أفكار وآراء

نظرة الإسرائيليين للرئيس ترامب .. المحتوى والمعنى «1-2»

28 مارس 2017
28 مارس 2017

د. صلاح ابونار -

تبدو الرئاسة الأمريكية الجديدة، وكأنها بداية لعهد ذهبي في العلاقات مع إسرائيل، ويبدو ترامب وكأنه هدية العناية الإلهية لها، بعد توترات و أزمات عهد اوباما.

يظهر ذلك بوضوح في اللغة المسيطرة على مؤسسات التحالف الحاكم، والحملة الاستيطانية التي انطلقت أعقاب سلسلة اتصالات سبقت توليه الرسمي.

ويثير هذا الموقف تساؤلات مهمة.اذا كان يبدو مسيطرا داخل التحالف الحاكم، ماهي حدود ومرتكزات سيطرته داخل المجال الإسرائيلي العام؟ وخارج مجال سيطرة منطقه السياسي، ماهو المنطق السياسي الآخر النقيض والناقد له؟

سنعرض هنا لحدود ومرتكزات سيطرته على المجال العام، وفي مقالة تالية سنعرض للمنطق السياسي للاتجاه النقيض والناقد.

تقوم جامعه تل ابيب مع مركز جوتمان الإسرئيلي للرأي العام وابحاث السياسة، باستبيانات شهرية لعينات للرأي العام الإسرائيلي، تتناول قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي وعلاقات إسرائيل الدولية، من يونيو 1994 حتي الآن. وتتوافر نتائجها الرسمية من أول يناير 1996 داخل موقع «بيس انديكس الاسرائيلي».

وسوف نحلل مؤشرات النتائج، مقتصرين على ما يخص الاسرائيليين اليهود، تاركين عرب 48 الذين تشملهم الاستبيانات، مع تقريب الكسور.

لا يظهر ترامب في الاستبيانات السابقة على انتخابه ملكا متوجا على قلوب الاسرئيليين. في ثلاثة استبيانات من اربعة، رصدت معدلات تأييده بالمقارنة بهيلاري كلينتون، احتل المرتبة الثانية بعدها. في قياس مارس 2016، قال 40% ان كلينتون هي مرشحهم المفضل من المنظور الاسرائيلي، أي منظور المصالح الاسرائيلية، مقابل 31% اختاروا ترامب، أي بفارق 9%. وفي قياس ابريل حافظ الاثنان على نفس النسب، في معرض الاجابة على ذات السؤال. ولكن ترامب حقق تفوقا في معرض الاجابة على سؤالين آخرين، لكنه تفوق ليس من شأنه إلغاء

تفوق هيلاري كلينتون العام. في الاجابة على سؤال، اذا كان ترامب سيلتزم في حالة انتخابه بحماية الأمن الاسرائيلي، اعتقد 44% بالتزامه وجزم 18% بالتزامه. وفي اجابة على سؤال حول مدى الثقة، فيما قالته هيلاري كلينتون في خطاب رسمي ارسلته لمؤسسة صهيونية، ان الولايات المتحدة يجب ان تكون جاهزة وقادرة علي منع أي محاولة لعزل اسرائيل والهجوم عليها. ومن الارجح ان كلينتون كانت تستهدف تقديم نوع من الوعد، بعدم انتهاج مواقف مماثلة لموقف اوباما تجاه قرار مجلس الامن الصادر في ديسمبر 2016، وهو ما حاول السؤال استبيان مدى الثقة فيه. فقد قال 14% انه لا يثق فيها على الإطلاق، و31% انه لا يثق كثيرا، و36% يثق نسبيا. أي ان معدل عدم الثقة بدرجاتها 81%، مقابل معدل ثقة قوية 12% فقط. وان كنا نلاحظ تحيزا في صياغة الخيارات، فلقد وضعوا لعدم الثقة ثلاث درجات، مقابل درجة واحدة للثقة.

وفي استبيان اكتوبر المنجز قبل اسبوع من الانتخابات الرئاسية الامريكية ، أي بعد ان لعب ترامب كل اوراقه، اختار 42% هيلاري كلينتون بوصفها الافضل من المنظور الاسرائيلي، وحصل ترامب علي نسبة 26%، أي بفارق 16%. ويكتسب هذا التفوق دلالة أقوى،عندما نعرف ان77% قالوا ان كلينتون هي التي ستمارس ضغطا اقوى على إسرائيل، من اجل إحياء مفاوضات السلام. بينما اعتقد 8%، ان ترامب سيمارس الضغط الاقوى. ولم يفضل الاسرائيليون ترامب على كلينتون وفقا للمنظور الاسرائيلي، الا في اغسطس، محققا 38% مقابل 33% لكلينتون، أي بفارق 5% فقط.وجاءت الإجابه على سؤال آخر، لتضفي محدودية على تلك المحدودية. فلقد ابدى 43% «رغبتهم الشخصية» في فوز كلينتون،وابدى 34% «رغبتهم الشخصية» في فوز ترامب. والرغبة الشخصية، تفيد معنى القيم السياسية الذاتية،وهو ما يفيد عدم تطابقها هنا كليا مع منظور المصلحة الاسرائيلية.

