أفكار وآراء

شرط التحكيم في العقد

22 مارس 2017
22 مارس 2017

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

Email: [email protected] -

يتضمن العقد المبرم بين الأطراف كل التفاصيل التي تم الاتفاق عليها، التي يتم تنفيذ بنودها، بواسطة كل طرف حسب الالتزامات التي تم تضمينها في العقد المبرم و»العقد شريعة المتعاقدين». وعدم الالتزام بالتنفيذ تنجم عنه عدة نقاط، من ضمنها، اللجوء للتقاضي للحصول على الحقوق ولتسوية المنازعات التي برزت لعدم الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

وعند الاختلاف، بين الأطراف، قد يتم اللجوء للجهات القضائية للفصل في النزاع. ومن أهم السلطات في الدولة الحديثة، السلطة القضائية التي يمنحها الدستور الاختصاص والولاية القانونية للنظر في تسوية المنازعات التي تحدث.

وللعديد من الأسباب، التي منها، طول فترة التقاضي أو للبحث عن السرية أو بسبب الطبيعة الفنية للنزاع أو لعدم الارتياح للذهاب للمحاكم الوطنية أو للشك في مقدراتها أو لعدم معرفة القوانين الوطنية أو للشك في استيعابها للمبادئ القانونية السليمة أو لغير هذا وذاك، ظهرت الحاجة للبحث عن بدائل أخرى لتسوية المنازعات بعيدًا عن القضاء وساحات المحاكم.

من البدائل القانونية المتوفرة لحسم المنازعات، الصلح أو التحكيم التجاري أو التوفيق أو الوساطة. وبدأ أصحاب الحقوق يطرقون هذه البدائل، واتضح من الإحصائيات أن اللجوء للتحكيم لتسوية المنازعات في زيادة مطردة مما يدل على سلامة اللجوء للتحكيم.

وللسير في هذا المسار المختار لتسوية المنازعات لا بد من التنويه إلى أن على الأطراف المتنازعة وضع اللبنات الأولى السليمة التي بدورها تؤتي ثمرًا ناجحًا يحصد الأطراف نتائجه، وفق القرارات الصادرة من هيئة التحكيم بعد سماع ما يقدمه الأطراف لإثبات الحقوق. ومن أهم اللبنات المطلوبة لنجاح السير في التحكيم، وجود «الاتفاق» المبدئي في ما بين الأطراف على مبدأ اللجوء للتحكيم. وما يهم في هذا الخصوص، من الناحية القانونية، أن «نية» الأطراف يجب أن يتم التعبير عنها بإفصاح تام في العقد المبرم. ولا بد من القول، إن هذا العقد يجب أن يحتوي على بنود أو بند يسمي «بند شروط التحكيم» يتضمن تفاصيل السير في التحكيم علي حسب اتفاق الأطراف. وكلما كانت «شروط التحكيم» المتفق عليها واضحة بكفاية مستوفية، تأتي النتائج في شكل مقبول وسريع لتسوية المنازعات.

ومن الضرورة، أن يكون بند «شروط التحكيم» متضمنًا لعدة نقاط جوهرية من ضمنها هل يكون التحكيم «فردي» أو تحكيم «مؤسسي» عبر مراكز التحكيم في البلد أو في خارجه، ما هو القانون الذي تم الاتفاق عليه لتسوية النزاع وهل هو قانون البلد أو قانون أجنبي، ما هو المكان الذي تم تحديده لإجراء التحكيم والأوقات المتفق عليها لإجراء التحكيم، ما هي كيفية تعيين «هيئة التحكيم» وكيفية التعامل معها أثناء سير التحكيم حتي صدور القرار النهائي بما في ذلك العزل أو إعادة التعيين أو غيره، ما هي لغة التحكيم، ما مدى تحديد الالتزام المطلوب في تقديم العون اللازم لمركز التحكيم أو هيئة التحكيم.

كل هذه التفاصيل لا بد من الاتفاق عليها ووضع تفاصيلها في بند «شروط التحكيم» حتى يسير التحكيم في المسار الصحيح الذي تمت تهيئته خصيصًا للسير بسلام حتي نهاية المطاف.

لا بد من تناول كل هذه التفاصيل وفق كل حالة، في بند «شروط التحكيم» وبطريقة تزيل كل الجهالة عن «نية» الأطراف منذ البداية، وقبل حدوث أي نزاع لأن ذكر التفاصيل في هذه المرحلة بالذات يتم في إطار عام وبحسن نية من جميع الأطراف، ولأنها ذات إطار عام فإنها في الغالب تتم بدون البحث عن تفصيل مقاسات خاصة وجاهزة لتصلح لحالة نزاع ماثلة بينهما.

