أفكار وآراء

الإرهاب وعلاقته بالتخلف الفكري والاقتصادي والاجتماعي

15 أبريل 2017
15 أبريل 2017

مرتضى بن حسن بن علي -

[email protected] -

تسببت الهجمات الإرهابية في كثير من البلدان العربية في مقتل وجرح وإعاقة مئات الألوف من الأشخاص الأبرياء، خلال العقود الثلاثة الماضية.

ويتحمل العرب باعتبارهم الضحية الأساسية لأيدولوجية القتل، واجباً أخلاقياً ودينياً لعزل وكشف ومعارضة هذه الإيديولوجية والمنظرين لها الذين يشجعون الارهاب باسم الدين ومن ضمنهم بعض العلماء والمشايخ، سواء عن طريق التحريض او السكوت أو ايجاد الاعذار والذرائع أو القيام بإدانة باهتة في العلن للإرهاب مع مباركة في السر، مستندين على تفسيرات خاصة لبعض الآيات من القرآن الكريم أو لبعض الاحاديث او اختلاق بعضها او الحوادث التاريخية المنصرمة.

لا فائدة من الإنكار على وجود أسباب عديدة، خارجية وداخلية، حديثة وموروثة، ساهمت في انتاج مناخ عربي مريض يفرخ الإرهاب. فالإرهاب لا ينمو من فراغ، وانما يحتاج الى تربة وبذرة وسماد ومناخ مناسب. ولكي نكون صادقين مع أنفسنا ومع غيرنا فلا بد من الاعتراف بأن العنف ظاهرة إنسانية تتبدى أو تتوارى في المجتمعات بعلاقة من نوع ما مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والفكرية التي تسود تلك المجتمعات. وبسبب الصدمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والفكرية والجسدية المتراكمة، فقد جمحت - وكان محتماً أن تجمح وتتكشف- أسباب العنف.

هناك بالتأكيد من يساعد الارهاب بالتحريض والدعم والتمويل، ولكن لا احدا يستطيع ان يستغل إلا ما هو قابل للاستغلال، أي ان المناخ المولد لظاهرة ما، هو الذي يساعد اكثر من غيره على ظهور واستفحال هذه الظاهرة. فالتحريض والدعم والمساعدة لم تكن جميعاً قادرة على أن توجه وتؤثر، ان لم تكن الأرضية جاهزة والجو مهيأً ، ولذلك نحن كلنا مطالبون بمعرفة جذور الإرهاب: ما الذي يجعل عددا كبيرا من العرب يصاب بحالة من الانبهار بحقيقة أن شخصاً ما على استعداد للموت من أجل قتل آخرين ابرياء؟. ما الذي يدفع ترسخ الفكرة عند شخص ما لإنهاء قيمة الوجود لديه وهو في مقتبل عمره، أملاً في الحصول على حياة مليئة بحور العين والغلمان المخلدين وأنهر من الخمر وكل أدبيات «الاستشهاد» الانتحاري؟ ، وقيام الانتحاري بتداول تلك الأدبيات «الاستشهادية» ليقتنع بها تماماً. كلها أمور ومواضيع تستحق البحث المتمعن، ولا أحسب أن الوعي العربي واجه تلك الامور والمواضيع من زواياها المعرفية والتاريخية والواقعية.

وصايا الانتحاريين المسجلة، لا توضح مدى الاستقرار النفسي الذي يملأ قلوبهم والقناعة المسيطرة على أفكارهم فحسب، وانما توضح ايضاً أن ما يقدٌم عليه الانتحاري تعبير سلوكي عن عدم وجود رغبة الحياة لديه أو اختيار العدم من الوجود، وانه يقدم على عمله عن قناعة وبقصد الرغبة لتغيير واقع يراه سقيماً ومريضاً، أو منعاً لحصول واقع جديد يحسبه أكثر سقامة ومرضاً من الواقع الذي يعيشه وبالدم والنار.

تلك الأيدولوجيا تغذيها مع الأسف- بقصد أو جهل أو تجاهل- العديد من المناهج المدرسية والدروس في المساجد ووسائل الاعلام، مستندة الى حشد هائل من الفتاوى المتناقضة مع بعضها البعض وبعض الأطروحات التي تقسم المسلمين الى فرق هالكة وأخرى ناجية وتنشر الكراهية والحقد بين اتباع الديانات والمذاهب والطوائف والملل والنحل.

