sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: فــقــــد

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

شريفة بنت علي التوبية -

لا شيء قادر على هزيمتنا كما يفعل الموت، ولا شيء قادر على زرع ذلك الإحساس بالعجز والضعف فينا كما يفعل الموت بنا في تلك اللحظة التي نفقد فيها من نحب، فندرك أن الحياة لن تكون هي الحياة التي عرفناها قبل موتهم، ولن تكون قدرتنا على تقبل فكرة الفراق بالصورة نفسها التي عرفناها من قبل، إنه فراق أبدي وسفر بلا عودة، نفقد الأمان الذي نحاول أن نملأ به تلك الفراغات الكبيرة في أرواحنا، يصبح الموت رفيقًا لنا في دروب الحياة، يأكل ويشرب وينام معنا، يجلس بجانبنا، نتجاهله ونتناساه لكنه يظل قريبًا منا، يتربص بنا في غمرة انشغالنا بالدنيا بما فيها من مغريات وملذات، يعرفنا لكننا لا نتعرف عليه إلا في لحظة الفقد تلك، فنرى وجه الموت بشعًا بموتهم ونشعر به وجعًا وإحساسًا مُرًا في فجيعتنا بفراقهم، لذلك لا نخشى منه على أنفسنا قدر خشيتنا منه على من نحب، نخشى من تلك اللسعة الحارقة التي يصاب بها القلب فتترك أثرها فيما تبقى لنا من العمر بعدهم، نخشى ذلك الفراغ الذي يخلفه رحيلهم وذلك الحزن العميق الذي يسكن قلوبنا، وذلك الجرح الغائر الذي نشعر بنزفه في أرواحنا، ومع ذلك نمضي وجراحنا تنزف شوقًا لأحبة نحن إليهم قد أخذهم الموت ومضى.

ليس هناك من لم يصب قلبه الفقد يومًا، وليس هناك من هو آمن من الفجيعة والحنين ووجع الذاكرة وحرقة الذكريات، إنه الموت الذي قد يختار الأجمل فينا والأحب إلى نفوسنا فيصيبنا به، إنه الموت الذي لا يهزمنا في أنفسنا بقدر ما يهزمنا بمن نحب، ليرحل دون سابق إنذار أو احتفالية وداع، فنكتشف أنه لم يعد موجودًا بيننا، ولن يجلس معنا، ولن يتحدث إلينا، ولن يشاركنا لحظة فرح أو حزن، ولن تعود الحياة كما كانت من قبل بعد رحيله، سينكسر جناح في من أجنحة الروح، وسيصبح القلب هشًا ضعيفًا، سنكون بحالة عجز لأننا لا نملك أسباب المقاومة، ولا نملك حماية من نحبهم من قدر محتوم، يرافقنا الحزن والخوف من ذلك المجهول الذي لا نعلم عنه شيئًا، ندرك أن كل شيء زائل، وهذا الشعور يظل معنا مهما حاولنا نكرانه أو تجاهله، ندرك أن الحياة قصيرة فنركض هنا وهناك لنلحق بمحطات حياتنا التي قد نصل إليها وقد لا نصل، لذلك أمام كل موت أعلن موتي وأكفر بهذه الحياة التي أدعي محبتها، وأنا لست سوى عابرة منها إليه.