أفكار وآراء

اليمين الشعبوي في أوروبا ..إلى أين؟

22 مارس 2017
22 مارس 2017

عبد العزيز محمود -

وسط تصاعد لليمين الشعبوي في ظاهرة هي الأولى من نوعها، قوة واتساعا ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تشهد أوروبا خلال عام 2017 سلسلة انتخابات يُنتظر أن تلعب دورا بارزا في إعادة تشكيل وجه القارة العجوز، بينما يتزايد القلق جراء الأزمة الاقتصادية وتدفق اللاجئين ومشكلات الأمن والإرهاب.

ويبدو أن الأزمة التي تعيشها الديمقراطية الليبرالية، وعجز الرأسمالية الجديدة عن توفير العدالة الاجتماعية، وتهديد العولمة للهوية الوطنية والثقافية، ساهم بدور كبير في صعود الشعبوية الأوروبية المعادية للمهاجرين والإسلام والاندماج الأوروبي استنادا إلى نزعات وطنية شوفينية متطرفة .

ولم يكن هذا الصعود وليد الساعة ، فاليمين الشعبوي متواجد بالفعل ، في برلمانات النرويج وفرنسا وسويسرا وبولندا و13 دولة أوروبية أخرى، بأشكال متفاوتة ، ويشارك في حكومات فنلندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج وسويسرا والنمسا، ويهيمن على حكومتي المجر وبولندا، وكاد يحصل على منصب الرئيس في النمسا، وينافس الآن على قمة السلطة في فرنسا وألمانيا وهما اكبر دولتين تأثيرا في الاتحاد الاوروبي .

كما تلعب أحزابه دورا مؤثرا على الساحة الأوروبية وخاصة حزب الجبهة الوطنية بفرنسا ، وحزب البديل من أجل ألمانيا ، وحزب الاستقلال بالمملكة المتحدة، والتقدم، والحرية بالنمسا، والحركة الاجتماعية، وحزب النجوم الخمسة بايطاليا ، والفجر الذهبي باليونان، والشعب ببلجيكا و«الديمقراطيين السويد» بالسويد.

وأصبح لرموزه صوت مسموع في أرجاء القارة وأبرزهم جيرت فيلدرز زعيم حزب «الحرية» بهولندا، ومارين لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، و فروك بيتري زعيمة حزب «البديل» في ألمانيا، من خلال المطالبة بوضع حد لثقافة التعددية والليبرالية والهجرة المفتوحة والاندماج وسياسات الديمقراطية الاجتماعية التي تميل لليسار.

ويسعى الشعبويون الأوروبيون لكسب تأييد الطبقة الوسطى من صغار رجال الأعمال والمزارعين والطبقة العاملة والباحثين عن عمل ، باستخدام تكتيكات أهمها الاستفزازات المحسوبة والفضائح وكسر المحرمات والتعبير عن رغبات الأغلبية الصامتة واستثارة مشاعر الخوف والغضب والإفادة من إخفاقات الأحزاب الحاكمة.

خلال عام 2016 كاد نوربرت هوفر زعيم حزب «الحرية» اليميني يصبح رئيسا للنمسا، وفي ألمانيا حصل حزب «البديل» على 25% من الأصوات في انتخابات الولايات، وصوت الناخبون في بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تعكس إدراك البريطانيين المبكر لمستقبل الاتحاد الأوروبي، وفي الولايات المتحدة فاز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة، وارتفعت أصوات الشعبويين الأوروبيين مطالبة بثورة لإنقاذ الأمة، وهو خطاب تاريخي يرجع لعشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ويمثل امتدادا للقومية المتطرفة في تلك الفترة بشكل او بآخر .

وفي منتصف مارس الحالي حقق اليمين الشعبوي بعض المكاسب في انتخابات هولندا، بعد حصول حزب «الحرية» المعادي للهجرة والوحدة الأوروبية والإسلام على المركز الثاني في الانتخابات، صحيح أن الحزب بزعامة جيرت فيلدرز لم يحصل على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، لكنه فاز بـ 19 مقعدا مقابل 15 حصل عليها في انتخابات 2012، كما دفع بعض الأحزاب الهولندية لتبني بعض توجهاته بشأن المهاجرين واللاجئين، وتقييد الهجرة من العالم الإسلامي، ولكن الهولنديين منحوا ثقتهم للحزب الليبرالي الحاكم ، وهو ما أثار ارتياحا في العديد من الدول الاوروبية ، المقبلة على الانتخابات خلال هذه الفترة .

هذا النجاح ، النسبي ، قابل للتكرار وربما بشكل ما في فرنسا،التي تشهد في 23 ابريل المقبل الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية والتي تتركز فيها المنافسة بين مرشحة اليمين الشعبوي وزعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن ومرشح الجمهوريين فرانسوا فيون.