قد نعزي أنفنسنا بالقول إن كل ذلك من أعمال مجموعة صغيرة من الافراد، دون الاعتراف الصريح بأن تلك الاعمال هي الثمرة المريرة لقبولنا وسكوتنا على اختطاف الدين وفي وضح النهار من قبل المتطرفين، بينما تراقب الأغلبية بخليط ممزوج من القلق والاعجاب أو عدم الاكتراث معاً، مما يجعل تلك المجموعة تعتقد أنها تتمتع بالتأييد الضمني من الأكثرية . والى أن ترفع الأغلبية صوتها عالياً وجهيراً، تدين تلك الهجمات الإرهابية بدون تحفظ وبدون شروط أو كلمات اعتذارية مثل «لكن» «واذا» وعندما» «وشريطة»، فان تلك المجموعة سوف تظل معتقدة أنها تتمتع بالتأييد الضمني من الاكثرية. والحقيقة الماثلة أمامنا تشير الى أن نجاح تلك الاطروحات على إغراء واحد بالمائة فقط، فإنها بعملية حسابية بسيطة قادرة على إفراز نحو ثلاثين مليون إرهابي من المتعاونين او المتعاطفين.

قد تكون هناك أسباب عديدة على قدرة تلك الاطروحات على التأثير، فالظروف المحيطة أوجدت حالة من خلل التوازن الاجتماعي والفكري تعتري المجتمعات العربية وتهزها بقسوة وعنف. وتسبب تشققات خطرة في البنيان الاجتماعي العربي.

إن دراسة أحوال المجتمعات العربية تتطلب معرفة واكتشاف عامل «الخصوصية» الموجود في تكوين العرب وتحديده باستقلال علمي وفكري ومن زواياه المعرفية والتاريخية والواقعية بمعزل عن التعميمات السطحية للأفكار السائدة وبمنأى عن المثاليات والوجدانيات القومية والوطنية «والدينية» والاتهامات بالكفر والإلحاد والردة غير المستندة على أساس علمي او منطقي أو ديني.

لقد فقد العرب قوة الدفع الذاتي الأساسية للسير الى الامام، وحل محلها القصور الذاتي. ولا بد من معرفة اسباب ذلك تمهيداً الى استنباط العلاج الناجع ليتناسب مع تلك «الخصوصية». لم يعد جائزا أن يبقى هذا «المسلسل» من الكوارث نتعاطى معها - كل كارثة على حدة - والنظرات الجزئية والآنية لا تغير من واقع الحال شيئاً.ومهما كانت مسؤولية الخارج ، وهي كبيرة ، فمن المهم أن نعرف نحن مسؤولياتنا، وذلك عن طريق رؤية الوضع كما هو ومعالجة الأسباب التي تفرخ الإرهاب. نحن لسنا بصدد حادث أو حوادث فردية، ولسنا أمام فئة ضالة أو قلة مخربة- وانما نحن وراء الحوادث ووراء التخريب والضلال- أمام أزمة اجتماعية تعليمية اقتصادية - لها زوايا إنسانية وفكرية- تستوجب التدقيق بالبصر والبصيرة معاً.

والوضع العربي يحمل «أنيمياث» التخلف ولا بد أن نتعامل مع ملفه واقعياً ومعرفياً وفكرياً. ووجود قوى خارجية «تتآمر»علينا ، يجب أن لا يعفينا من مسؤولية مصيرنا. فالقوى الخارجية ستفعل ما تستطيع من اجل مصالحها. فما الذي يمنعنا من العمل الجدي لحماية بلداننا والعمل على تقدمها وتطويرها؟. ولماذا استطاعت دول عديدة في العالم من تجاوز «المؤامرة»الخارجية واستثمارها والاستفادة منها، بينما لا يزال العرب متخلفين عن ذلك؟.

البحث عن هذه الحقيقة يغيب عنا أحياناً ... ومن هذه الغيبة يكون الخطأ في التشخيص والخطأ في العلاج. وأي مرض قابل للعودة إذا ما قلت المناعة ضده، والمناعة لا تتأتى باستعمال طب بدائي يلجأ الى نحر الذبائح دفعاً للأرواح الشريرة يحسبها داعي المرض، ومن هذه الغيبة أيضاً نجد الطبقات الشابة - التي هي مستودع الطاقة الحيوية والاجتماعية ومخزن طاقتها القادر باستمرار على دفع موجات التقدم - أصبحث مضغوطة ومحاصرة أكثر من اللازم.

هناك تخلف كبير ارتضيناه، وهو العنوان الكبير لما يجري من كوارث وهزائم وصراعات تعودنا أن نسميها «مؤسفة»... هذا الأسف المتكرر أصبح سمة من سمات ذلك التخلف. وإذا لم يبادر العرب بفتح ملف هذا «التخلف» بكل أبعاده وامتداداته وجذوره التاريخية والمعرفية وبكل ما يملكون من قدرة على البحث والتشخيص والتحليل والمعالجة، فانهم لن يغادروا الحالات «المؤسفة» التي يرونها في واقعهم الراهن ويتابعونها كل يوم عن مصير أوطانهم في نشرات الأخبار. وكل «آت» سيكون أكثر مدعاة «للأسف» من المأسوف عليه مع الأسف الشديد ويدفعهم الى مزيد من الانزواء والتراجع الى المجهول.