973258
973258
إشراقات

د. العبري: صدق التوجه.. من أسباب النصر والنقاء الإيماني

13 أبريل 2017
13 أبريل 2017

انطلاقة روحية نحو التصافي والمحبة والإخاء -

أوضح الدكتور عبدالله بن مبارك العبري المحاضر بكلية الحقوق للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة السلطان قابوس أن المتاعب في هذه الحياة تأتي عامة لجماهير الأمة المسلمة وتأتي خاصة لأفراد الناس وعلى الإنسان أن يتعامل مع كل مفردة من مفرداتها بما آتاه الله سبحانه من الإيمان واليقين به عز وجل، وان يبذل في سبيل تذليل تلك الصعوبات كل جهد.. موضحا أن السماء لا تأتي بالمعجزات لنصرة هذا الإنسان الا اذا صدق التوجه والإخلاص لله عز وجل.

وبيّن العبري أن الله تعالى أعطى هذه الأمة من أسباب النصر والقوة ما لم يعطه الأمم الأخرى لما أودع الله عز وجل في مبادئها وأهدافها من أسرار تحترم الإنسان والإنسانية وتبني علاقات البشر على أسس من تبادل الاحترام.. حيث الروح العظيمة في أمة الإسلام ينتظرها عالم اجمع ليجدد بها واقعه المرير الذي تتجسد فيه أعلى وأبغض صنوف الحقد والأنانية بين الإنسان والإنسان، على أسس من المصالح الدنيوية.. مشيرا إلى أن رسالة الإسلام جاءت لتجدد واقع وحياة الناس فكانت رحمة للعالمين بمبادئها العظيمة التي تسعد به الإنسانية في كل بقاع هذه الأرض. وأن النبي الكريم انطلق من رحم هذه الآلام التي جسدتها معاناته مع الكفر ليجعل من أزيز الكفر وصخب الجاهلية ما يمشي به إلى فجر النور الجديد فتحمل الإيذاء وتحمل المتاعب والمصاعب ليجعل منها عزيمة وقادة إلى أبواب الخير والنصر والفتح المبين.. المزيد نتابعه في الجزء الثاني والأخير من هذه المحاضرة التي حملت عنوان: «جدد حياتك».

 

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

يسترسل الدكتور عبدالله العبري في حديثه قائلا: في عالمنا اليوم مع كثرة أسباب الحياة وما هيأه الله سبحانه وتعالى فيها للناس من راحة واطمئنان ويسر وسهولة إلا ان مبدأ الإيثار والإحسان قد تقلص من كثير من النفسيات ولذلك كان هذا الأمر وهذا المبدأ مبدأ عظيما في حياة هذا الإنسان إذا أراد ان يسلك خط الإنجاز والعطاء في هذه الحياة ومن هنا يكون رأسمال الإنسان الحقيقي ما أتاه الله عز وجل من هذه المواهب والملكات وما رزقه من الصحة والعافية التي انطلق بها إلى الله سبحانه وتعالى فاتحا مجددا للخيرات والإحسان يرجو بهذه النعم أن يكون مؤثرا فيما حوله من الناس وان يكون مع هذه النعم صاحب بسطة وعطاء وإحسان حتى تدوم عليه النعمة وحتى يشعر بأن قيمة ما عنده من النعمة ربما يفتقدها كثير من الناس، فمواهبك وما آتاك الله عز وجل من الصحة والعافية مطية عظيمة يجب عليك أن تسوقها بمزيد من الإخلاص ومراقبة الله سبحانه وتعالى.

سلم المجد

وأكد العبري أن تجديد الحياة أمر فيه الكثير من المصاعب والمتاعب التي ربما تحيط بالإنسان فعليه أن يجعل من هذه المصاعب والمتاعب سلما يرتقي به إلى درجات المجد والسؤدد منطلقا في ذلك من قول الله سبحانه وتعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).. ومن هنا جاءت سنن الابتلاء بالمتاعب والمصاعب في حث خط سير الإنسان في هذه الحياة لكي يصقل بها مواهبه وأفكاره ولكي ينطلق بها إلى الأفضل والإحسان.. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).. والنبي محمد صلى الله عليه وسلم انطلق من رحم هذه الآلام التي جسدتها معاناته مع الكفر ومع الباطل ليجعل من كل تلك التناقضات ومن أزيز الكفر وصخب الجاهلية ما يمشي به إلى فجر النور الجديد فتحمل الإيذاء وتحمل المتاعب والمصاعب ليجعل منا عزيمة وقادة إلى أبواب الفتح والى أبواب النصر والى أبواب الخير، ومن هنا نجد أن ألوان هذه المتاعب من الله عز وجل لا يمكن للإنسان أن يتنبأ بها أو أن يقدّرها فها هو رسولنا صلى الله عليه وسلم أوذي بكثير من صنوف الإيذاء وتعرض لكثير من الابتلاءات ولكن رغم شدتها وحدتها وتنوعها الا أنها كانت سبيلا وطريقا ليخرج بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح أمام جماهير المسلمين مرخيا عمامته عند دخول مكة تواضعا لله عز وجل بذلك النصر وبذلك الظفر وبذلك الخير الذي جعل الله عز وجل فيه بوابة العز لهذه الأمة.

