أفكار وآراء

ســيـاســة مــوســكــو الجــديــدة فــي الشــــرق الأوســـــط

31 مارس 2017
31 مارس 2017

سمير عواد -

نفت موسكو بسرعة خبرا وزعته وكالة الأنباء البريطانية «رويترز» في بحر الأسبوع الماضي، جاء فيه أن قوات روسية موجودة على الحدود الليبية - المصرية. وكانت الوكالة قد نقلت عن مصادر عسكرية أمريكية وجود 22 عنصرا من فرقة عسكرية روسية خاصة في قاعدة عسكرية في «سيدي براني» داخل الأراضي المصرية والمتاخمة لليبيا. وقد نفت القاهرة الخبر أيضا من جانبها .

وإن كانت موسكو تحاول نفي تواجد جنود تابعين لها في ليبيا، فإنها لا تستطيع نفي حقيقة أنها عززت في الأسابيع والأشهر الأخيرة، نشاطاتها في ليبيا، حيث قامت شركة روسية للأمن بنشر عشرات من المسلحين العاملين لها خلال شهر فبراير الماضي، في أراض ليبية تخضع لنفوذ الجنرال الليبي خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.

والمعروف للجميع، أن حفتر، وصل إلى موسكو في يناير الماضي على متن حاملة الطائرات الروسية «الأدميرال كوزنتيسوف»، التي عادت إلى روسيا بعد نهاية مهمتها في الساحل السوري، وبحسب مصادر إعلامية روسية، أجرى حفتر محادثات عبر الفيديو مع وزير الدفاع الروسي، سيرجي شوجو. وفي مطلع الأسبوع المنصرم، التقى عبد الباسط الباسدي، مستشار حفتر، مع نائب وزير الدفاع الروسي ميخائيل بوجدانوف في موسكو، حيث أكدت وزارة الدفاع الروسية في ختام اللقاء على ضرورة الحوار بين جميع الأطراف السياسية والقبلية المعنية بالأزمة الليبية.

وتجدر الإشارة إلى أن موسكو، قدمت ورقة استراتيجية في خريف 2016 حول سياستها الخارجية، أكدت فيها، حرصها على المساهمة في فرض الاستقرار في المنطقة، واستخدام السبل السياسية والدبلوماسية لحل الأزمات والنزاعات القائمة، وترى موسكو أن نهجها الراهن في ليبيا، هو جزء من هذه الورقة التي تم التأكيد فيها على مسعى موسكو لحل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

منذ أن بدأت واشنطن تنسحب أولا بأول من المسؤولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتأكيد خلفه دونالد ترامب على العمل بنهج مشابه، استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثغرات التي خلفها الانسحاب الأمريكي، لكي تعود روسيا إلى توسيع نفوذها في المنطقة. وساعدها في ذلك، دورها في الأزمة السورية حيث غيرت موسكو قواعد اللعبة وساعدت الرئيس السوري بشار الأسد في البقاء في منصبه وتغيير ميزان القوة على الأرض .

أضف إلى ذلك أن موسكو خطفت الأضواء من واشنطن فيما يتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط. فالمحادثات حول النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والأزمة السورية والأوضاع في المنطقة عامة، أصبحت تجري في موسكو وليس في واشنطن، وهو ما أكدته الزيارات التي قام بها أخيرا إلى موسكو، كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وأخيرا الرئيس الإيراني حسن روحاني.

وأعلن محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران قبل ساعات قليلة على استقبال بوتين الرئيس الإيراني في الكرملين يوم الثلاثاء الماضي ، أن بلاده تسمح لروسيا باستخدام قواعد عسكرية إيرانية للانطلاق وشن غارات ضد أهداف عسكرية معادية في الأراضي السورية عند الضرورة ووفق كل حالة على حدة . وبرأي بعض المراقبين، قد يؤدي هذا القرار إلى نشوء جدل ما في إيران ، كما حدث من قبل ، خاصة في ضوء انتخابات الرئاسة القادمة في مايو القادم، مما قد يشعل مناقشات في البرلمان الإيراني وقد يستغل الخصوم السياسيون لروحاني هذه القضية في الحملة الانتخابية.

وسبق نتانياهو روحاني في زيارة موسكو، وكانت زيارته الرابعة إلى العاصمة الروسية خلال العامين والنصف الماضيين، حيث استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي الزيارة الأخيرة في مطلع مارس الماضي حيث انتقد حزب الله اللبناني بشدة ودوره في المنطقة واكد على أهمية دور روسيا في الضغط على إيران وعلى اهتمامه بالوضع في سوريا . ثم زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موسكو، والذي طلب من بوتين التوسط لدى طهران لتوقف دعمها للميليشيات الكردية في سوريا والعراق. وبحسب السياسي الإيراني بهران باراتي الذي يقيم في الخارج ، فقد فشل بوتين في الضغط على طهران، لكنه مقتنع بضرورة استمرار التعاون مع إيران بسبب اعتماد كل منهما على الآخر، خاصة في الحرب الدائرة في سوريا. ويرى «علي فايز» ، خبير الشؤون الإيرانية في معهد جماعة النزاعات الدولية في واشنطن، أن العلاقة بين روسيا وإيران عبارة عن حسابات يستفيد منها الطرفان، فطهران تعرف أنها طرف مهم في اللعبة الروسية الأمريكية ، بينما العلاقات بينهما تقوم على المصالح بالطبع ، بل أن الشراكة التي تجمعهما، تجري لأسباب عملية كما يرى كثيرون .

وبينما تريد موسكو أن تظهر بأنها أصبحت قوة عظمى من جديد بعد الإهانة التي لم ينسها بوتين والتي وردت على لسان أوباما الذي قال بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، إن روسيا دولة إقليمية. فقد أصبح بوتين يبرر تدخله العسكري في سوريا بالتدخل العسكري الأمريكي في العراق، علاوة على أنه اعتبر سياسة أوباما في الشرق الأوسط قد فشلت. ويريد الآن أن يوحي للعالم أن موسكو تتفادى الوقوع في أخطاء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مثل إظهار التحيز لإسرائيل من جهة، وقيام موسكو باستضافة أطراف النزاعات في المنطقة من جهة أخرى. ففي العامين السابقين، أجرى بوتين محادثات في موسكو مع خمسة وعشرين مسؤولا عربيا كبيرا، أي خمسة أضعاف عدد اللقاءات المماثلة التي تمت خلال ولايتي أوباما.

ويريد بوتين الاستعانة بمثل هذه الأرقام، ليظهر للعالم أن الأزمات في الشرق الأوسط خاصة وأنحاء العالم عامة، لا يمكن حلها بدون موسكو. ويبدو أن سياسة موسكو الجديدة في الشرق الأوسط في مرحلتها الأولى، فبعد سوريا، يريد بوتين تعزيز دور روسيا في ليبيا، وعينه على نفطها، وموقعها الإستراتيجي، لذلك ليس من المستبعد أن يعتمد على الجنرال حفتر، ليحسم النزاع فيها على طريقته الخاصة التي عمل بها في سوريا، بحجة مكافحة تنظيم داعش ، مما سيوفر له فرصة توسيع منطقة نفوذ بلاده في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، على النحو الذي يخطط له .