907543
907543
إشراقات

الخليلي: العقيدة يجب أن تبنى على أسس سليمة.. وأن يُســتهدى ببصــيرة العقـل في فـهم مقاصـد النص

30 مارس 2017
30 مارس 2017

الحديث الآحادي  يُرد إن خالف القرآن والسنة وإجماع الأمة ومقتضيات العقول -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

967714

أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن العقيدة يجب أن تبنى على أسس سليمة وأن يحتكم فيها الى الكتاب العزيز والمتواتر من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجب أن يُستهدى ببصيرة العقل في فهم مقاصد النص، مشيرا إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم خصائص وحدة الأمة وترابطها، والتخلي عن ذلك إنما هو تخل عن خصائصها وعن واجبها المقدس وعن أسباب عزتها وكرامتها، وإن ترسيخ التربية الإسلامية في جميع المراحل الدراسية أمر ضروري لأجل ترسيخ مبادئ الخير في حياة الأمة ولأجل الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي في حياة الناس.

وأضاف: هناك معايير لقبول الحديث ورده، وقد نبّه إليها كثير من العلماء منهم البغدادي في «الفقيه والمتفقه» وهي: أن الحديث الآحادي ولو صح سنده يُرد لسبب من خمسة أسباب: إن خالف القرآن الكريم، أو خالف السنة المتواترة، أو خالف إجماع الأمة، أو خالف مقتضيات العقول، أو رواه فرد فيما يجب أن تتضافر عليه رواية جماعة».

وأشار إلى أن الإيمان باليوم الآخر يشد الإنسان الى الخير شدا لأن الإنسان تؤثر عليه مؤثرات شتى، فإن آمن باليوم الآخر بجانب إيمانه بالله سبحانه وتعالى إيمانا صحيحا كان ذلك سببا على تحكمه في هذه المؤثرات وقدرته على التخلص من آثارها.. ذلك ما جاء في محاضرة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة بجامعة نزوى تحت عنوان «الإصلاح».. فإلى الجزء الثاني من هذه المحاضرة:

 

يسترسل سماحة الشيخ في محاضرته حول هذا الموضوع فيقول: دخلت أفكار في عقائد الناس فيما يتعلق بالإيمان بالله فكان هناك طرفان من الناس منهم من شبّه الله سبحانه وتعالى بخلقه فوصف الله سبحانه وتعالى بكل ما في الإنسان وفي الاتجاه الآخر أيضا هناك من شبه الخلق بالله، كما دخلت أفكار فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر، ولا ريب أن الإيمان بالله أهم أركان الإيمان ولذلك نحن نرى في كتاب الله سبحانه وتعالى كيف يُعضد الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر ويقرنان معا عندما يوجه الناس الى امتثال أمر أو ارتداع عن نهي، ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، وقوله: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، وأيضا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)، وقوله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)، فالإيمان بالله واليوم الآخر إنما يأتي ليشد أزر الإيمان بالله لأن الإنسان تؤثر عليه مؤثرات شتى، فإن آمن باليوم الآخر بجانب إيمانه بالله سبحانه وتعالى إيمانا صحيحا كان ذلك سببا على تحكمه في هذه المؤثرات وقدرته على التخلص من آثارها، فالإيمان باليوم الآخر يشد الإنسان الى الخير شدا.