صدق التوجه

وأشار إلى أن المتاعب في هذه الحياة تأتي عامة لجماهير الأمة المسلمة وتأتي خاصة لأفراد الناس وعلى الإنسان أن يتعامل مع كل مفردة من مفرداتها بما آتاه الله عز وجل من الإيمان واليقين بالله عز وجل، وأن يبذل في سبيل تكسير صخرات المتاعب ما أوتي من قوة لان السماء لا تأتي بالمعجزات لنصرة هذا الإنسان إلا اذا ما رأت توجه الإنسان إلى الله عز وجل توجها حقيقيا فالله تعالى عندما أمد المؤمنين بالنصر وتزاحمت صفوف الملائكة مع صفوف المؤمنين في مواقع النصر لم يكن ذلك في حال انتظار من المؤمنين بأن يأتيهم هذا المدد وإنما واصلوا كلال ليلهم بكلال نهارهم صلاة وصياما ودعاء وصدقة وإحسانا وبرا واستغفارا لله سبحانه وتعالى فعندما رأى الله عز وجل منهم صدق التوجه لأسباب النصر كانت العزة وكان النصر.

وبيّن العبري ان تجديد الحياة بهذا المنطق ان الله تعالى أعطى هذه الأمة من أسباب النصر والقوة ما لم يعطه الأمم الأخرى، فأمة الإسلام هي أمة السلام والسعادة والأمن للإنسانية لما أودع الله عز وجل في مبادئها وأهدافها من أسرار تحترم الإنسان والإنسانية وتبني علاقات البشر على أسس من تبادل الاحترام ومن هنا فان هذه الروح العظيمة في أمة الإسلام ينتظرها عالم اليوم ليجدد بها واقعه المرير الذي تتجسد فيه أعلى وابغض صنوف الحقد والأنانية بين الإنسان والإنسان، على أسس من المصالح الدنيوية، ورسالة الإسلام انما نبعت بهذا النور في عالم الغابة الوحشية لتقول للناس ان (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فرسالة الإسلام جددت واقع وحياة الناس ليس بين البشر وحدهم، بل كانت رحمة للعالمين، رحمة للطير والحيوان، رحمة في هذا الوجود تعطي أجواءه صور النقاء، صور الحرية، صور العدالة، هذا السلاح القوي الذي جاءت به رسالة الإسلام هو منطلق الأمة المسلمة على مستوى أفرادها وعلى مستوى دولها اذا ما رفعته راية بينها وبين الله سبحانه تعالى فان حياتها الجديدة ستكون الواقع الذي تسعد به الإنسانية في كل بقاع هذه الأرض.. مشيرا إلى أن ما نراه اليوم من الدماء والأشلاء ومن بغض الإنسان للإنسان ومن الحقد والكراهية ومن استعمال الإنسان لأقسى وأقصى درجات الفتك بالإنسان انما ذلك نابع من الروح الخواء التي استسلمت لشهوات الدنيا وملذاتها ولو كان ذلك من الإنسان على حساب أخيه الإنسان، وهذه هي عيشة كثير من الحيوانات التي تغزو بعضها البعض لكي تظفر بالعشب والكلأ وتظفر بالماء بلا عقل ولا هداية ولا دليل.

الإيثار

وقال: تجديد الحياة أيها المؤمنون الكرام هو ما يريده الله عز وجل من المؤمنين من الرضا والاستمتاع بخيرات هذه الأرض وعمارتها الحقيقة على أسس من العدالة والإيمان التي تبعث في الإنسان همم النجاح والتميز في كل ما يقوم به من أسباب عمارة هذه الأرض فجاء ليقرر مبدأ الإيثار (حب لأخيك ما تحب لنفسك)، (والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائع).. إنها مبادئ عظيمة تجسد حقيقة الإيثار بين الإنسان والإنسان وان حياة الإنسان وسعادته ليست مظلة الأنانية التي يحوم بها حول الناس، وإنما هي كما وصف الله عز وجل المؤمنين (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).. ولذلك يقول الله عز وجل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، فعندما تكون القلوب سليمة ونقية وتتعامل على أسس من التصافي والمحبة عندها تكون الحياة حياة إبداع وعمل ونشاط، عندما تتعامل النفوس بالنقاء الإيماني الذي كان يشعر به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مجالس محمد، فان الأمة تنطلق انطلاقة روحية وثابة لا تعيقها عوائق هذه الحياة الدنيا ولذلك نأخذ من ذكريات النبي صلى الله عليه وسلم ما اعده عليه الصلاة والسلام في حياته من صفاء الروح عندما يقف مع الله سبحانه وتعالى مناجيا متأملا متفكرا في ملكوت السموات والأرض ليصنع من روحه بلسم شفاء لمن حوله من الناس.

آفاق عظيمة

وأضاف: شبعنا طعاما وشرابا وتهيأت للنفوس أسباب الحياة لكن الأرواح لم تأنس بذكر الله، ولم تأنس باللجوء إلى الله عز وجل، فمحمد صلى الله عليه وسلم عندما وصل ليجدد للعالم رسالة الإنسانية لم يطلب من بيوت الأنصار المؤمن والمواد الغذائية بل خط خطوطا ليرسم جوانب الروضة الإيمانية التي سينطلقون من خلالها، ليكون المسجد هو الأساس الذي تنطلق منه أرواحهم إلى الله سبحانه وتعالى سبيلا للعزة وسبيلا للنصر وسبيلا للفتح، فمن أراده أن يجدد حياته فإن أمامه من الله عز وجل من الهبات والخيرات ما يفتح له آفاقا عظيمة في هذه الحياة فإما أن يزيد فيها خيرا ونورا وبرا وطهرا، وأما أن يكون زائلا عن هذه الدنيا يأكل ويشرب ويتمتع ويلهه الأمل ثم يخرج صفر اليدين من بين جوانبها لم يقدم لنفسه شيئا في جنب الله عز وجل، فنسأل الله تعالى أن يكتب التجديد لهذه الأمة في الأيام القادمة وأن يكتب لها النصر وأن يكتب لها الخير فإن دوران الليالي والأيام سبيل عظيم لتكشف صفحات الخير والحق والنور للعالمين.