الملف السياسي

البرامج الوقائية والتعاون متعدد الأطراف .. ضرورة ملحة !!

17 أبريل 2017
17 أبريل 2017

د. عبد الحميد الموافي -

إنه مع الوضع في الاعتبار المعلومات التي وفرتها التحقيقات مع عناصر إرهابية في الفترة الأخيرة، حول مخططاتهم، فإنه من غير المستبعد أن تجري محاولات أخرى لاستهداف عدة مواقع دينية، مسيحية وإسلامية، ومواقع حيوية، وشخصيات مختلفة، في عمليات متزامنة، في محاولة لإرباك الشرطة، وإغراق المجتمع في موجة من الفوضى 

من الواضح، على مدى الأشهر الأخيرة، أن ازدياد الضغوط على تنظيم داعش الإرهابي، والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تسير في دربه أو في ركابه، سواء في سوريا أو في العراق أو في شمال سيناء، واليمن وغيرها، تنال من قدراته بشكل متزايد وملموس، وهو ما دفع بمجموعات متزايدة من الإرهابيين الى العودة الى أوطانهم، عبر طرق ومسالك مختلفة، ليس شوقا للأوطان بالطبع، ولا اطمئنانا على الأهل والأصدقاء، ولكن تنفيذا لتعليمات، ومحاولة لتمديد حياة التنظيم والعمل الإرهابي، وتوسيع نطاق الفوضى، وإقناع الذات والآخرين بأن الإرهاب لا يزال قادرا على الفعل والتأثير، وإثارة الرعب والفزع بين الأبرياء، وحصد الأرواح بدم بارد وبكل الوسائل الممكنة. حتى وان كان نجمه ينحدر الى الزوال بشكل أو بآخر. وإذا كان التخريب والقتل والتفجير أعمالا خسيسة لا يقبل بها إلا مسلوبو الإرادة، الذين باعوا أنفسهم للشيطان، لأنها لا ينطوي على أي بطولة أو شجاعة أو تضحية، فإن المفارقة التي لا ينبغي أن تمر مر الكرام هي أن التنظيمات الإرهابية الأقدم في أوروبا وأمريكا اللاتينية، قررت بعد عقود من العمل المسلح تسليم سلاحها الى الدول التي كانت تعمل فيها، وهو ما أقدمت عليه منظمة (ايتا) الانفصالية في إقليم (الباسك) في أسبانيا، وتنظيم فارك - الدرب المضيء - الإرهابي اليساري في بيرو، مؤخرا، في حين أن تنظيم داعش وتنظيم القاعدة يلجآن الى محاولة تفادي الزوال والانتهاء، بالعمل على نقل أنشطتهم وعملياتهم الإرهابية الى المجتمعات المدنية، المكتظة بالسكان، وبدون تمييز، وهو سلوك يعبر عن حالة من اليأس اكثر منه عن وعي أو إدراك لما يرتكبه من جرائم في حق الأبرياء. ولعل ذلك هو ما يفسر - على الأقل في جانب منه - موجة الأعمال الإرهابية التي جرت في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا والسويد وروسيا ومصر في الآونة الأخيرة، والتي تراوحت بين أعمال الدهس واستخدام سلاح ابيض، أو أي أداة يمكن أن تستخدم لإيذاء الآخرين، وبعض التفجيرات، وبين استخدام أحزمة ناسفة في عمليات انتحارية، وهو ما حدث في عمليتي التفجير الإجراميتين اللتين استهدفتا المصلين من الأخوة المسيحيين في كنيسة مارجرجس بطنطا والكنيسة المرقسية في الإسكندرية، مع بدء احتفالات المسيحيين بأسبوع الآلام في التاسع من أبريل الجاري، وفي محاولة للاقتراب من هذا التطور المأساوي، والذي يمكن أن تترتب عليه نتائج عديدة، في الحاضر والمستقبل، سواء على صعيد جهود مكافحة الإرهاب، أو على مستوى ما يمكن اتخاذه من جهود مشتركة لمكافحة هذه الأعمال الخطيرة، فإنه يمكن الإشارة باختصار الى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

