أفكار وآراء

السبيل إلى الاتفاق مع كوريا الشمالية

14 أبريل 2017
14 أبريل 2017

جون ديلوري - ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

يفتقر الجدل الدائر حول جهود ترامب لصياغة استراتيجية خاصة بكوريا الشمالية إلى صوت كوريا الجنوبية، رغم أنها هي التي ستعاني من وطأة الرد الانتقامي في حال اختار ترامب توجيه ضربة استباقية لجارتها الشمالية. إن الوصول إلى سلام طويل الأجل في شبه الجزيرة الكورية مستحيل بدون مساهمة سول. لقد كان افتقاد كوريا الجنوبية لقدرة التأثير على إدارة ترامب واضحا خلال زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون الأخيرة إلى آسيا والتي عقد في أثنائها اجتماعات أقصر بكثير من تلك التي جمعته مع المسؤولين اليابانيين في طوكيو. بل إنه حتى لم يتناول العشاء مع نظرائه في سول. وزعم الجانب الكوري الجنوبي (تبريرا لذلك) أن تيلرسون كان مرهقا. (وهذا ما أطلق النكات التي شاعت في تويتر حول طاقة الرجل وقدرته على التحمل.) رد تيلرسون على مضيفيه الكوريين الجنوبيين بقوله إنهم لم يرسلوا أبدا دعوة عشاء. لقد تسبب الكوريون الجنوبيون جزئيا في تهميشهم. فكوريا الجنوبية ظلت مشغولة منذ العام الماضي بفضيحة سياسية تورطت فيها رئيستها بارك جين هيه وأفضت في النهاية إلى إقصائها من الحكم في 10 مارس الماضي. أما حكومة الساسة التي عينتهم «بارك» فتحافظ على موقفها المتشدد تجاه كوريا الشمالية ولكنها تفتقر إلى الشرعية في نظر الشعب. سينتهي الفراغ السياسي في كوريا الجنوبية حين تصوت البلاد يوم 9 مايو القادم لانتخاب رئيس جديد سيتولى الحكم على الفور. وستكون للانتخابات نتائج بالغة الأثر بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية ولسياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية. من المتوقع على نطاق واسع أن تفوز المعارضة الليبرالية بقيادة الحزب الديموقراطي. فمرشحه «مون جاي إن» يحتفظ بموقع مريح في المقدمة، حسب استطلاعات الرأي العام. أما المحافظون فمشتتون إذ انقسموا إلى أحزاب مؤيدة لبارك وأخرى معادية لها. ولم يجدوا حتى الآن مرشحا رئاسيا يحصل على نسبة 10% في الاستطلاعات. لقد أشتهر عن الانتخابات الكورية الجنوبية صعوبة التنبؤ بنتائجها. ولكن الاستياء الشعبي من الرئيسة « بارك » يشيع أجواء كئيبة في المعسكر المحافظ. ويشكل الموقف من كوريا الشمالية أهم ما يفرق بين الليبراليين والمحافظين في الجنوب الكوري. ولم تكن المقاربة المتشددة للمحافظين (سياسة عصى فقط ولا جزر) تحظى بالشعبية حين تولت «بارك» الرئاسة عام 2013. وفي وقت مبكر بدت بارك وكأنها تبحث عن منطقة وسطى. فقد نادت ببناء الثقة مع بيونج بانج. ولم تجعل نزع التسلح النووي شرطا مسبقا للحوار الكوري - الكوري. ولكن مع مرور الوقت صار واضحا أن اهتمام «بارك» بتحسين العلاقات مجرد كلام. وبعد الاختبار النووي الرابع الذي أجرته كوريا الشمالية في يناير 2016 لجأت بارك فجأة إلى اللغة القاسية والسياسات المتشددة وكان أكثرها لفتا للانتباه إغلاق الحديقة الصناعية المشتركة بين البلدين في كايسونج. ومن جانبه يريد «مون» استعادة الحوار والمفاوضات كوسيلة لخفض التوترات وبسط المزيد من الأمن على كلا جانبي المنطقة المنزوعة السلاح. وهو يدعو إلى التوسع في المبادلات الثقافية والمساعدات الإنسانية لتحسين العلاقات الكورية- الكورية وتلطيف المعاناة وسط الشعب الكوري الشمالي والتشجيع