ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: قالوا.. عالم افتراضي و«بس» !

28 مارس 2017
28 مارس 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يتحدث الجميع اليوم عن وسائل التواصل الاجتماعي، وأثرها وتأثيرها، وهذا الحديث لا يذهب فقط إلى أهميته؛ ومجموع الخدمات التي تقدمها لمستخدميها، ولكن يذهب الحديث أكثر إلى الآثار- التي يتوقع أنها سلبية - من هذه الـ«حمى» العلائقية بين الطرفين، فالمسألة كما بدأت تظهر تداعياتها شيئا فشيئا مع كل فترة، بدأت في المقابل توجد توجسا عند الناس، ومن أن المسألة ليست فقط (خادم ومستخدم، أو نافع ومستنفع) كما هو حال كثير من العلاقات، وإنما بدأ هذا الـ«الخادم» يأخذ منحى آخر غير متوقع، ويدخل في التركيبة الفسيولوجية، والسيكولوجية، وبدأ يظهر هناك جيل غير الذي نعرفه؛ في تصرفاته، وفي تفاعلاته، وفي تعاملاته، وفي علاقاته، وفي طريقة تفكيره، وفي مستوى دقته، ومستوى موضوعيته، ومستوى تبينه للأفكار، وتبنيه للحلول، حيث أصبح يميل إلى الأسهل، وإلى الاتكالية، وإلى أخذ الأمور على بساطتها المتناهية، وإلى الانزواء، وإلى الوحدة، وإلى عدم الشعور بالمسؤولية، وأصبحت هذه الملاحظات - ولن نقول عنها صفات في هذه المرحلة - تشكل ظاهرة عامة، وبدأت تطرح أسئلة جوهرية عن خطورة ما سوف تؤول إليه الأمور لدى هذا الجيل، والأجيال القادمة، وفي كل توجس من أن تأخذ الصورة منحى آخر غير متوقع مع مرور الأيام، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك من يحاول أن يسل نفسه من هذا المأزق الفارض نفسه بقوة وجوده وتأثيره، واتساقه غير المتكلف فيه، مع مجرى الحياة العامة لدى كل الناس بلا استثناء.

وهناك شكوى عامة اليوم حتى من إدارات المؤسسات تجاه هذه الفئة من الموظفين الجدد، من حيث تذمرهم المستمر، عدم المبادرة بالأفكار البناءة، التغيب المستمر بدون أعذار، عدم الاهتمام بالمستويات الإدارية في المؤسسات من حيث الاحترام والتقدير، الميل نحو المطالبة بحقوق أكثر دون مقابل بواجبات اكثر، أو حتى القيام بالواجبات المطلوبة، وعدم الاكتراث بالنظم المؤسسية، والقوانين المنظمة، ولعل ذلك ما استدعى نشر تعميم مجلس الخدمة المدنية في شأن كثير من الملاحظات التي أبداها المجلس على موظفي الخدمة المدنية قبل عدة أشهر، وهو الذي يعد نشره سابقة غير معهودة من قبل، وهذا ما يؤسف له حقا أن تكون صورة الموظف محل تقييم بهذا المستوى، ويعلن عنها بهذه الصورة الـ«مخجلة» إن يصح التقييم.

حملت مجلة العربي في عددها الجديد الصادر في هذا الشهر مقالا للدكتور عادل سالم العبد الجادر، رئيس تحرير المجلة، تحت عنوان: (المفارقة الكبرى بين ربيع الشعر وربيع الواقع) ومما جاء في المقال قوله: «كل ما نخشاه على الجيل القادم هو انغماسه في عالم افتراضي خيالي، عالم يبعد عقله وتفكيره عن عالمه الحقيقي، وليحلق في الفضاء دون أن يحدد كيفية العودة إلى أرض الواقع، وما أسهل التيه عند التجرد من عاطفة الانتماء» وهذا تحليل رجل فكر، ويعيش في مجتمع لا يرضى أن يكون أبناؤه بهذه الصورة المخيفة حقا، وهو يستشرف أفق غد ربما يكون حاله أسوأ عن الحالة التي عليها اليوم، ومعروف أن الجانب القيمي في حياة الشعوب من أخطر الحالات، وإذا لم تتكاتف كل القوى الفاعلة في تعزيز القيم من خلال وضع برامج محددة ومباشرة ستكون الحالة معرضة للمخاطر أكثر وأكثر، وقد سمعت قريبا أن دولة مثل اليابان بتقدمها المعروف، وتفوقها الصناعي الذي لا يحتاج إلى تدليل تتخذ إجراءات حازمة بخصوص تدريس القيم الأخلاقية والإنسانية للأجيال، وتصنف هذا الأمر كأولوية قصوى لأبناء المجتمع، وهذا من شأنه أن يحفز الآخرين الذين لا يزالون في عمق الصدمة من النتائج التي تظهر اليوم شيئا فشيئا من أثر هذا الاستخدام غير المقنن في حياة الأجيال.