960339
960339
إشراقات

التويجري: العهد الذي كانت تقوم فيه التجارب الوحدوية على أساس «العاطفة والانفعال والارتجال» قد مضى

23 مارس 2017
23 مارس 2017

استحالة قيام دولة إسلامية واحدة تجمع شعوب العالم الإسلامي في عالم اليوم -

عمان (إينا): قدم الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» في المؤتمر الدولي الرابع عشر الذي أقيم في العاصمة الأردنية حول موضوع (المسلمون والعالم: من المأزق إلى المخرج) الذي ينظمه المنتدى العالمي للوسطية دراسة تناولت (الوعي الاستراتيجي في بناء الوحدة وترسيخ العلاقات بين مكونات الأمة)، تقييما لتجارب الوحدة التي عرفها العالم الإسلامي، محللا فكرة الوحدة من حيث هي في أبعادها المتعددة.

وقال: إن الحالة الناتجة عن الانتكاس الفكري والتمزق والتلاعب بمصائر الشعوب الإسلامية التي سادت النصف الأول من القرن العشرين، كانت أحد مصادر التشويش الذي طال فكرة الوحدة الإسلامية في مدلولاتها العامة.

وأوضح أن العالم الإسلامي أصبح أمام أربع نظريات للوحدة متباعدة في أهدافها متصادمة في مضامينها متنافرة في أبعادها، وهي: وحدة مثالية، تجمع الشعوب الإسلامية في إطار نظام سياسي موحد، أو ما يعبر عنه في الأدبيات السياسية الإسلامية بـ(تجديد الخلافة الإسلامية)، ووحدة خيالية، تلتئم فيها الشعوب العربية كافة، ضمن كيان سياسي عربي واحد، وهو ما يعبر عنه بـ(الدولة القومية)، ووحدة واقعية، تجمع شعبا واحدا تتجانس عناصره وتتوحد مكوناته في إطار دولة ذات سيادة كاملة طبقا لمقتضيات القانون الدولي، وهو ما يصطلح عليه بـ(الدولة الوطنية)، ووحدة مستحيلة، تنصهر فيها شعوب العالم في بوتقة واحدة، وهي النظرية اليسارية الماركسية التي أطلقت نداء (يا عمال العالم اتحدوا)، وهي التي سادت في بعض الدول العربية خاصة، خلال النصف الأول من القرن العشرين، اتباعا وتقليدا للاتحاد السوفياتي الذي كان في أوج استبداده وذروة طغيانه وانتهاكه لحقوق الإنسان وفساده في الأرض.

 

وأكد أن الوحدة التي ينبغي أن تنصرف الهمم إلى بنائها هي تلك التي تأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية، والتحديات القائمة، والوسائل المتاحة، والعوامل المؤثرة، ولا ينفصل التفكير فيها عن المتغيرات التي تحدث في الساحة الدولية، موضحا أن من منطلقات هذه الوحدة ترسيخ العلاقات بين مكونات الأمة الإسلامية الواحدة الجامعة بين أتباع الأديان والملل والنحل والقوميات المتعددة والثقافات المتنوعة التي تشكل جميعها العمود الفقري للجماعات الدينية والعرقية، كل منها على حدة، لافتا إلى أن هذا هو ما يصطلح عليه بالتعدد في إطار الوحدة، أو الوحدة على أساس التنوع.

وقال: إن على هذا الأساس المتين تبنى الوحدة، لا على الأسس الهشة، فتكتسب المناعة ضد المخاطر التي تهددها، وتكون وحدة صامدة في وجه عوادي الأيام، وإن هذا هو الأمر الذي لم يوضع في الحسبان في التجارب الوحدوية العديدة السابقة التي شابها الارتجال والاندفاع وعدم التقدير السليم للعواقب فمنيت بالفشل، حتى أضحى مجرد التفكير في الوحدة، كما قال، مثارا للجدل الذي لا يجدي نفعا، بل يراه بعضهم ضربا من العبث.

