955205
955205
عمان اليوم

« طاقة » .. ذاكرة حضارية تزدحم بالمآثر التاريخية والإنجازات الحديثة

24 مارس 2017
24 مارس 2017

تلبس جبالها الفصول الأربعة وتمتاز بالطبيعة الخلابة -

يشكل التمازج بين سهل طاقة و جبالها نموذجا لحالة التقارب بين المدينة والريف والبادية -

طاقة – أحمد بن عامر المعشني -

955210

يمثل تاريخ طاقة قديما وحديثا ذاكرة حضارية تتزاحم فيها مآثر وإنجازات وأحداث ووقائع، وهي إذ تعيش اليوم مكاسب وإنجازات نهضتها كغيرها من حواضر ولايات السلطنة في العهد الزاهر الميمون، فإنها تنفرد بالعديد من المزايا والمقومات الطبيعية والبشرية، فهي طاقة السعيدة التي يعتمر نجدها أشجار اللبان وتلبس جبالها الفصول الأربعة المختلفة بتنوع تضاريسها ومكوناتها الطبيعية من هضاب ووديان وكهوف، وتلتقي مياه عيونها وشلالاتها العذبة بمياه المحيط الواسع؛ ما يجعل حياة أبنائها فسيفساء من الخبرات والمناشط والأعمال والحرف. فهي بذلك تجمع تنوعا مدهشا من النباتات و الطيور و الأحياء، ما يجعلها بحق محمية طبيعية فريدة، انعكس هذا التنوع على تاريخها الذي يمتد عبر آلاف السنين، وتناولها المؤرخون قبل الميلاد في سياق حديثهم عن ميناء سمهرم التاريخي من أمثال المؤرخ الإغريقي هيرودوت ثم بيليني وبطليموس وديودورس وسترابو وغيرهم. و من مينائها القديم خرج أجدادنا في مختلف العصور تجارا وسفراء للمحبة والسلام، حاملين اللبان الذي تصفه أساطير الأقدمين بالنبات المقدس.

جغرافية الولاية

يشكل سهل طاقة والذي يمتد لمسافة طولية تقريبية بـ 9 كيلومترات ومسافة عرضية تقريبية بـ 2 كيلومتر بمساحة تقديرية 18 كيلومترا مربعا، نموذجاً للتقارب بين المدينة والريف، بينما تأخذ الجبال حيزا مهماً متوسطة البادية والمدينة، مشكلة جسراً للتواصل بما تحويه من مكونات أضفت جمالاً ورونقاً. كما تتنوع بيئة هذه الولاية، فهي تتميز بتنوع التضاريس من شواطئ وخيران ويابسة وتحتوي على سهول وجبال وصحراء ووديان وكهوف ومغارات وعيون مياه، وجميعها تعد كنوزا طبيعية استطاع أبناء طاقة بفضلها التأقلم مع الحياة بجميع تفاصيلها عبر الأزمان والعصور على الرغم من متغيرات الطبيعة وتقلبات الطقس. جعل هذا التنوع التضاريسي في الطبيعة من ولاية طاقة بيئة متنوعة، وهذا التنوع قلما نجده في مكان واحد ، فهي: ساحلية، وجبلية وشبه صحراوية، وتتمثل البيئة الجبلية في نيابة مدينة الحق والمراكز التابعة لها ( خبرارت، شيحيت)، وتتمثل شبه الصحراوية بالأودية والهضاب الممتدة خلف القطن من نيابة جبجات شرقا إلى خبرارت غربا ، بينما يمثل الشريط الساحلي للولاية البيئة الساحلية. ومما لا شك فيه فإن هذا التنوع الطبيعي بكل ما يحويه من خصائص فريدة جعلها في مقدمة ولايات محافظة ظفار حيث تنتعش الجبال وتزهو بهبوب الرياح الموسمية في موسم الخريف من كل عام، والتي تحمل معها الضباب الذي يحجب أشعة الشمس الحارقة، وتتساقط الأمطار على الجبال والسهول؛ لتكسوها ذلك البساط الأخضر؛ ليضفي عليها جمالاً إلى جمالها، فتتدفق شلالات دربات وأثوم، وتتشكل الشواطئ الرملية، وخيرانها الممتدة، كخور صولي، وخور طاقة، وخور روري، وفي صورة معبرة نجد أن هذه الخيران تخترق اليابسة وتلتقي مع مياه البحر، مشكلة جسراً للتواصل. ومن هنا نجد أن التنوع البيئي بولاية طاقة بين لهيب الصحراء وبرودة الجبال واعتدال السهول ودفء الشواطئ والخيران جعلت منها بيئة مثالية ومأوى لكثير من أنواع الطيور والحيوانات، كما جعلها تربة خصبة لنمو الأشجار والشجيرات والأعشاب، والتي استخدمها الإنسان الطوقي طيلة حياته في أموره: الشخصية والعلاجية والتجارية.

