أفكار وآراء

الأزمات الاقتصادية والتطور التكنولوجي سببان في تزايد أعداد الباحثين عن عمل عالميا

15 أبريل 2017
15 أبريل 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

حذرت منظمة العمل الدولية في أحدث تقرير لها (2016) من أن استمرار ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل عالميا وتواصل الأيدي العاملة في ظروف غير مستقرة يؤثران بشدة على أسواق العمل في العديد من اقتصادات الدول الناشئة والنامية.

وتوقع تقرير “توجه العمالة العالمية والمنظور الاجتماعي” (WESO) لعام 2016 ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل عن العمل بمقدار 2.3 مليون لتصل إلى 199.4 مليون بنهاية العام. وتعد هذه الأرقام أكبر بكثير من معدلات ما قبل الركود الاقتصادي. وجاء في التقرير إن الاقتصاد العالمي لا ينتج عددا كافيا من الوظائف بشكل يعادل الارتفاع في أعداد الباحثين عن عمل.

“العمل في وضع هش يعد من الأبعاد السلبية لنوعية العمل. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار جودة العمل وتأثيره على معدلات الفقر في القوى العاملة. هؤلاء الناس يعملون ومع ذلك ما زالوا يقبعون تحت وطأة الفقر. والأرقام التي لدينا هنا تؤكد أن هناك 327 مليون عامل يعيشون في فقر مدقع، بالإضافة إلى 434 مليون عامل يعيشون في فقر متوسط، و533 مليون عامل على حافة الفقر. من المؤسف أن العمل لا يضمن للكثير من الناس حول العالم الهروب من الفقر. هناك حوالي 1.5 مليار شخص تقريبا يعملون في ظل تلك الحالات الهشة، ويمثلون ما يعادل 46٪ من القوى العاملة العالمية. إنه أمر مثير للقلق، فهذه الأرقام في تزايد وليس العكس.

“ واستعرض التقرير تطور أعداد الباحثين عن عمل في العالم مؤكدا أنه في تزايد بسبب واقع الاقتصاد العالمي الهش وقال إن معدل المُسرحين عن العمل في تزايد مستمر. فكان العدد 202 مليون عامل عام 2014 ، فارتفع إلى 205 ملايين عامل عام 2015، ويتوقع أن يتزايد عدد الذين يسرحون بمعدل مليون أو أكثر سنويا للأعوام 2016 و2017 و 2018 إذ يتوقع أن يسجل 212 مليون عامل عام 2019. فعدد العمال الباحثين عن عمل في كل دولة من دول العالم يتناسب طرديا مع قوة الاقتصاد أو ضعفه . فركود الاقتصاد أو انكماشه مع تواصل النمو السكاني فإن عددا إضافيا من السكان في سن العمل (18 سنة - 60 سنة) سيقدمون إلى سوق العمل وسيكونون في عداد الباحثين عن عمل وإن طال أمد انتظارهم للحصول على فرصة عمل أخرى فهم وعوائلهم عرضة للتحول إلى الفقر. أما إذا كان الاقتصاد قويا متناميا فإن أنشطته ستوفر المزيد من فرص العمل بالقدر الذي ينمو عدد السكان. وبذلك يكون الباحثين عن عمل محدودا. ويتحقق التوازن لسوق العمل.

وجود باحثين عن عمل مشكلة عالمية وواقع ملازم للاقتصادات الرأسمالية كافة . وبعد الأزمة المالية - الاقتصادية 2008 التي لم تنجُ منها أي دولة في العالم، عدا الصين التي تواتر نمو اقتصادها بمعدل سنوي 8% خلال السنوات العشر منذ 2008 .

ومن النتائج المؤلمة لوجود أعداد كبيرة من القوى العاملة لا تجد فرصة عمل أو أن عمالا يفقدون عملهم لأسباب كثيرة التي منها الأزمات الاقتصادية. تلك الحالات تتسبب بانحدار مستواهم المعيشي وأسرهم إلى الفقر. فتوقعات منظمة العمل الدولية التي تؤكد تزايد أعداد العمال المسرحين أو القادمين الجدد إلى سوق العمل مستقبلا، من سنة لأخرى، سيخلق ظروفا اجتماعية غير مستقرة بسبب تردي المستوى المعيشي للقوى العاملة التي تكوّن 90% من جملة قوى العمل في المصانع أو المزارع أو منافذ الخدمات.

في القرنين الميلاديين 18 و 19 لم يكن التطور التكنولوجي متسارعا كتسارعه في القرن العشرين. فمنذ منتصف القرن العشرين، وتحديدا بعد 1950، تسارعت الاختراعات بتضافر العلوم في الهندسة الميكانيكية مع الهندسة الكهربائية ــ الإلكترونية لتنجز الآلاف من المكائن والآلات التي تعمل بأسلوب التحكم المبرمج (الكومبيوتر). وعرفت تلك الإنجازات التكنولوجية بـ“ الذكاء الصناعي“ الذي قلص عدد العمال في العديد من الصناعات الثقيلة إلى الربع. ثم جاءت “الروبوتات“ (الإنسان الآلي) ومختلف أنظمة الذكاء الصناعي لتحل محل في “الروبوتات“ (الإنسان الآلي) ومختلف أنظمة الذكاء الصناعي لتحل محل العنصر البشري في عدد آخر من المهن والوظائف. العنصر البشري في عدد آخر من المهن والوظائف.