وهنا يكون الأمر مجردًا وعادلاً لكل الأطراف، وتتم مناقشته بصورة علمية هادفة مما يقود بدوره لاستمرار التحكيم في سلاسة وبدون تنغيص لأحد الأطراف؛ لأنه شارك في تحديد المسار قبل أن تولد المنازعات والمشاكل. ومن هذا الوضع تتكون القناعة لدى الأطراف بأن ما يقدمه التحكيم سيكون البديل الأمثل لتسوية النزاع لأنهم قاموا ببنائه بأيديهم.

لكن بعض الأطراف، ربما لجهل منهم أو لأي سبب آخر، يكتفون فقط بوضع سطر واحد في العقد يشير لرغبتهم في إحالة تسوية المنازعات المتعلقة بالعقد للتحكيم. وهنا «نية» الأطراف لإحالة النزاع للتحكيم واضحة، ولكنها قد تضر أكثر مما تنفع لأنها وضعت التحكيم في «جهالة» تامة، ومن دون تفاصيل كافية تمكن الأطراف من السير في التحكيم بصورة سلسة.

وعند بداية التحكيم، تطرأ العديد من الأسئلة منها هل التحكيم فردي أو مؤسسي، هل هذا المركز أو ذاك، هل يقوم الأطراف باختيار هيئة التحكيم أم تختارهم جهة أخرى؟ هل يقوم الأطراف باختيار القانون الواجب التطبيق أم تختاره جهة أخرى؟ هل يقوم الأطراف باختيار مكان التحكيم أو تختاره جهة أخري؟. فإذا طرأت هذه التساؤلات هل يكون التحكيم هو البديل الأمثل والبديل الأفضل لتسوية النزاع المتعلق بهذا العقد؟ لا أعتقد. وكل هذا بسبب عدم قيام الأطراف بواجبهم وعدم «وضع النقاط فوق الحروف» منذ البداية، وهذا مطلوب إذا أردنا التحكيم.

ومن الجدير بالذكر، هناك قضايا كثيرة في هذا الخصوص منها إحدى القضايا التي قال فيها أحد مراكز التحكيم «المشهورة» أنه هو المركز المختص بنظر النزاع استنادا إلى خطابات سابقة متبادلة بين الأطراف أفاد فيها أحدهم أنه يفضل اللجوء لهذا المركز إذا حدث نزاع. وهكذا، اعتمد مركز التحكيم على معطيات عامة دون تحديد واضح يبين رغبة الأطراف بالنسبة لنقطة مهمة.

وبالنسبة لشروط التحكيم وفي هذا الخصوص نضيف أن غالبية مراكز التحكيم، خاصة الإقليمية والدولية المعروفة، تنص من ضمن أنظمتها على شرط التحكيم الخاص بالمركز. وهذا من الفوائد التي تعزز اللجوء للتحكيم المؤسسي؛ لأن المركز بنفسه يقوم بتوفير هذا الشرط والذي يقوم الأطراف في العادة بإضافته للعقد المبرم بينها إذا قرروا اللجوء للمركز المعني للتحكيم وفق نظامه.

مما تقدم يتبين لنا أهمية بنود «شرط التحكيم» في العقد وضرورة الاتفاق بين الأطراف على كل التفاصيل المتعلقة بسير قطار التحكيم الى محطته ونهاياته. ولذا، ننصح الجميع بعدم الاكتفاء فقط باختيار التحكيم لتسوية المنازعات بل عليهم أخذ «الميل الإضافي» وتناول كل التفاصيل الدقيقة الخاصة بالتحكيم في بند «شروط التحكيم» المشار له في العقد. وبهذا نضمن سير التحكيم لتحقيق العدالة الناجزة.

وهكذا، تكون النهاية ناجزة إذا تم بذل الجهد في البداية وجلس الأطراف للاتفاق علي إجراءات التحكيم وفق التفاصيل المتفق عليها لمعالجة المستجدات المتعلقة بالتحكيم، ونشير لأهمية هذه التفصيل خاصة بالنسبة للتحكيم الفرد؛ لأن التحكيم المؤسسي يتم وفق مؤسسية مركز التحكيم المتفق عليه.

وربما يكون من المناسب أيضًا، وضع فقرة عامة ضمن شروط التحكيم تنص على تخويل مركز التحكيم أو هيئة التحكيم باتخاذ ما يلزم لمصلحة السير في التحكيم خاصة إذا طرأ طارئ لم تتضمنه شروط التحكيم الواردة في العقد ولم يتفق عليه الأطراف في حينه. وهذا لتكملة مشوار التحكيم ولسد أي فجوة أو فراغ قد ينجم في أي وقت.