ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: لا تَكرهوا أنفسَكم

18 أبريل 2017
18 أبريل 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يذهب التقييم الأول لخبايا الأنفس، وما تحتويه من مشاعر متضاربة إلى أنه يبقى في غاية الصعوبة أن يصل أحدنا إلى إيجاد توازن دائم بين ما يكره، وبين ما يحب، فالأمر ليس يسيرا جدا، ولكنه أيضا ليس صعبا جدا، وإنما تحتاج المسألة للوصول إلى هذا المستوى الإنساني الكبير إلى نوع من الممارسة، وإلى نوع من المران، وإلى نوع من توظيف المكامن النفسية النقية، وإلى ترويض الأنفس الجانحة والجامحة، فعند كل واحد منا مناخات من الأنفس النقية، فإلقاء تحية على آخر تصادمت معه لظرف ما، في لحظة زمنية لا تتجاوز الثانية الواحدة؛ يعكس فعل ذلك نفسا نقية، وإخراج مبلغ من المال لمحتاج ينظر إلى ذات الفعل على أنه فعل نفس رضية، وإعانة فقير في لحظة يأس يمر بها دون انتظار مقابل ما، يبقى ذلك فعل نفس تحررت من الحقد والكراهية، وأفعال كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وهي الأفعال التي لا تكلفنا عبئا ماديا، وإن أحدثت زلزلة لقناعات التي نكابر فيها، ونرجح كفة الانتصار للذات في كثير من المواقف.

وهل يَكره الواحد منا نفسه؟ أقول: نعم؛ ويحقد عليها، وينزلها منازل الذل، بينما النفس يجب أن تكون مترعة بالفضاء الإنساني الرحب، وبالأخوة، وبالصداقة، وبالعفة، وبالكرامة، وبالرضا، فمتى أنزلناها هذه المنزلة المباركة، فاضت بعطائها إلى الآخرين من حولنا، ولبست الحياة صورا جميلة ورائعة من التعاون، ومن الصدق، ومن الكرم، ومن الشجاعة، ومن المروءة، ومن العفاف، وفي المقابل متى كرهناها أصبحت وبالا على الآخر، شديدة الانتقام، شديدة التعفن، شديدة الغضب، شديدة الحساسية المفرطة والفارطة، يتلبسها الحقد، والبغضاء، والكراهية، فترى في الآخر عدوا ولو كان صديقا، وترى في الآخر حقودا ولو كان رضيا، وترى في الآخر معول هدم، ولو كان مقود بناء، وترى في الآخر ضلالة قاتمة، ولو كان صفاء ناصعا.

وهل نحن أنبياء؟ لا نحن أناس؛ نحب ونكره، نزعل ونرضى، نحقد ونسامح، نقسو ونعفو، نمسك ونبسط، نعيش كل هذه المتناقضات، ولكننا في حالاتنا الأكثر نعود إلى إنسانيتنا المعهودة، حيث تسيل مآقينا دموعا حرقى من الشوق، ومن الندم، ومن العبرة، ومن العفو ومن الرضا، لا نكره إلا بقدر ما يغضبنا الفعل السيئ، ولا نقسو إلا بقدر ما تحملنا مشاعرنا في لحظة الحدث من ضغط نفسي، ليس إلا، أما أن نعانق الكبرياء، ونعقد صفقات من الآلام النفسية، فليس ذلك من الإنسانية في شيء، ولذلك علينا أن نستفيد حتى من سلوكيات الحيوانات الضارية التي لا تفرق بين الوالد وولده، فهي ما إن تشبع غريزتها الصلفة حتى تعود وديعة، سهلة، انقيادية، ترى في الإنسان أخا وكريما، وحميما، وصديقا، وإن قسا عليها في كثير من الأحيان، تحدث هذه الوداعة كلها لأنها أشبعت غريزتها، وشبع الغريزة لا يمكث إلا لحظات محدودة لا تتعدى اللحظات القليلة من عمر الزمن.

عندما يكره الواحد منا نفسه، تلبس الحياة أمامه غمامة سوداء، وينقلب البياض إلى سواد، والجمال إلى قبح، واللذيذ إلى مر المذاق، والابتسامة إلى اكفهرار، والرضا إلى سخط، والمحصلة النهائية معاناة نفسية، وإرهاق، وهل تحتاج الحياة منا أن نحمل أنفسنا كل هذه المعاناة؟ حقا نحتاج إلى مراجعات مستمرة لأنفسنا من أنفسنا، حتى نجتاز هذه العقبة الكأداء لنصل إلى المحبة، والرضا، والتسامح، ونقول: عفا الله عما سلف، فما أضر الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلا هذا الانتصار للذات، وللذات فقط، تحت مسميات عدائية كثيرة، ما أنزل الله بها من سلطان.