وعند مراجعة التحليلات الرسمية المرافقة للنتائج، يمكننا رصد نوعية القواعد المؤيدة لكل منهما. ففي استبيان أغسطس أيد كلينتون 86% من اليسار، ولم يؤيد ترامب من اليسار سوي 9%. وأيد 57% من الوسط كلينتون، ونال ترامب 23% من تأييده. وعلى العكس حصل ترامب على 49% من تأييد اليمين، الذي أيد كلينتون بنسبة23%. في استبيانات ما بين نوفمبر و فبراير اختفى المنظور المقارن، لصالح منظور آخر يمكننا رصد اسئلته على ثلاثة محاور.

في محور اول وعام طرح تساؤل حول كون ترامب صديقا حقيقيا لإسرائيل. في استبيان نوفمبر وافق 80% ، ولكن في ديسمبر انخفضت النسبة الى 69%.

وفي محور ثان طرحت تساؤلات عامة ، حول سلوكه المتوقع تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. في نوفمبر وفي مواجهة سؤال حول سلوك ترامب المتوقع تجاة العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية، قال 48% انه سيكون لصالح الإسرائيليين ،و22% بحياديته، و1% فقط لصالح الفلسطينيين، وامتنع 22% .ولكن في نفس الاستبيان طرح سؤال ، حول توقعات السلوك الأمريكي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلال السنوات الثلاث القادمة، وهو نفس السؤال السابق ولكن عبر صيغة وخيارات أخرى. فقال 22% انها لن تتدخل، و47% انها ستعمل على اقناع الطرفين بالتفاوض،و17% انها ستضغط عليهما بقوة للاتفاق. واذا اعتبرنا الخيارين الاولين تعبيرا عن الثقة ، في تحقيق السلوك الامريكي للصالح الاسرائيليين فان هذا يعني ان الثقة فيه ارتفعت الى 69%، بينما كانت في السؤال الاول 48% فقط. ويبدو ان هذا الفارق، مصدره اختلاف الصياغة والخيارات. وفي فبراير2017 طرح تساؤل حول فرص قيام ترامب، بفرض حل للصراع الدائر مناهض للمواقف الاسرائيلية. فقال 15% انها فرص منخفضة بشدة، وقال 46% بانخفاضها النسبي، وقال 28% انها عالية نسبيا و9% انها عالية بشدة. واذا اعتبرنا الخيارين الاول والثاني تعبيرا عن الثقة، تصبح نسبه الثقة فية61%.

وعلى محور ثالث طرحت تساؤلات حول رد الفعل الامريكي المتوقع، اذا قررت اسرائيل استئناف بناء المستوطنات. في نوفمبر توقع 39% عدم اعتراضها، و23%تدعيمها للبناء،و 18% عدم منعها له، وامتنع 20%. واذا اعتبرنا المواقف الثلاثة الاولى مؤيده للاستيطان بدرجات متفاوتة تصبح النسبة الدعم المتوقعة 80%. وفي استبيان فبراير اعيد طرح نفس السؤال،ولكن عبر صيغة وخيارات اجابة اخرى.هل سيمكن ترامب اسرائيل من بناء مستوطنات جديدة؟ قال7% انه يثق انه سيمكنها،و48% انه يعتقد انه سيمكنها، و29% انه يعتقد انه لن يمكنها، و6% انه يثق انه لن يمكنها. و اذا اعتبرنا الإجابتين الاولى والثانية،ترى ترامب مؤيدا بدرجات متفاوتة،ستنخفض نسبه الدعم المتوقعة منه الى 55%،و كانت في نوفمبر 80%. و أرقام ما بعد الانتخابات وإن افصحت عن نسبه ثقة عالية في ترامب،ليس من شأنها ان تنسخ النتيجة الاساسية لأرقام ما قبل الانتخابات، ولا يمكن اعتبارها تعبيرا عن تأييد جارف تولد خلال تلك الفترة.لماذا؟ اولا: كانت اعلى نسبة حصلت عليها كلينتون قبل الانتخابات،قبلها بأسبوع وبعد ان طرح ترامب كل اوراقه. ثانيا: وقف ترامب في استبيانات ما بعد الانتخابات في البؤرة وحيدا، لا تطرح التساؤلات حوله كخيار سياسي، بل حول بعض قضايا للسياسة الخارجية الامريكية التقليدية، من حيث توقعات الخيارات الممكن انتهاجها والموقف منها. ثالثا: يلاحظ تفاوت نسب التأييد حول الموضوع الواحد، وبنسب غير هامشية، لمجرد تأثير اختلاف الصياغة والخيارات. رابعا: خلت اسابيع ما بعد الانتخابات من أي حدث استثنائي، يمكن ان يسبب ظهور شعبية جارفة.