الملف السياسي

المواجهة الصحيحة للتطرف والإرهاب

17 أبريل 2017
17 أبريل 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن الإرهاب الذي أصبح يشكل خطرا محدقا بالإفراد والمؤسسات، كما يعمل بصورة هادفة على تقويض أسس الدول وقدرتها في الاستقرار والتنمية، بل أصبح هذا التطرف، ينال من المدنيين العزل، من خلال استهدافهم في الأسواق والأماكن العامة، بل ودور العبادة، وهذا الإرهاب ازداد شراسة وعنفاً في السنوات الماضية، وصارت أدواته في الهجمات على المدنيين، تتطور من مكان لآخر، مما يستدعي اتخاذ تدابير دقيقة لمواجهة هذا الإرهاب وأساليبه. ولذلك من المهم أن تتعدد الوسائل والطرق لهذه المواجهة، للحد من هذه الهجمات، واتخاذ خطوات أخرى، لتقويض العمليات الإرهابية، ويجب ألا يقتصر الأمر على المواجهة الأمنية والعسكرية، بل لابد أن تكون هناك وسائل أخرى، بحيث يكون الرد أيضا فكريا واجتماعيا، ومحاولة محاصرة فكر التطرف، من خلال تحركات من أهل الفكر والدين، والبحث بصورة أو بأخرى.. لماذا يستهدف المدنيين؟ قد يكون بعض الاستهداف للمؤسسات العسكرية والأمنية، لكن لماذا الأبرياء؟ وهذه مسألة لافتة، وتحتاج إلى بحث واستقصاء، للتعرف على العنف الذي ينال من أشخاص ليس لهم علاقة فيما يجري ويحدث على الأرض من هذه الجماعات، خاصة إن كانت تلك الجماعات، تقاتل الدول، لأهداف سياسية. لكن الإرهاب أعمى ـ كما يقال ـ فهو فعلا لم يعد يعرف حتى الطريق السليم، لأن مساره خاطئ وعقيم حتى من الناحية الأخلاقية، ولذلك فإنه في النهاية سيخسر معركته حتما، لكن ما يفعله الإرهاب قبل خسارته، سينال من الكثير من الأبرياء، ومن الاستقرار، ومن المؤسسات التي تقدم الخدمات الضرورية للناس، كالمشاريع وغيرها. والحقيقة أن طرح قضية تجديد الخطاب الديني، أو التعليم الديني، كإحدى طرق العلاج للتطرف والإرهاب، لن يجدي نفعا، وهذا تم الحديث عنه من خلال المؤلفات والمؤتمرات والندوات، فقضية التطرف ليست، قضية دينية خالصة، لكن لها أبعاد متعددة، ومن المهم النظر للأمر من كل جوانبه، حتى تكون المعالجة وفق الأسس الصحيحة، سواء في الجانب السياسي، أو الاقتصادي، أو الفكري، ويكون التوصيف دقيقا ومتوافقا مع قضية التطرف والإرهاب، الذي أصبح يزداد بطريقة غريبة ولافتة، فليست القضية قضية التعليم وحده، ولا تطوير الخطاب الديني،هو البلسم الشافي لقضية التطرف، بل إن الإرهاب والتطرف يتمايز في منطلقاته، وهذا التمايز يجعل من هذه الظاهرة ـ الإرهاب والتطرف ـ تختلف من بلد لآخر تبعا لأسباب وعوامل عديدة ومتداخلة في نفس الوقت. منها العامل السياسي ـ وهو الأكثر بروزا ـ إلى جانب العوامل الاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية والفكرية وهكذا، صحيح أن بعض الأسباب ترجع للفهم المغلوط عن الدين وتشريعاته وتفسيراته، ولابد من النقاش الفكري لبعضهم ممن يحمل هذا الفكر، ومنطلقاته المتطرفة، كما حدث في الثمانينات، في مناقشة جماعات العنف السياسي في السجون المصرية، وأثمرت نجاحا كبيرا في مراجعة غالبية قيادات هذه الجماعات، وإصدارهم كتبا أسموها (المراجعات)، واعترفوا بأخطائهم فيما قاموا به، لكن التطرف والغلو، له أسبابه الكثيرة، ومن هنا يجب التعاطي مع ظاهرة التطرف من كل جوانبها المتعددة، فظاهرة الإرهاب والتطرف ظاهرة مركبة ومعقدة ومن الإنصاف أن تكون النظرة إليها شاملة ومتوازنة ولا تقف عند عامل واحد فقط ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى التي ربما تكون هي العامل الحاسم في هذه المشكلة أو الظاهرة التي تجتاح العالم كله وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط.