ولا تخفي لوبان عداءها للاتحاد الأوروبي والمهاجرين والأقليات والمسلمين ، وتعهدت في حال الفوز بإجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، والمتوقع أن تدخل أمام فيون جولة الإعادة في 7 مايو المقبل، وأيا كانت النتيجة، قد تدخل فرنسا عصرا جديدا من الشعبوية اليمينية بعد عقود من الوسطية.

وفي المملكة المتحدة تجرى في 4 مايو المقبل الانتخابات المحلية التي تمثل أول اختبار لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، وهي انتخابات تحاول من خلالها كسب تأييد شعبي جديد لـ «البريكست»، وسط توقعات بأن يحرز حزب المحافظين تقدما في مواجهة حزب العمال المعارض، بينما يحاول حزب «الاستقلال» الشعبوي تحقيق مزيد من المكاسب ، وتأكيد حضوره الجماهيري بشكل او بآخر .

وتبدو ألمانيا هي المحطة الأهم في تقدم اليمين الشعبوي حيث تُجرى في 24 سبتمبر المقبل الانتخابات الفيدرالية، والتي تسعى من خلالها المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل للفوز بولاية رابعة ، وسط انتقادات لسياساتها الاقتصادية والمتعلقة بالهجرة، وينافسها في الانتخابات حزب «البديل من أجل ألمانيا» بزعامة فروك بيتري، بأجندة معادية للهجرة والوحدة الأوروبية ، مدعوما بالمكاسب التي حققها في الانتخابات المحلية.

ويتهم حزب «البديل» وحركة «بيجيدا» - وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب - ميركل بتسهيل دخول 1.1 مليون لاجئ إلى ألمانيا خلال عام ٢٠١٦ مما تسبب في أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية ورفع معدلات البطالة، وهي اتهامات تؤثر على شعبية المستشارة الألمانية، بشكل او بآخر، لكن الاستطلاعات ترجح فوز الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم وحزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، وحصول «البديل» الشعبوي علي المركز الثالث، لكن مصير ميركل مازال غير واضح، ويمكن القول إن فوزها سوف يؤدي إلى استمرارية الوضع الراهن، بينما سيترتب على هزيمتها - اذا حدثت - تأثر الوضع السياسي لألمانيا .

في ضوء ذلك فإن كثيرا من الدلائل تؤكد احتمالات تقدم اليمين الشعبوي في أوروبا، والذي يحاول الاستفادة من تجربة دونالد ترامب بعد فوزه غير المتوقع على هيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية، في ظل تشابه في بعض المواقف بين الحزب الجمهوري الامريكي ، وبين الاحزاب اليمينية الاوروبية . ولا يخفي الرئيس الامريكي دونالد ترامب رغبته في الابتعاد بقدر ما ، سياسيا وعسكريا على المدى الطويل عن أوروبا، بينما يعتبر اليمين الشعبوي الأوروبي أن التدخل الأمريكي في شؤون القارة منذ الحرب العالمية الأولى كان عاملا غير موات للمصالح الاوروبية .

ومن جهة أخرى لا يخفي الشعبويون الأوروبيون إعجابهم بالرئيس الروسي فيلاديمير بوتين وسياساته، ويطالبون بتقارب أمريكي روسي أوروبي لمواجهة ما يصفونه بـ «الإرهاب الإسلامي»، بينما تقدم لهم روسيا دعما سياسيا وماليا لدعم توجهاتهم وإثارة المشكلات للاتحاد الاوروبي .

وهكذا وبعد ثلاثة عقود من الليبرالية تشهد أوروبا تحولات سياسية واجتماعية ملموسة ، فيما قد يشكل بداية عصر جديد يقوم على العداء للأجانب والأقليات كاليهود والمسلمين والمهاجرين والغجر، وهي تحولات تحظى بتأييد الطبقة الوسطى التي تشعر بالخطر جراء تدفق اللاجئين وزيادة معدلات البطالة وانعدام الأمن الاجتماعي وإهمال النخب الحاكمة.

ولا يخفي الأوروبيون غضبهم من فشل تحالفات يسار ويمين الوسط، في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تدق أبواب القارة العجوز ، بعد أن ضربت كلا من: اليونان وإسبانيا والبرتغال، وعجز حكوماتهم عن مواجهة ضربات الإرهاب بدءا من تفجيرات مدريد ( 2004) وحتى هجمات نيس وبروكسل وميونيخ (2016)، وكانت الصدمة الأكبر حين انضم أوروبيون إلى تنظيم «داعش» وشاركوا في القتال معه في سوريا والعراق، وهو ما اعتبر فشلا لسياسة دمج المهاجرين، وغذى المخاوف من انتقال التطرف بين المهاجرين في أوروبا.

وهكذا تساهم عوامل عديدة في زيادة احتمالات صعود اليمين الشعبوي الأوروبي، بكل ما يعنيه ذلك من تحولات ونتائج على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وربما تكون انتخابات 2017 مجرد خطوة على الطريق، فالتغيرات التي سوف تشهدها أوروبا خلال السنوات العشر المقبلة، قد تجعل منها قارة أخرى غير التي نعرفها الآن .