abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش...ومتون: رحلة ممتعة إلى العالم السفلي

25 مارس 2017
25 مارس 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

عجز الخيال البشري عن تصوير العالم الذي يسكنه الموتى، كونه يظلّ من الألغاز، فحاول حلّها عن طريق نسج الأساطير، ومن بينها أسطورة «أورفيوس» و«يوريديس» الإغريقية، وهي من الأساطير المعروفة في التراث الأسطوري الإنساني، وبنيت على رحلة يقوم بها «أورفيوس» إلى عالم الأموات بحثا عن زوجته «يوريديس» التي اختطفت ليلة زفافها، وهي تشبه رحلة أدونيس، وأفروديت لدى الإغريق، وتموز، وعشتار لدى البابليين، وقصة إيزيس وأوزيريس في مصر، وفي كلّ ذلك تتكرّر الثيمة، مع تغيير في التفاصيل، وجاء عرض «الأوبرا» الذي قدّمته دار الأوبرا السلطانية مسقط، ليجعل من الأسطورة إطارا للعرض، وقد جرى اختيارها، لأنّ أوّل نص أوبرالي استوحي من هذه الأسطورة التي يمكن اعتبارها «بذرة كلّ الحبكات التي ظهرت خلال الـ400 سنة الماضية « كما قال مخرج العرض الذي إذا أردنا أن نصفه بكلمة واحدة، جامعة، مانعة، فالكلمة هي «الإبهار»، فقد جاء العرض الذي أنتجته الدار بالتعاون مع شركة «بالاو للفنون – رينا صوفيا فالانسيا» الإيطالية، مبهرا بكل معنى الكلمة، وقد تجلّى ذلك بجانبين: بصري، وسمعي، الأوّل تجسّده الديكورات الفخمة، المعبّرة، والتغيير السريع في المشاهد، والتنوّع في الأزياء، وعرض مقاطع فيديو على شاشة جرى توظيفها بشكل رائع مثلما جرى توظيف خشبة المسرح وإمكاناتها الكثيرة بشكل أمثل، وبخاصّة مشهد البداية إذ ظهرت الأسماء على الشاشة بالأبيض، والأسود، كما تظهر بالأفلام الكلاسيكيّة القديمة، بمصاحبة مقطوعة موسيقيّة اعتدنا سماعها عند عرض أسماء المشاركين، وصنّاع تلك الأفلام، فجعلنا نشعر إنّنا إزاء عرض سينمائي كلاسيكي، ومن المشاهد التي ظلّت عالقة بذهني، مشهد المطر الذي استخدم به المخرج الإيطالي ديفيد ليفرمور شاشتين وضع إحداهما خلف الأخرى،الأولى:عكست نزول المطر، كما يبدو من الخارج، والثانية عكست نزول قطرات المطر، كما تظهر من خلال زجاج سيّارة، إلى جانب المشاهد التفاعليّة، وهذه صنعت مشهدية بصرية شدّت الأنظار، وحبست أنفاس الجمهور الذي تابع شخوص العرض المربوطة بحبال رفيعة، وهي تسبح في فضاء المسرح، وتحطّ مثل طيور تعرف أين تقف، وإلى أين ستتجه، وسط ذهول الحضور، أمّا على المستوى السمعي، فقد عمل المخرج مزاوجة بين المسرح الغنائي، والغناء الأوبرالي، فقدّم خلطة من أشهر، وأجمل أغاني فن الأوبرا الذي ولد في نهايات القرن السابع عشر، وتعود تلك الأغاني إلى حقب تاريخية مختلفة، مستلّة من عروض سابقة: فحفل الزفاف من مارش الزفاف في أوبرا( حلم ليلة صيف)،أما الاختطاف فمن أوبرا( أورفيوس ويوريديس)، والعاصفة من أوبرا( (الأولمبيات)، ومشهد الهروب من العالم السفلي من أوبرا(الناي السحري)، إلى بقيّة فقرات العرض الذي قدّم على مدى 90 دقيقة في فصلين، تفصلهما استراحة، وخلال الرحلة تتغير المناظر، فننتقل إلى مصر، كما في أوبرا عايدة، وباريس، كما في (البوهيمية)، و(لا ترافياتا)، وقد جاءت هذه المقاطع ذائبة في دورق مشوّق جمعتها حبكة قصصية مشوقة تبدأ بليلة زفاف يوريديس، واختطافها إلى العالم السفلي، ويقوم بهذا العمل الشنيع (بلوتوني) حاكم هاديس، إذ يعارض الزواج بكلّ ما أوتي من قوّة، لكن أورفيوس لم تثنه الفجيعة عن بذل كل ما يستطيع من جهد لاستعادة حبيبته، فينجح في الوصول إليها، ليعيدها إلى الحياة، ولكن يشترط عليه ألا ينظر إليها مهما حدث، وإلا سيخسرها، وأثناء الرحلة يغني الحبيبان نخبة من أجمل ما شهدته الأوبرا الإيطالية من أغانٍ غناها التـــينورالإيطالي فالنتينو بوزا الذي قام بدور أورفيوس، والسبرانو الإثيوبيّة الأصل مريام باتيستيلي التي أدّت دور يوريديس، وجرى العرض بمصاحبة عزف حي للأوركسترا قاده المايسترو ستيفن ميركوريو المؤلّف الموسيقي الكبير الذي قاد أكثر من خمسين عرض أوبرا.

ومن اللمسات الجميلة التي جاءت في العرض مشاركة عازف العود العماني زياد الحربي الذي قدّم مقطوعة على العود ارتجالية امتزجت مع غناء السبرانو ماريام، وكان يجلس على مقصورة في مقدّمة الجمهور، ليتحاور صوت الآلة الشرقيّة مع الغناء الأوبرالي.

وحسنا فعلت إدارة الأوبرا عندما وجّهت الدعوة لطلبة الجامعات، والكليّات، والمدارس الخاصّة، والحكوميّة لحضور العرض الثالث، والأخير، فاستقبلت الدار420 طالبا، وطالبة، كان80% منهم دخلوا الدار للمرّة الأولى، وكانوا معجبين بالدار، والعرض الذي جمع المتعة،والجمال، في رحلة خياليّة إلى العالم السفلي.