abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ : شورى الأطفال

26 مارس 2017
26 مارس 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@asouily -

أصخت السمع وأنا أرى أمامي ثلة من الأطفال يقفون على خشبة مسرح صغير يتحاورن ويتشاكسون ويتشاورون ثم يقترحون إنشاء وزارة لهم تكون بمسمى «وزارة الطفولة» لتعنى بشؤونهم وشجونهم، ثم اقتربت قليلاً والدهشة تتملكني لاستمع إليهم، وهم يتلون توصياتهم التي خرجوا بها بعد جلستهم «العلنية» تلك التي حضرتها كل وسائل الإعلام والمهتمين ليعلنوا لنا نحن الكبار بأنهم بحاجة إلى إطلاق مشروع للاستثمار في مواهبهم ولتمويل مشاريعهم الخاصة بهم ودعم الأطفال المحرومين من التعليم في العالم، وأيضًا بحاجة من الدولة أن توفر لهم أراضي زراعية للأسر المحتاجة من أجل تمكينها من توفير مقومات الحياة الأساسية وغيرها من التوصيات التي لا يتسع مجال هذا المقال لسردها.

أكبرت في هؤلاء الصغار قوة ورباطة جأشهم أولاً بوقوفهم أمامنا نحن الكبار ومكاشفتهم لنا باحتياجاتهم ونحن من لم يعتد على هذا النوع من المكاشفة لا مع الكبار ولا حتى الصغار، أكبرت فيهم أيضا تفكيرهم الناضج الواعي بدقائق الأمور التي تجري حولهم، وما يخصهم كصغار وما يحتاجونه في هذا العالم الذي بتنا نحن الكبار لا ندري فيه ما نريد، أكبرت فيهم فهمهم وتقمصهم لدور عضو مجلس الشورى حتى وهو طفل في الدفاع عن حقوقه وعرض احتياجاته والمطالبة بما يحتاجه المجتمع من خدمات وبرامج تمس حياته اليومية.

قصة رواها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة خلال كلمة له في منتدى الاتصال الحكومي الذي انعقد الأسبوع المنصرم في إمارة الشارقة، وكنت أحد حضوره. إن واحدًا من مديري إحدى الدوائر في إمارته مثل أمام مجلس شورى الأطفال فلم يجب مباشرة على أسئلة «الأطفال» وإذا برئيسة المجلس –وكانت بنتا– تضرب الطاولة وتنهره كي يجيب عن الأسئلة المباشرة فقالت له: «لا داع للف والدوران، نحن بحاجة إلى إجابة مباشرة وواضحة»، ويضيف الشيخ سلطان أن ذلك المدير أخبره لاحقًا أنه اهتز حقًا من كلام تلك الرئيسة.

شورى الأطفال تبدأ من سن الخامسة حتى الثانية عشرة لتعود الأطفال على معنى الحياة الديمقراطية والبرلمانية عندما يكبرون وليكون لهم منبر يتحدثون منه لمن هم أكبر منهم سنًا وتجري فيه عملية الترشيح والترشح للرئيس والأعضاء، وهو بالنسبة لمن أنشئ لهم هو بمثابة قناة اتصال فعالة بين فئات مختلفة من المجتمع يتعرف فيها الجميع على احتياجات الآخرين من خلال التحاور والتشاور والتناقش وفيه تتم صياغة بعض من التوجهات والسياسات العامة بالدولة والمرتبطة بشؤون الطفل والطفولة واحترام حقوقها وواجباتها.

عندما تسمع من طفل يفكر في إنشاء وزارة تخصه أو إقامة مشروع يعود عليه، وعلى أقرانه بالنفع كإقامة مكتبة عامة لمن في سنه أو إقامة أندية يمارس فيها هواياته ومواهبه، وعندما تستمع إلى طفل يبدي لك رغبته في تعليم أطفال محرومين من التعليم في مناطق الصراعات في العالم أو إيجاد حلول لمشاكل الأطفال اللاجئين أو البحث عن بدائل للطاقة النظيفة، ويشارك في غرس أشجار خضراء لمنع الاحتباس الحراري، تعلم أن مثل هذه الأمم التي استمعت إلى أطفالها وتركت لهم منابر حرة يعبرون من خلالها عن احتياجاتهم وعن مشاعرهم وشاركتهم الحوار بطرقه المختلفة هي أمم متحضرة، وهي أمم ستحصد في القريب ما جنته من تربية ديمقراطية، وستنعم برخاء وازدهار في حياتها وحياة أبنائها.

قد أكون أسهبت في الحديث عن مناقب شورى الأطفال، ولكن المنتدى الذي حضرته لم تقتصر فائدته على التعرف على هذا النوع من التواصل البشري بل تعرفت على شخصيات عالمية أتت إلى ذلك المكان لتعطي خلاصة فكرها وتجاربها التي حصدتها طوال سنين عملها مثل هورست كولر، الرئيس الأسبق لجمهورية ألمانيا الاتحادية و أل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق وألكسندر ستاب رئيس وزراء فنلندا السابق والبروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام الذين أجمعوا كلهم على ضرورة وجود قنوات اتصال فعالة بين الجمهور والحكومات على مختلف الأصعدة وبمختلف فئات المجتمع وباستخدام مختلف وسائل التواصل المتاحة للبشرية سواء الحديثة منها والتقليدية لأن الحوار الهادف هو ما يوجد التعايش السلمي بين فئات المجتمع داخل الدول وخارجها.