*أولا: انه ليس مصادفة أبدا أن تكون مجموعة العمليات التي جرت في مدن أوروبية مؤخرا، تمت كلها تقريبا باستخدام أدوات مثل السكين أو آية آلة حادة، الى جانب تحويل السيارة الى أداة للقتل، بدهس الأشخاص والتجمعات بشكل متعمد لإحداث أكبر قدر من الإصابات، واستخدمت المتفجرات في محطة إنفاق مدينة بطرسبورج الروسية وفي استهداف باص لنقل اللاعبين في إحدى مباريات برلين- فريق بروسيا بورتموند - مؤخرا ويعني ذلك أن الذئاب المنفردة في أوروبا بدأت تتحرك، ولأنه لا تتوفر لها مواد متفجرة، نظرا لقوة الإجراءات الأمنية واستمراريتها على مدى الأعوام الأخيرة، فإن تلك الذئاب تحاول استخدام ما في يدها من أدوات ذات استخدام مدني. على الجانب الآخر فإن المتفجرات والأحزمة الناسفة استخدمت في حادثتي كنيستي طنطا والإسكندرية في مصر، وهو ما يشير الى وجود مجموعات إرهابية في بعض البؤر التي كشفت عنها ملاحقات وزارة الداخلية المصرية مؤخرا في أسيوط والقليوبية والشرقية. وفي ظل الحرب الشرسة التي تتعرض لها مصر، والتي تتورط فيها أطراف إقليمية ودولية - بغض النظر عن المواقف الإعلامية - وتقوم بدعم كبير تجمعت وتتجمع خيوطه لدى السلطات المصرية، بشكل اكثر وضوحا وتكاملا أيضا، فإن ازدياد الضغط على الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، وتطهير جبل الحلال في وسط سيناء من تلك العناصر الإرهابية مؤخرا، دفع ببعض العناصر الى التسلل الى الوادي، لاستغلال الكثافة السكانية في تغطية أنشطتهم الإجرامية، ولمحاولة إحداث خسائر أكبر، بحكم كثرة السكان. ومع أن استخدام الجماعات الإرهابية لورقة استهداف الأخوة المسيحيين وكنائسهم، هي ورقة تم استخدامها، ويتم استخدامها لمحاولة شق الصف المصري الداخلي بكل السبل الممكنة، ولن تتوقف تلك المحاولات الخسيسة، فإن استهداف دور العبادة المسيحية هو إفلاس فكري وأخلاقي ونوع من اليأس الواضح، ولكنه يأس مكلف بالنسبة للمجتمع والشعب والدولة المصرية، بحكم الخسائر في الأرواح والمصابين وتكرار الطرق على نقطة التماسك القوي لعنصري الشعب المصري. وبرغم آية خسائر تترتب على تلك العمليات الإرهابية الإحرامية، إلا انه من المؤكد أن مصر لن تنكسر، وستفشل كل جهود ومحاولات إثارة فتنة طائفية، لسبب بسيط هو الشخص المصري العادي، فلاح أو عامل أو أيا كان مستوى تعليمه لا تشغله مسألة المسلم والمسيحي، ولا مسألة المذهب على الجانبين، بل انه يستهجن أن يسأل، أو أن يسأله أحد عن ديانته أو مذهبه، لأنه نشأ على انه مصري، وان مصر بكل أبنائها في الجيش والشرطة والحقل والمدرسة والجامعة والمصنع، ولذا فان الأعمال الإرهابية الأخيرة كان لها ضحايا من المسلمين أيضا، سواء من أطقم حراسة الكنيستين، أو من المارة، ولذا فإن محاولات شق الصف المصري لن تنجح مهما تكررت، وان كان من المهم والضروري العمل بمختلف السبل لوأد مثل تلك المحاولات الإحرامية، التي تمس حاضر ومستقبل اكبر دولة عربية، خاصة وأن الجميع يدرك أن بقاء مصر قوية ومتماسكة وقادرة على حماية امنها الوطني، هو ضمانة أيضا للحفاظ على أمن المنطقة والدول الشقيقة، ولذا فإن ازدياد الضغط على مصر هو استهداف لها وللمنطقة من ورائها أيضا. وليس مصادفة أبدا أن تتعرض المنطقة لما تعرضت وتتعرض له، عندما تكاثرت المشكلات على مصر في السنوات الأخيرة، وهذا الدرس يعيه جيدا أعداء مصر والمنطقة، منذ سنوات.

* ثانيا: إنه مع الوضع في الاعتبار المعلومات التي وفرتها التحقيقات مع عناصر إرهابية في الفترة الأخيرة، حول مخططاتهم، فإنه من غير المستبعد أن تجري محاولات أخرى لاستهداف عدة مواقع دينية، مسيحية وإسلامية، ومواقع حيوية، وشخصيات مختلفة، في عمليات متزامنة، في محاولة لإرباك الشرطة، وإغراق المجتمع في موجة من الفوضى وردود الفعل التي يمكن توجيهها بشكل متعمد بعد ذلك، لتحقيق أغراض معدة ومعروفة، ولذا فان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في مصر، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب، كانت بمثابة قطع للطريق أمام أية محاولات، تجمعت أو تتجمع خيوطها ومصادر تمويلها لدى القيادة المصرية.