على انفتاح الشمال. ربما أن الشيء الأهم هو تبني « مون » التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار لمساعدة بيونج يانج في تحويل مركز اهتمامها من الأمن إلى بناء اقتصادها. يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه المقاربة الأكثر انفتاحا نحو الشمال هي الطريقة الأفضل للتعامل مع الزعيم الأعلى «كيم جونج أون» . فالإستراتيجية الحالية في النهاية تقود إلى طريق مسدود. ولن يفعل الدفاع الصاروخي والتمارين العسكرية والعقوبات الاقتصادية شيئا سوى تغذية معضلة الأمن النهمة دوما. وحتى النظام الدفاعي الصاروخي (ثاد) الشهير المضاد للصواريخ البلاستية والذي تم نشره في كوريا الجنوبية بواسطة الولايات المتحدة لا يفعل شيئا لحماية سول من الهجوم. كما أن أي تحسين طفيف في الدفاعات الكورية الجنوبية سيدفع الشمال إلى تطوير مهددات تفوق مثل هذا التحسين ويمكن أن تكون لها آثار جانبية مكلفة. فمثلا علاقات سول مع بيجينج تدهورت بفضل نشر نظام «ثاد» الذي تنظر إليه الصين كمهدد لأمنها. ولكن المقاربة الليبرالية تستفيد من ميزة طموحات الرئيس الكوري الشمالي كيم. فحالما تولى السلطة في عام 2012 وعد شعبه بأنهم لن يتوجب عليهم مرة أخرى «شد أحزمتهم.» ووضع التقدم الاقتصادي في مركز استراتيجيته. يتعلق نصف هذه الإستراتيجية ، التي تعرف في اللغة الكورية باسم (بيونجن) أو التقدم المتزامن، بتحسين الرادع النووي. وهو(النصف) الذي يحظى بكل عناوين الأخبار. ولكن الردع النووي يقتصر فقط على تقديم الضمانة الأمنية التي يمكن أن يرتكز عليها كيم للالتفات إلى النصف الآخر الأكثر طموحا في إستراتيجية (بيونجن) وهو التنمية الاقتصادية. لقد اتخذ كيم قرارات تتعلق بالسياسات تم بموجبها إجراء إصلاحات زراعية واستثمارية وتعيين تكنوقراط وافتتاح مناطق اقتصادية خاصة وعدم التدخل في نشاط الأسواق. وهي قرارات توضح عمليا أن طموحاته الاقتصادية أكثر من مجرد ترديد للشعارات. كما أكد كيم أيضا في خطاب رئيسي ألقاه في بداية هذا العام أنه مستعد «للتعاون» والعمل مع أي أحد في الجنوب يريد تحسين العلاقات بين الكوريتين. هذا الانفتاح تجاه الحكومة القادمة في سول للعمل مع الزعيم كيم يشكل أيضا فرصة للرئيس الأمريكي ترامب. وأذكى شيء يمكن أن يفعله ترامب سيكون العودة إلى الكلمات الحكيمة التي قالها عن كيم في أثناء حملته الانتخابية وهي «سأتحدث إليه.» على الولايات المتحدة المسارعة إلى التفاوض حول اتفاق ثنائي يجمد البرنامج النووي والصاروخي للرئيس كيم. سيشعر الكوريون الجنوبيون بالارتياح حين يرون ترامب وهو يتبني سياسة حصيفة بدلا عن دعوات الحرب الطائشة. إن اتفاقا يضع حدودا للتجارب النووية ويجمدها من شأنه منح الحكومة الجديدة في سول أساسا أفضل للشروع في جهودها الأوسع لمساعدة كيم في قيادة بلده نحو التكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي. سيفضل الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية أن يبدأ انفتاحا تجاه الشمال حين يكون هنالك اتفاق نووي أمريكي – كوري شمالي. ولكن إذا لم يحدث ذلك على الزعيم القادم في سول المضي قدما في تحسين العلاقات بين الكوريتين . كما عليه في أثناء ذلك التطلع إلى أن ترى واشنطن في نهاية المطاف الحكمة في اتخاذ سياسة أكثر انفتاحا.

•الكاتب أستاذ مشارك للدراسات الصينية بمدرسة الدراسات العليا للعلاقات الخارجية، جامعة يونسي الكورية الجنوبية.