد، ظهرت مسميات غريبة في عالمنا، داعش وبوكو حرام والقاعدة وجيش الربّ وشباب المجاهدين والنصرة والفيالق، وكلها تفتك بالمسلم قبل الكافر، وما الكفر عندهم إلا مخالفة عقائدهم، إما معنا أو تكون في القبر، تلك هي لغتهم التي لا ندري، من أي موقع أو فلسفة أسقطوها في هذا العصرِ، ليس لهم إلا القتل والذبح عنوانا، والتدمير والتفجير فوزا ورضوانا، حسبوا أنهم فائزون ولا يدرون أنهم ساقطون.

فانظر أخي المسلم ماذا ترى في هذه الدنيا؟ أيريدون فناءها قبل أوانها؟ أيريدون أن تكون لغة القوة هي السائدة؟ أيريدون أن يغرسوا فيها الكره والبغض والتوتر والخصام بدل الحب والتآلف والتعاون؟ يا لها من دنيا عجيبة غريبة، وفكرة مارقة كئيبة، جعلت العالم يعيش في دوامة، أربكت جميع الحسابات، وغيّرت مفاصل الأرقام والموازنات، وأحدثت شقا كبيرا في صفوف الفرقاء، وبدّدت كل نور قد يلوح في الآفاق، بل عجبتُ مما رأيتُ وأرى في قنوات الأخبار والمسلسلات ما يدمّر المرء من الداخل، وفي مواقع التواصل ما يثير الإشاعات ويكثر الاستفزازات، ولا يصلح الأحوال.