على انه من المهم والضروري أن يتحول ذلك الى برامج وخطط سريعة ومدروسة أيضا، لمواجهة محاولات ضرب الوحدة الوطنية المصرية، ومحاولة إفشال جهود الدولة في الإصلاح والتنمية، وتخفيف معاناة المواطنين والخروج من عنق الزجاجة بضغوطه الراهنة. ونظرا لأن الأمر لا يحتمل الانتظار، بل يحتاج الى التحرك العاجل، فإنه يحتاج الى التحرك الفوري، ليس للتفتيش في النوايا بالطبع، ولا المطاردة على أساس الشبهات أو الشكل، ولكن لاستكمال المنظومة الأمنية، وتطوير إمكاناتها وقدراتها وتحديث معلوماتها، وتوفير احدث التقنيات لدعمها لتقوم بدورها في حماية الجبهة الداخلية المصرية. وبقدر الحاجة لإعطاء المثل والقدوة في العمل والتفاني على مستوى القيادات في كل المواقع، وليس على مستوى الجيش والشرطة فقط، فان هناك حاجة ماسة للتعاون الواسع من جانب المواطنين مع أجهزة الدولة في تحقيق مزيد من القدرة على اكتشاف وملاحقة العناصر الإرهابية، في كل المواقع وبكل السبل الممكنة. يضاف الى ذلك أنه نظرا لأن مصر لا تملك ترف الانتظار، فان عمليات تطوير المناهج الدراسية، والخطاب الديني، ووضع حد لفوضى الإعلام، ينبغي أن تبدأ عمليا على الفور، وبخطوات محسوبة ومتدرجة ومستمرة أيضا، دون إرباك لا للعملية التعليمية، ولا لأداء الأزهر، وهو ما يحتاج درجة كبيرة من وضوح الرؤية ومن الجرأة في العمل بالاعتماد على كوادر قادرة على القيام بذلك، ومصر بها والحمد لله فائض من الكوادر الوطنية ومن الشباب الواعي في كل المجالات.

ومن المهم والضروري أن يتم ذلك كله بشكل سلس وبتعاون بين مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة دون مزايدة أو اضطراب أو عمليات شحن زائدة لا داعي لها، وهنا فان دورا بالغ الأهمية يقع على عاتق الإعلام، ولعل تشكيل هيئات الإعلام التي تمت قبل أيام تسهم في ضبط وتحسين الأداء الإعلامي، خاصة وان الإعلام أصبح أحد أهم أسلحة البناء والهدم أيضا، حسب كيفية استخدامه. ومع الوضع في الاعتبار أن المواطن المصري، تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في إنجاح تلك الجهود، فانه من المهم والضروري إشراك المواطن المصري في تلك الجهود التي تبذلها الدولة، مع الحرص على أن تكون هناك درجة عالية من الشفافية في شرح وإيضاح مختلف القضايا والمواقف والمخاطر أحيانا، ليكون المواطن على بينة مما يجري حوله، وليقوم بما هو ضمن مسؤوليته. وهنا أيضا فإنه لا يقلل من أهمية تلك الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها في الفترة الأخيرة، لأن المصري ببساطة يحب وطنه ومستعد للتضحية من أجله، وعندما يدرك المخاطر فانه لا يتردد

أبدا، وما حدث في 30 يونيو 2013 وقبلها في 25 يناير 2011 كان بالغ الدلالة، لذا لابد من ربط المواطن بجهود مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وقطع خطوط تمويله ودعمه اللوجستي.

*ثالثا: انه بالتوازي مع العمل المدروس والمتواصل على المستوى الداخلي لتحصين الجبهة الداخلية واحتواء المجموعات الإرهابية النشطة والنائمة وتصفيتها وتطهير محيطها أيضا، كلما امكن ذلك، فانه من المهم والضروري تطوير التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لمكافحة الإرهاب، وبما يشمل تنظيم داعش وأية تنظيمات عنفية أو جهادية أخرى.

واذا كانت دول كثيرة باتت راغبة في التعاون لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، بعد أن طالتها شراراتها بشكل أو بآخر، فإن دعوة مجلس الأمن الدولي، عبر بيانه الرئاسي الذي اعلنه يوم 10 أبريل الجاري، والذي دعا فيه الى مساندة مصر والوقوف الى جانبها، والى التعاون لمكافحة هذه الظاهرة بجميع أشكالها ومظاهرها، نظرا لتهديدها للسلم والأمن الدوليين، تفتح المجال أمام تعاون حقيقي وعميق ومفيد أيضا لكل الأطراف، لمكافحة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى وتخليص العالم من هذه الآفة الخطيرة. وكلما كان هذا التعاون منصبا على مكافحة الإرهاب ومنظماته وتشكيلاته وميليشياته التي ترعرعت، كلما كان تعاونا فعالا ومفيدا، والمؤكد أن التخلص من داعش لن يتم سريعا، ولكنه سيتم في النهاية ولو بعد بعض الوقت، وهو ما يقتضي تعاونا واسع النطاق لصالح كل الأطراف، ولعل ذلك ينجح !!