أفكار وآراء

العالم يتغير.. وأمريكا أيضا

18 أبريل 2017
18 أبريل 2017

عاطف الغمري -

حالة التضارب، وخفوت الرؤية، حول السياسة الخارجية للرئيس ترامب، في الأشهر الأولى من رئاسته، دفعت إلى التساؤل: هل يكون ذلك راجعا إلى مجرد رفض للنظام السياسي، وطريقة إدارته الثابتة للسياسة الخارجية على مدى عشرات السنين الماضية؟.. أم أن ترامب وجد أمامه من أول يوم له في البيت الأبيض ميراثا ثقيلا من المشاكل، والتحديات، لم يسبق أن تعرض لمثيل لها أي رئيس من قبله، بحيث بدت الصورة، وكأن هناك صعوبة في الاستقرار على نهج واضح ومتكامل لسياسته الخارجية؟.

كثير من الخبراء والكتاب شغلوا في الفترة القصيرة التي سبقت فوز ترامب، برسم خريطة للتحديات، والمشاكل، والصعوبات التي تواجه أمريكا، سواء في الداخل، أو في مجال علاقاتها الخارجية.

وكأن ما قاموا به من جهود، كانت بمثابة وصايا للرئيس القادم بعد أوباما. وقدموا رؤيتهم من خلال مؤلفات، تقاربت معانيها فيما يمكن وصفه بورطة أمريكا، في بحثهم عن سياسة خارجية ملائمة. وجاءت خلاصة وصاياهم عبارة عن رسم معالم ومؤشرات للوضع الذي وجد ترامب نفسه في مواجهته، من أول يوم له في البيت الأبيض، وما ينبغى عليه أن يفعله للتعامل مع هذا الوضع.

وجاءت وصاياهم في عديد من الكتب منها على سبيل المثال:

«هل انتهى العصر الأمريكي»، للمفكر الشهير جوزيف ناي – و «القوة العظمى: ثلاثة خيارات لدور أمريكا في العالم – ولماذا تحتاج أمريكا سياسة خارجية جديدة»، للمؤلف ادوارد جولدبرج – و «حماقة القوة» للبروفيسور ديفيد كاليو – و «رؤية للمستقبل» للسياسي المحافظ روبرت كيجان – و «ضبط النفس: أسس جديدة لإستراتجية عالمية للولايات المتحدة». وهذه مجرد عينة من نوعيات هذه المؤلفات.

وإذا نظرنا إلى آراء شخصيات سياسية على قمة المجتمع الأمريكي، سنجد أن هنري كيسنجر لم يكف عن تذكير مؤسسات ومراكز صناعة القرار السياسي، بأن العالم يتغير من حولهم، ولم يعد يتقبل السياسة الخارجية، التي لا تزال تتمسك بنفس القواعد التي كانت تعبر عن نظام عالمي لم يعد له وجود الآن.

ومن ناحية أخرى طرح زبجنيو بريجينسكي في عام 2016 في مقال عنوانه «التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية للرئيس القادم – بعد أوباما، بروز إحساس على مستوى الولايات المتحدة بأن مستقبل النفوذ الأمريكي في العالم، صار محل شك.

وعبر حصاد الكتب التي أشرت إليها، نجد معاني محددة، تتكرر وكأنها تدق جرس إنذار للرئيس الجديد، تنبهه إلى ضرورة تغيير المسار التقليدي والثابت، طوال قرن كامل للسياسة الخارجية.

يقول ادوارد جولدبرج إن المناهج الحالية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لم تعد تتواءم مع النظام العالمي، وأن سياسة أمريكا لا تزال تتعامل مع عالم ليس له وجود الآن.

ويحذر ديفيد كاليو من أن الخيال السياسي الأمريكي يجد من الصعب عليه الآن، أن يفكر في نظرة أخرى للعالم، لا تكون فيها الولايات المتحدة، هي القوة الأولى والمهيمنة.

أيان بريمر في كتابه «ثلاثة خيارات لدور أمريكا في العالم» يقول إن التحديات، وكذلك التناقض في السياسة الخارجية الأمريكية كانت تتزايد طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وأن ذلك قد أثار شعورا مزعجا بعدم اليقين، وبتوالي الانتقادات لهذه السياسة.

ويقول ان الانتقادات لأمريكا من الأصدقاء والحلفاء، ليست شيئا جديدا. فلم يكن هناك عصر ذهبي لسياستنا الخارجية، في التناسق والتكامل. والشكوك الآن كثيرة حول الهدف الأساسي لأمريكا. ثم إن الشعب الأمريكي لا يهمه الكثير مما تسعى أمريكا إلى تحقيقه في الخارج.

الكاتب باري بوسام، يقول إن الحدود التي أصبحت مفتوحة بين الدول، لتعبر منها المعلومات، والتلوث، والنشاط الإجرامي، والاستثمارات بلا ضابط، قد جعلت من العولمة سببا لصعوبة مهام الحكومات الوطنية.

والسؤال الآن: ما الذي يجب علينا أن نفعله بشأن سياستنا الخارجية. فالعالم يتغير، وتجتاحه تحولات سريعة، تدفع به إلى شكل مختلف. وهناك من لا يزال يتمسك بالأفكار الموروثة عن أن أمريكا يجب أن تكون لها القيادة والهيمنة، كما أن هناك من يختلف مع هؤلاء، ويرى أن التمسك بهذه الأفكار، يضع أمريكا في صدام مع العالم، في عصر لا تستطيع فيه دولة مهما كانت قوتها، أن تستغني عن الآخرين.

بعض هذه الأفكار، في تشخيصها للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ترى أن دولا في المنطقة، التي تعاني من أجواء الفوضى الإقليمية، تتطلع إلى أمريكا للدفاع عنها، وتوفير ضمانات الأمان لها. لكن الكثير من تساؤلات هذه الدول، لا يلقى من أمريكا إجابات قاطعة ومرضية.

ويبقى السؤال معلقا: هل هذه الصورة التي طرحت أمام ترامب كرئيس جديد، رسمت وضعا لم يعد يتناسب مع الواقع العالمي، ويكاد يفتقد القدرة على أن يضمن لها الهيمنة وقيادة العالم، كما يؤمن بذلك كثيرون كمذهب سياسي لهم؟.

وهل هو ما أضفى على سياسة ترامب الخارجية، في أيامها الأولى، هذا التناقض؟. أم أن اقتناعه بمسؤولية النخبة التي تحتكر صناعة السياسة الخارجية، وعدم توافق أفكارها مع عالم يتغير هو ما خلق الصدام بينهما؟. وبحيث لم يكف ترامب عن مهاجمة الرؤية السياسية لهذه النخبة، وإظهار سوءاتها أمام الرأي العام.

أيا كانت الإجابة، فإن ترامب، وإن كان يسعى إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية، إلا أنه لم يبتعد عن اقتناعه، بالدوافع الرئيسية للفكر السياسي الأمريكي الموروث، عن أن أمريكا يجب أن تقود، وأن تكون لها الهيمنة.