أشار إلى هذا الواقع كل من الاقتصادي “هيربرت سيمون“ الحائز على جائزة نوبل عام 1960، و“جيرمي ريفكن” في كتابه “نهاية العمل” الصادر عام 1996، أشارا “إلى أن البرمجيات المتطورة ستؤدي إلى الاستغناء عن الإنسان واستبداله بالروبوتات في إنجاز معظم الأعمال”.

يمكن القول إن المخاطر التي تتهدد القوى العاملة ليس سببه التطور العلمي - التكنولوجي ذاته، وإنما سببه النظم الرأسمالية التي لم تطور بعد نظم عمل تضمن حقوق القوى العاملة بتوفير فرص العمل بالتوازي مع التطور التكنولوجي في الصناعة والخدمات وبالأجور المتكافئة مع تكاليف المعيشة في كل مجتمع تحكمه قوانين السوق الرأسمالية.

وفي إطار قوانين العولمة وتوصيات مؤتمرات “منظمة التجارة العالمية” و“المنتدى الاقتصادي العالمي ــ دافوس” واتفاقيات التجارة الحرة، ومنذ 1990 انتقلت من الدول الرأسمالية الصناعية إلى الصين والهند وعدد من دول جنوب شرق آسيا مئات الآلاف من الشركات الصناعية توخيا لخفض كلف الإنتاج بما يتوفر من الأيدي العاملة الآسيوية الرخيصة والحصيلة فائض قيمة أكبر وأرباح متعاظمة على حساب فرص العمل التي تناقصت في الدول الرأسمالية الصناعية بتقليص عدد المصانع التي خلّفت قوى عاملة معطلة فقيرة تأخذ قوتها وأسرها من نظم إعانات الباحثين عن عمل.

يعتمد توفير فرص العمل في الدول ذات النظم الرأسمالية على شركات ومصالح القطاع الخاص التي تكون ملكية وإدارة الأنشطة الاقتصادية تابعة لهذا القطاع. إذ أن معظم القوى العاملة تعمل في شركات القطاع الخاص سواء في الأنشطة الإنتاجية الصناعية أو في قطاع الطاقة أو في قطاع الخدمات. أما القطاع الحكومي فلا يعمل في مؤسساته ما لا يتجاوز 10% من جملة القوى العاملة في المجتمع . لذلك فإن مهمة التشغيل وتوفير فرص العمل تعتمد على القطاع الخاص على أن يكون دور الحكومات في النظم الرأسمالية رسم السياسات العامة المحفزة للأنشطة الاقتصادية. مع التطور التكنولوجي وإحلال الآلات “الروبوتات“ التي حلت محل الإنسان في معظم الأعمال فإن شركات ومصالح القطاع الخاص في النظم الرأسمالية تستغني عن أعداد من القوة العاملة التي يمكن أن تحل الآلات محل الإنسان في أي عمل.

أما في الدول ذات النظم الاشتراكية التي تكون ملكية وإدارة معظم الأنشطة الاقتصادية تابعة للمؤسسات الحكومية فأن توفير فرص العمل من مسؤولية جهات التخطيط الحكومية التي تعمل على توزيع القوى العاملة في المجتمع على الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية بما يوفر العمل لمعظم القوى العاملة . غير أن التشغيل في النظم الاشتراكية مبتلى بظاهرة البطالة المقنعة ، إذ أن الحكومات تحاول توفير فرص عمل للقوى العاملة دون اعتبار للتناسب بين الحاجة الفعلية لطبيعة العمل في أنشطة الإنتاج المادي أو الخدمات وبين عدد العاملين في أي قطاع.

أما في الدول النامية التي لا يمكن تصنيف نظمها الاقتصادية بأنها نظم رأسمالية أو أنها اشتراكية فإن سوق العمل فيها لا تتحكم فيه ذات معايير التشغيل وتوفير فرص العمل التي نجدها تتحكم في نظم السوق الرأسمالية و لا تلك التي في نظم تخطيط القوى العاملة في النظم الاشتراكية. فالقطاع الخاص يشغل القوى العاملة التي تحتاجها أنشطته الاقتصادية وبالقدر الذي يقلص تكاليف العمل لتعظيم الأرباح وبما أن ملكية وإدارة الأنشطة الاقتصادية مقتصر على تلك الأنشطة التي تخلت عنها الحكومة فإن القطاع الخاص يرى أن واجبه يقتصر على توفير فرص العمل للحاجة الفعلية لطبيعة العمل. وبذلك تجد حكومات الدول النامية نفسها مضطرة لتوظيف أكبر عدد من القوى العاملة في مؤسساتها حتى وإن تضخمت أعدادها وتجاوزت العدد المطلوب لطبيعة العمل. الأمر الذي يؤدى إلى تكريس البطالة المقنعة . ففي معظم الدول النامية يوجد في المؤسسات الحكومية أعداد من القوى العاملة لا عمل لهم ويتقاضون رواتب.