شرفات

علم نفس الحزام الناسف

27 مارس 2017
27 مارس 2017

عادل محمود -

في المرات العديدة التي زرت فيها القصر العدلي ، في دمشق...قرب سوق الحميدية المشهور...كنت أفكر بهاجس الموت في إحدى أروقة هذا المبنى الذي يعود إلى العهد الفرنسي...وكان هذا الهاجس بسبب الازدحام الذي لا يترك لأحد موطئ قدم، في بعض زواياه. إنه مكان اجتماع الظالم والمظلوم .

هذا المكان هو أكثر الأمكنة في سورية ازدحاماً، أيضاً، بالقصص، والقضايا، والمشاكل والدعاوى والرشاوى.

هذا المكان يستطيع أن يريك، عبر المحاكم، وغرف المحامين، ومنصات القضاة عيّنات معبرة عن مشاكل المجتمع السوري. من الجريمة البسيطة إلى الجرائم الغامضة، إلى الصراعات والحيل بين الناس، خصوصاً في هذه الأيام.

هذا المكان، أضيفت إليه مظلمة جديدة هي الموت دون أسباب موجبة!

كنت أفكر هناك أيضاً بأطنان من الأضابير المصفوفة على الرفوف، مليئة غباراً وانتظاراً...ما الذي يحل بها لو حدث حريق أو انفجار، أو هجوم إرهابي؟

في اليوم الأسبق للانفجار في قصر العدل...ذهبت إلى هناك لأقابل أحد الأصدقاء المحامين، لأسأله عن قضية شخصية. ولم أستطع الوصول إليه بسبب الازدحام، فقررت إلغاء الموعد وقضيت وقتاً في مكافحة الأكتاف المزدحمة للحصول على طريق الخروج، واتصلت بالمحامي معتذراً.

في اليوم التالي دخل رجل بحزام ناسف، وفجّر نفسه في هذا الزحام البشري. فكانت مجزرة لا حدود لوصفها وبشاعتها.

وحتى الآن لا يرد صديقي المحامي على هاتفي. وأرجو ألا يكون بين المصابين من المحامين...الذي بلغ عددهم حوالي العشرين محامياً.

ما من أحد قادر على تفسير الحالة العقلية والعصبية والنفسية التي تسود أصحاب القرار في التفجيرات التي تحدث في سورية مؤخراً؟ أن تقتل؟ هذه أسهل الإجراءات الإجرامية. فوسائل القتل متوفرة، والمستعدون لبطولة الدم المهدور متوفرون، وأعناق الضحايا متشابكة في حياة البشر اليومية، ومتوفرة. وخاصة في الأماكن التالية أماكن المقدسات الدينية القصر العدلي، المطعم .

أن تجعل فعل القتل عنصراً في معادلات الصراع الجاري، وعلى آفاق التسوية المرتقب؟ ( معظم الضحايا لا يعرفون أين تقع كازاخستان وعاصمتها أستانة حاضنة المؤتمر السوري).

أن تجعل الحياة عسيرة، ومعقدة، وخطرة، ولا تطاق، وأن يخافك الأطفال، والمدارس، والمطاعم، والشوارع؟... فهذا أمر معادٍ ومناقض لإجبارية الحياة، وآلية العيش، ونبض شرايين الجسد البشري. وإلزامية الخروج من البيت.

لقد تخلص موتى القصر العدلي من أضابيرهم التي كانوا يحملونها. وتخلصت طالبات الطلاق من أعباء الوحشة بعد الحصول على الحرية. والمحامون، أقفلوا الحيثيات، ومن الباب المزدحم لمشفى المواساة... كان بوسعنا رؤية المزيد من السيارات التي تحمل أطفالاً تناثر طعام الغداء على مراويلهم، في انفجار حدث في مطعم إلى جوار نهر بردى.

.......................

أصبح عصياً أكثر على التفسير: قتل بشر يأكلون في مطعم.

أهذا هو ما أراد المنظرون المسلحون تنفيذاً لما سموه «إدارة التوحش»؟!