الآثار الإسلامية

تعد ولاية طاقة واحدة من الولايات السياحية الجميلة بمحافظة ظفار، كما تعد حلقة وصل بين ولاية صلالة وبين معظم ولايات شرق المحافظة كمرباط وسدح، وعدة نيابات كحاسك وجوفاء وحدبين وطوي أعتير، كما أنها تمثل العمود الفقري للامتداد الساحلي وارتباطه بالجبل. وتزخر الولاية بمناطق سياحية جميلة منها الآثار الإسلامية المتنوعة والتي ذكرها الباحث محمد بن عبدالله العليان في «الآثار الإسلامية في ولاية طاقة» وحددها في سبعة، نذكر منها: مسجد الشيخ العفيف المعمور، ومقبرة مسجد الشيخ العفيف، ومسجد الشيخ عيسى عند خور طاقة، وآثار مسجد قديم عند محطة الوقود ضمن المنطقة التي تسمى طاقه القديمة، ومسجد الشيخ أحمد شرق خور مسعود، كما تتميز بوجود خور روري، وخور صولي، وخور طاقة، وشلالات دربات، وشاطي الفرضة الفضية، وسفح ناشب الشامخ، وبقايا قصر المنجوى، وأثوم، وطبراق، وكلها محطات سياحية تنبض بها طاقة واسم ينطق بالحيوية المتجددة .

طاقة عبر العصور

يقول الباحث محمد العليان في « الآثار الإسلامية في ولاية طاقة»: (في هذا الصدد ذكر المؤرخ اليماني الطيب بامخرمة صاحب كتاب (تاريخ ثغر عدن) كلاما قال فيه: «وذكر أن لابن عبد القدوس أشعارا رائقة قال منها ما أنشدني الفقيه محمد بن حمدي خطيب طاقة قرية من قرى ظفار في سنة 718 هـ» ، وتوافق هذه السنة سنة 1318 ميلادية، وهذا أقدم ذكر لطاقة وقعت عليه في كتاب).

وهذا يثبت أن لهذه الولاية تاريخا عريقا فقد كانت طاقة مركزا حضاريا في أكثر من حقبة تاريخية، ولا تزال الآثار شاهدة على تلك الحقب الزاهية بالأمجاد الرفيعة، فها هي أطلال قلعة روري وجدارياتها تميط اللثام عن بعض من تاريخ المنطقة عبر مدونة بالخط المسند العربي، وتقول تلك الكتابة إن الموقع كان الميناء الرئيس في ظفار لتصدير اللبان منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وقد عكفت أكثر من بعثة أثرية دولية على دراسة الأهمية التاريخية لخور روري الذي أطلقت عليه البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان اسم (سمهرم)، فقد أجرت هذه البعثة أولى مسوحاتها الأثرية على الموقع في عام 1952م، وقد خلصت إلى أن الموقع قد لعب دورا رياديا في تجارة اللبان وكان ذلك منذ وقت مبكر.

النسق المعماري

إن الناظر إلى ولاية طاقة بين مدينتها وريفها وصحرائها وساحلها يجده نفسه يقف شاهدا على نوعين من المعمار: ذلك القديم الذي يقف شامخا ليحكي تاريخ الولاية القديم، وذلك الحديث الذي يحكي منجزات نهضة مباركة. وهي كما ذكرها الباحث الدكتور أحمد بن محاد المعشني في ورقة عمله (عمارة طاقة ومساكنها) (التخطيط الحضري والتخطيط الهندسي للمباني والمساكن)، وعرج على ذكر مواد البناء المستخدمة. أنماط السكن في السهول والجبال المحيطة بالمدينة وأنواعها، وما يتعلق بها من مواد، وعناصرها الإنشائية ومسمياتها. ففيها نجد القلاع المشيدة بحكمة وقوة ومناعة لا مثيل لها الأمر الذي جعلها تصمد منذ مئات السنين، ونجد في ريفها الأكواخ دائرية الشكل والمعروفة محليا بـ(استريت)، والتي عادة ما تبنى قواعدها وهياكلها من الأخشاب المحلية الصلبة والمعمرة .

دور المرأة

كانت المرأة ولازالت الجزء الآخر في العائلة والمجتمع الذي يمثل التعاون في الحياة في الماضي والحاضر، وقد تناولت هذه النقطة الباحثة الدكتورة فاطمة بنت عبدالله اليافعية في بحثها: ( تطور دور المرأة العمانية في ولاية طاقة في عصر النهضة)، والذي سلطت الضوء فيه على دور المرأة العُمانية في تسيير حركة التنمية وتحسين أوضاعها في مجالات التنمية الاجتماعيّة، وحفظ موارد البيئة المحليّة، وتطوير الموروث الحضاري والثقافي العُماني. واسهاماتها في مجالات عدة، منها تعليم القرآن وتجويده، وتعليم القراءة والكتابة، والعلاج والمداواة، وفي صون الموروث الثقافي بالحفاظ على المنتوجات الحرفيّة والمشغولات اليدويّة، والصناعات التجميليّة كصناعة العطور والبخور، وصياغة الذهب والفضيّات.

المأثورات الشعبية

يذكر الدكتور أحمد بن علي المعشني في بحثه (العمل التطوعي في ولاية طاقة قبل 1970:مقاربة تاريخية، ونفسية، واجتماعية) أن« العمل التطوعي يتجذر في منظومة ثقافة وقيم سكان ولاية طاقة كغيرها من مناطق وولايات السلطنة، ويمتد بعيدا في الذاكرة الأخلاقية والاجتماعية التي تستمد ديمومتها من الدين الإسلامي الحنيف الذي دعا إلى العمل الخيري كعبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، لذا عرف سكان ولاية طاقة العمل التطوعي ودأبوا يمارسونه في المراحل التاريخية المختلفة، حتى صار عرفا يحرس تماسكهم الاجتماعي ويعزز أواصر الأخوة والمحبة فيما بينهم».