الملف السياسي

تحركات إقليمية للحد من عدوان «داعش» على المدنيين

17 أبريل 2017
17 أبريل 2017

بشير عبدالفتاح -

يبدو أن هناك إرهاصات لتحركات إقليمية باتجاه مناهضة جرائم تنظيم «داعش» الإرهابي بحق المدنيين العزل قد بدأت تلوح في الأفق، وإن ببطء وحذر شديدين   

من بين جرائم شتى تقترف أثناء اشتعال أتون الحروب، برأسها تطل جريمة استهداف المدنيين، والتي غالبًا ما تأتي إما توسلًا لبلوغ غاية متمثلة في إرهاب البشرية وتفزيع الآمنين وصولًا إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين، أو كرد فعل انتقامي من قبل الأطراف الخاسرة أو المهزومة في الحرب، جراء إخفاقها في تحقيق الأهداف التي كانت تتوخاها من وراء شن الحرب أو الانخراط في النزاعات العسكرية. وفي الحالة التي نحن بصدد تناولها على مدى هذه السطور، يبدو أن تنظيم «داعش» الإرهابي قد سقط في براثن التنكيل بالمدنيين العزل في كل بقعة وطأتها أقدام مقاتليه، توخيا لتحقيق الهدفين معًا.

ولما كانت دول المنطقة، لا سيما تلك التي تكتوى منها بنيران «داعش» وجرائمه التي لا تغتفر بحق المدنيين العزل، قد آلت على نفسها استئصال شأفة هذا الخطر الإرهابي الجسيم عبر التصدي له بكل ما أوتيت من قوة، سواء من خلال تبنيها لإجراءات أمنية وعسكرية أحادية الجانب، أو عبر الانخراط في التحالفات الدولية والإسهام في الجهود الأمنية والعسكرية الإقليمية لمحاصرته وتقويضه، وبناء عليه، كان حريا بدول المنطقة أن تتلمس سبلا أخرى موازية لتلك العسكرية والأمنية لاحتواء الخطر الداعشي وتقويض جرائمه بحق المدنيين العزل، بل ومحاسبته على اقترافها، ومن هنا تلوح في الأفق أهمية الآليات الإعلامية والقانونية والقضائية، على الصعيدين الإقليمي والدولي.

فإعلاميا، يتعين على دول المنطقة توحيد جهودها والتنسيق فيما بينها لتهيئة الأجواء الملائمة لفضح جرائم «داعش» للرأي العام العالمي بالصوت والصورة والتوثيق من خلال وسائل الإعلام المختلفة، الناطقة بلغات وألسنة متعددة، كما وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا يجب أن تتوانى في هزيمة كتائب «داعش» الإلكترونية، بالتوازي مع عقد الفعاليات الثقافية والفكرية التي تسلط الضوء على تلك الجرائم في كل مكان، خصوصًا داخل أروقة المنظمات الدولية المعنية. وعلى المستويين القانوني والقضائي، يمكن محاصرة التنظيم قانونيا وملاحقته قضائيا عبر الخطوات التالية:

- توثيق كافة الممارسات والجرائم المتعلقة باستهداف المدنيين: وذلك من خلال تحضير وإعداد الملفات الملائمة وفقًا لأعلى المعايير المتعلقة بجمع الأدلة والتوثيق تمهيدًا للمتابعة القانونية أمام المحاكم المحلية والدولية لضمان محاكمة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكابها. تنص المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لعام 1949، على واجب الدول الأطراف فيها، اتخاذ ما يلزم من إجراءات تشريعية لفرض عقوبات جزائية فاعلة على الأشخاص الذين يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة المنصوص عليها في المادة 147 من الاتفاق، ومن ضمنها كافة الجرائم المتعلقة باستهداف المدنيين، لذا فإن الدول الأطراف ملزمة بملاحقة المتهمين باقتراف المخالفات الجسيمة، أو التخطيط لها أو التغاضي عنها أو الأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أيّا كانت جنسيتهم، ولها أن تسلمهم إلى طرف متعاقد آخر لمحاكمتهم.

ويمكن الاستعانة في هذا الصدد، بالخبرات الدولية، من خلال تشكيل لجنة تحقيق دولية لديها التفويض الدولي الكامل ومستقلة للقيام بإجراء تحقيقات مهنية وشفافة في جميع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني بكافة المناطق التي شهدت تلك الانتهاكات، والتوضيح للمجتمع الدولي، بشكل جلي، مدى تورط «داعش» في ارتكابها ليتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية.