ومن خلال ما نقرأ ونتابع، التحليلات والرؤى التي تكتب وتناقش هذه الظاهرة اللافتة في انتشارها الكبير في العالم، حتى وصل هذا التطرف إلى جيل ولد وعاش في أوروبا، إذا هناك اختلاف واضح عند الكثيرين في تقييمها، وهذا ربما يكون صحيحا، وقد لا يكون كذلك، لكن يظل الاختلاف قائما والسبب عدم البحث الدقيق لظاهرة الإرهاب والتطرف، العالم كله وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط. فالبعض يرجع قضية الإرهاب والتطرف إلى الجهل وقلة العلم والفهم بأمور الدين والدنيا، والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج الفقر والبطالة في العديد من المجتمعات العربية، والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج القمع السياسي وغياب الحرية والديمقراطية، ويراها البعض الآخر مشكلة نفسية واجتماعية وأسرية .. الخ. ففي العراق مثلاً، يرى أغلب المهتمين بالقضية العراقية، أن الإقصاء والقمع والطائفية، أحدثت شرخا في المجتمع العراقي المتعدد الديانات والمذاهب والأعراق، والطامة الكبرى أن قانون الحاكم العسكري (بريمر) عندما حدد الحصص المذهبية للنشاط السياسي الانتخابي، وإصدار قانون (اجتثاث البعث) الذي طرد بموجب هذا القانون مئات آلاف من الضباط والجنود العراقيين، وهو ما جعل عددا كبيرا منهم ـ كما يرى بعض المحللين ـ ينضمون إلى الجماعات المتطرفة، وهذا ما جعل هذه الجماعات تكسب أعدادا كثيرة على الأرض بسبب خبرتهم الكثير من العسكريين العراقيين السابقين في الجيش العراقي، فالتطرف له أسبابه العديدة، ولذلك من المهم النظر لهذه الظاهرة نظرة عقلانية منطقية، وما يقوله البعض من أن التعليم الديني هو السبب ليس دقيقا، فأغلب قيادات التنظيمات المتطرفة، ليست من خريجي تخصصات دينية، بل إنهم درسوا دراسات في جامعات عصرية حديثة، فأسامة بن لادن، خريج اقتصاد وإدارة عامة، وقبل ذلك في صباه درس في مدارس نموذجية، أغلب موادها باللغة الانجليزية!! ود/‏‏أيمن الظواهري درس الطب بجامعة القاهرة، وهي جامعة عصرية وحديثة بكل المقاييس، وأبو بكر البغدادي درس في الثانوية العامة دراسة حديثة في العراق، وهكذا، وبالتالي فإن التعليم التقليدي أو الديني ليس طريقا للقضاء على فكر التطرف والإرهاب، وان إصلاح التعليم أيضا ليس وحده هو المجال الذي سينهي التطرف، لأن المشكلة لها أسباب أخرى عديدة، ولابد من النظرة الصحيحة لمعالجة هذا التطرف، ولماذا ظهر بقوة في دول معينة فجأة ؟ ولماذا يختفي ويعود في بلدان أخرى؟ ولماذا ليس له وجود تماما في دول بعينها؟ وما أسباب اختفائه ؟ كل هذه الرؤى مهمة للقضاء على أسبابه وجذوره، لأنه في ظل عدم التشخيص الدقيق له، سنظل في متاهة وهذه الإشكالية الخطيرة في بعض مجتمعاتنا العربية.