تراكـــــــمات

وأضاف: ولقد دخلت أفكار في الناس فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر فزين للناس اتباع الشهوات وزين لهم أيضا أن يتناسوا وعيد الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه حكى عن اليهود أنهم جرتهم هذه العقيدة الى ارتكاب كثير من المحارم، فالله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، وقال أيضا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).. مشيرا سماحته الى أن هذه العقيدة تناقض القرآن، فالله تعالى يقول: (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).. فإذن هناك تراكمات في حياة هذه الأمة، لها آثارها فحسبنا أن نطلع على ما زيّن للناس من اتباع الشهوات وتزيينهم أيضا للآخرين اتباع الشهوات فلما مات عمر بن عبدالعزيز- رضي الله تعالى عنه- وهو الرجل الذي جاء بالإصلاح بعدما اظلمت الأرض بالجور في عهد بني أمية بعدما رد الحق إلى نصابه، وجاء الحاكم الذي يحكم من بعده وهو يزيد بن عبدالملك فأراد أن يسير على سيرة عمر بن عبدالعزيز، كما ذكر الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء: وابن كثير في «البداية والنهاية» وغيرهما من المؤلفين جيء إليه بأربعين شيخا شهدوا شهادة لله بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب، فأين هذا مما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فيلقى الله وهو غاش لها إلا حرّم الله عليه الجنة»، والله سبحانه وتعالى يخاطب نبيا من الأنبياء وهو داود عليه السلام ويحذره من الانحراف حيث قال: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).. مشيرا الى أن نتيجة ذلك أن الناس طوّعوا للظلمة وقيل لهم إن طاعة هؤلاء الظلمة هي طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن خرج عن طاعتهم فقد فارق الجماعة، وهذا الذي دعا أولئك الذين وطئوا رقاب الناس الى التكبر في الأرض فعبدالملك بن مروان عندما ولي الأمر خطب خطبته التي شدد الوعيد فيها على الناس وقال فيها: «أيها الناس لست بالإمام الضعيف ولا الإمام المداهن ولكن لن يقول لي أحدكم «اتق الله» إلا ضربت عنقه»، مبينا سماحته بقوله: وما ذلك إلا بتأثير هذه الأفكار على الناس فأين هذا من المنهج الراشد الذي كان عليه الخلفاء الراشدون؟ فأبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول: «يا أيها الناس إني ولّيتكم ولست بخير منكم، فان استقمت فأعينوني، وان انحرفت فقوّموني» وأيضا سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يقول: «أيها الناس إن وجدتم فيّ اعوجاجا فقوموني، فيقوم له أحد من عامة الناس ويقول له: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، وما كان من عمر أن استنكف واستكبر بسبب هذه الكلمة، إنما قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه» فإذن الأمة بحاجة الى أن يكون هنالك إصلاح من حيث الفكر، وهذا يعني أن تبنى العقيدة على الأسس السليمة وأن يحتكم فيها الى الله، وأن يحتكم فيها الى رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال الروايات الثابتة الصحيحة، لا من خلال الروايات التي حشرها الذين يحشرون كل ما هبّ ودبّ.

معايير معلومة

وأضاف: هناك معايير لقبول الحديث ورده، وهذه المعايير مع الأسف أضيعت، مع أن كثيرا من علماء الحديث نبّه عليها، فنجد البغدادي في «الفقيه والمتفقه» يقول: بأن الحديث الآحادي ولو صح سنده يُرد لسبب من خمسة أسباب: إن خالف القرآن الكريم، أو خالف السنة المتواترة، أو خالف إجماع الأمة، أو خالف مقتضيات العقول، أو رواه فرد فيما يجب أن تتضافر عليه رواية جماعة».. إذن فالبغدادي هنا يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخالف القرآن، ولا يمكن أن يقل الحديث الآحادي في مقابل المتواتر، وكذلك لا يمكن للأمة أن تجمع جميعا على خلاف ما دل عليه الحديث، وكذلك بالنسبة الى مقتضيات العقول لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يتحدث حسب مقتضيات العقول، وقال أيضا: إن ما رواه الفرد فيما يجب أن تتضافر عليه رواية جماعة لا يُعقل لأن الأمر يقتضي أن يروي ذلك جماعة.. ولذلك يجب أن يكون الاحتكام الى الكتاب العزيز والمتواتر من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة خصوصا مع عدم إهمال العقل جانبا، إذ لا يحنط العقل ويترك جانبا كما انه أيضا لا يعطى فوق حجمه وإنما يجب التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فنحن لا نقول كما يقول المعتزلة بتحكيم العقل وتقديمه على الشرع، وفي الوقت نفسها لا نقول بتحنيط العقل، وإلغائه تماما وإنما يجب أن يُستهدى ببصيرة العقل في فهم مقاصد النص، فهذا أمر لابد منه، وهذا هو دور المصلحين في هذه الأمة، مشيرا إلى أننا نحن بحاجة أيضا الى الإصلاح الاجتماعي، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي فريضة فرضها الله تعالى على هذه الأمة (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي كونوا أمة هذا شأنها موضحا سماحته أن «من» هنا ليست للتبعيض، كما قد يتصور وإنما هي للبيان، وهذا سبب خيرية هذه الأمة، وعندما تتخلى الأمة عن ذلك إنما تتخلى عن خصائصها وتتخلى عن واجبها المقدس وتتخلى عن أسباب عزتها وكرامتها، ويبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأمة يجب أن تكون هذا شأنها، فترون أن الله سبحانه وتعالى هنا بدأ بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل ذكر الإيمان، مع أن كل خير إنما يقوم على الإيمان، وإنما سبب هذا أن الإيمان لا يُحافظ عليه، ولا يُتّبع نهجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك يبيّن سبحانه وتعالى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اهم خصائص وحدة الأمة وترابطها بترابط المؤمنين والمؤمنات فيها، فان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكر أول ما ذكر من الخصائص التي هي معقل الترابط بين المؤمنين والمؤمنات، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فبهذا يترابط المؤمنون والمؤمنات برباط الولاية التي تشد بعضهم الى بعض، وهذا جانب يجب أن نمحصه، حيث إن الناس أضاعوا هذا الجانب، وتساوى في موازينهم البررة والفجرة، والله تعالى يقول: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، ويقول سبحانه: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).