- منح المحاكم الوطنية ولاية قضائية دولية : من المفترض أن يلعب القضاء الوطني الداخلي دورًا مفصليًا في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطرة، لمنع الإفلات من العقاب، ثمّ، تحقيق العدالة لكل الذين انتهكت حقوقهم وقاسوا الأمرّين من ممارسات «داعش» الخرقاء. أسهمت ممارسات الدّول في ترسيخ قاعدة ذات قدر من الأهميّة في القانون الدولي العرفي، يتسنّى لها بموجبها منحَ محاكمها الوطنية ولاية قضائية عالمية فيما يتعلق بجرائم الحرب، ومن ضمنها الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الثاني الإضافي لعام 1977، والجرائم المدرجة في متن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، سواء اقترفت في النزاعات المسلّحة الدولية أم غير الدولية. وهناك أيضًا عدد من الصكوك الدولية مثل اتفاق الأمم المتحدة الخاص بمناهضة التعذيب، ومناهضة غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والاتفاق الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، والتي تتضمن التزامات مشابهة، تلزم الدول الأطراف بمنح محاكمها الوطنية شكلًا معينًا من الولاية القضائية العالمية، فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عليها في تلك المعاهدات، ومن ضمنها الجرائم التي ترتكب إبان النزاعات المسلحة.

- الاستعانة بالقضاء الدولي: لما كانت معظم الدول التي شدت انتهاكاتٍ جسيمةً تمثلت بارتكابِ جرائمِ حربٍ وجرائمَ ضد الإنسانية في حق المدنيين، خاصة سوريا وليبيا والعراق، تعانى وضعا لا يتيح لها الاضطلاع بدورها القانوني والقضائي في محاسبة ومعاقبة المتورطين في مباشرة جرائم ضد المدنيين، إمّا بسبب غياب الإرادة السياسيّة، أو لعدم أهلية نظامها القضائي لتنظيم مداولات جنائية تتوافقُ مع المعايير الدّولية للمحاكمة العادلة في ظل الظروف الصعبة التي تعصف بدول المنطقة هذه الأيام، أو بسبب عدم انضمام دولة مثل سوريا، التي تشهد جرائم هائلة من قبل «داعش» ضد المدنيين فيها صباح مساء، إلى المحكمة؛ لأنها غير مصادقة على نظامها (نظام روما الأساسي في محكمة الجنايات الدولية لعام 1998 دخل حيز النفاذ عام 2002) ما يجعل تفعيل ولاية المحكمة في هذه الحال منوط أيضًا بقرار يتخذه مجلس الأمن، فقد بات من الأجدى، تفعيل آليات القضاء الدولي المتاحة لمحاكمة مجرمي «داعش»، ففي حال امتناع الدول عن تطبيق ولايتها القضائية على مرتكبي الجرائم الخطرة، أو عدم قدرة تلك الدول على تطبيقها، تصبح الولاية القضائية العالمية هي الآلية الفاعلة في ضمان المساءلة وإجراء تحقيقات بالانتهاكات الجسيمة التي ترقى لمستوى جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والتعذيب، بما يحول دون إفلات المجرم من العقاب. ومن أبرز هذه الآليات: - المطالبة بتحويل ملف الجرائم بحق المدنيين إلى محكمة الجنايات الدولية: فنظرا لوجود صعوبات عديدة أمام دول المنطقة حاليا فيما يخص إقامة محكمة جنائية خاصة مؤقتة ووضع إطار عمل قانوني مناسب لها، والعثور على مقرات لها، فضلا عن الوقت والكلفة اللازمين لتوظيف عامِلِين مؤلِين، وضمان تعاون الدول مع المحكمة.

فإن من الأجدى تحويل الحال الخاصة بجرائم «داعش» ضد المدنيين إلى محكمة الجنايات الدولية، كونها قائمة بالفعل، وتعمل بصورة دائمة، وتمتلك اختصاص النظر في الانتهاكات الجسيمة لطرفي النزاع في سوريا. ولكي تمارس المحكمة اختصاصها بنظر جريمة استهداف المدنيين، في حال سوريا مثلاً، يتعين أن تحال الجريمة من جانب دولة أخرى طرف، وهنا يظهر دور دول المنطقة، أو أن يتصرف مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فيحيل الحال السورية إلى مدعي عام المحكمة، ويطلب منه فتح تحقيق بموجب المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة.

ويبدو أن إرهاصات لتحركات إقليمية باتجاه مناهضة جرائم تنظيم «داعش» الإرهابي بحق المدنيين العزل قد بدأت تلوح في الأفق، وإن ببطء وحذر شديدين.فبعد تتابع الإدانات الدولية و الإقليمية لتلك الجرائم ، سواء من قبل الأزهر الشريف ودار الإفتاء في مصر، أو الدولة التركية، والذين اعتبروا هذا الاستهداف الخسيس انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وتعبيرا عن فشل التنظيم الإرهابي الذريع، ونتاجا لهزائمه المتوالية في الميدان، فيما استنكرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، كما الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش ، استمرار استهداف تنظيم «داعش»المتعمد للمدنيين الأبرياء، من أجل تقليل الضغط الشديد عليه في جبهات القتال، طالب رئيس مجلس النواب العراقى سليم الجبوري مؤخرًا، بتدويل قضية استهداف تنظيم «داعش» الإرهابي للمدنيين بأسلحة محرمة دوليًا، عبر طرحها أمام منظمة الأمم المتحدة والأجهزة الدولية الأخرى ذات الصلة، من أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات صارمة وعاجلة تتيح وضع نهاية حاسمة وفورية لتلك المأساة الإنسانية المفجعة، ليس فقط لدول المنطقة وإنما للعالم أجمع.