وبيـن أن صيغة العمل الإسلامي المشترك في إطار منظمة التعاون الإسلامي، وفي المنظمات العاملة في إطارها، ومنها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، والبنك الإسلامي للتنمية، هي المشروع الوحدوي الإسلامي الذي يهدف إلى جمع الصفوف، والتقريب بين الشعوب الإسلامية في شتى المجالات وعلى مختلف المستويات، لبناء التنمية الشاملة المستدامة التي هي اليوم أحد التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، مؤكدا أن الوحدة الحقيقية التي تصمد ولا تنال منها التحولات السياسية العابرة هي الوحدة التي تقوم على قاعدة راسخة من التعاون والشراكة، من أجل تعزيز البناء التنموي في المقام الأول، وفي سبيل التصدي للمخاطر التي تهدد الأمن والسلم، ويعنى القائمون عليها والعاملون من أجلها وبـناة قواعدها، بتوفير الأسباب للارتقاء بالحياة الإنسانية، وللنهوض بالأوضاع الاجتماعية، وتطوير الأحوال الاقتصادية، وإيجاد السبل الممهدة لبناء مجتمع الرخاء والرفاهية والازدهار على مراحل تخضع للدراسة المعمقة، مبيـنـا أن هذا الضرب من العمل السياسي من أجل بناء الوحدة، هو الذي يحقق الأهداف من وراء كل تجربة وحدوية جادة وناجحة.

وشرح كيف أن الوحدة درجات لا تناقض بينها بالضرورة، وكيف أن العهد الذي كانت تقوم فيه التجارب الوحدوية على أساس من العاطفة والانفعال والارتجال قد مضى، وأن العالم الإسلامي يعيش اليوم مرحلة يمكن أن نطلق عليها (مرحلة اليقظة الوحدوية)، وهو في طريقه إلى التخلص من رواسب الأفكار السياسية الخيالية المرتجلة التي تسببت في ضياع فرص كثيرة لتطوير العالم الإسلامي، وتحريره من الضغوط التي تحاصره وتؤثر سلبا في حاضره وفي مستقبله في الآن نفسه. وقال: إن ركائز الوحدة وقواعد التضامن ومبادئ التعاون تتمثل في أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، وأن دينهم هو دين السلام والعدل الذي يضمن تحقيق الأمن الشامل والتكافل الاجتماعي. وتترتب على هذه المساواة مقتضيات عدة في المقدمة منها التعاون المتعدد المجالات المتنوع الأغراض المتشعب الوسائل، في كل شأن داخلي أو خارجي، يحقق المصالح الحيوية للشعوب، موضحا أن هذه وحدة قائمة على أسس التعاون والتنسيق والتكامل وعلى قاعدة التضامن الإسلامي الفاعل والمؤثر. وذكر أن فكرة الوحدة الإسلامية، أو الجامعة الإسلامية، أو الخلافة، انتهت في عصرنا الحالي إلى التبلور في صيغة تنظيم إقليمي أنشئ استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة، وانطلاقا من القانون الدولي، موضحا أن منظمة التعاون الإسلامي هي اليوم أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة. وقال: «إذا كانت الإنجازات التي حققتها هذه المنظمة لا تـرقى إلى مستوى تطلعات الشعوب الإسلامية إذ لم تفلح في فـض النزاعات التي تـنشأ في بعض المناطق من العالم الإسلامي بين المسلمين بعضهم مع بعض، ولم تـنجح في تـرسيخ العلاقات الإسلامية-الإسلامية وتقويتها وإنمائها وازدهارها، فإن ذلك لا يجيز بأية حال، إنكار أو تجاهل الدور الكبير الذي تنهض به على الصعيدين الإسلامي والدولي، باعتبارها تمثـل نموذجا رفيع المستوى للوحدة الإسلامية التي تحمي المصالح العليا للعالم الإسلامي، وتدافع عن حقوق الشعوب الإسلامية».

واختتم الدكتور عبد العزيز التويجري دراسته التي ألقيت بالنيابة عنه بقوله: إنه من المستحيل في عالم اليوم قيام دولة إسلامية واحدة تجمع شعوب العالم الإسلامي، كما كان الأمر في سالف الدهر، فإنه من الضروري العمل على تقوية هذه المنظمة الجامعة لدول العالم الإسلامي وتمكينها من وسائل العمل المادية والبشرية، وتوفير أسباب النجاح لرسالتها الحضارية، واحترام القرارات الصادرة عن مؤتمراتها المختلفة ووضعها موضع التطبيق، في حركة متضامنة ومتناسقة، تـغلـب الصالح العام والقضايا الكبرى على المسائل الفرعية والقضايا الهامشية، مؤكدا أنه بذلك يتحول الوعي الاستراتيجي إلى مشروع استراتيجي يبني الوحدة، ويرسخ العلاقات بين مكونات الأمة، ويخرجها من المأزق الحضاري الذي يعوق مسيرتها، ويـغـري الأمم بالتكالب عليها.