أفكار وآراء

رسالة اقتصادية إلى القمة

22 مارس 2017
22 مارس 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

من وقت لآخر يكتب كاتب هنا أو كاتبة هناك ما يسمونه رسالة مفتوحة إلى قياده بلده أو قيادات دول وهكذا ومع أن تلك صيغة متعارف عليها ومقبولة مهنيا إلا أنني لم الجأ إليها طوال اكثر من 35 عامًا في العمل الصحفي ذلك لأني ألمح فيها قدرًا من تفخيم الذات من الكاتب أو الكاتبة أو من المرسل أو المرسلة حيث اعتاد سياسيون ومواطنون عاديون أن يستخدموا هذه الصيغة من وقت لآخر لنفس الهدف تعظيم الذات وبيان أهمية ما لديها، كما ألمح فيها نوعا من التلميح الخفي إلى أن الرسالة لابد ستتم قراءتها أو يتعين ان تتم قراءتها، فالأمر جلل، مع أن رسائل أخرى بسيطه أو غير معلن عنها إلى الجهات العليا قد تكون أكثر أهمية بكثير ولذلك سأواصل عهدي في تجنب استخدام هذه الصيغة وان بدا العنوان معاكسا لمقصدي كل ما في الأمر أن المرء يود أن يكتب وأن يكتب ملايين غيره كلا بطريقته وعبر القناة التي تتيسر له للتعبير عما يطلبونه من قادة الأمة العربية الذين سيلتقون في قمة مهمة بنهاية هذا الشهر في العاصمة الأردنية، لا مجال أيضًا لأي إضافة إلى ما قيل حول خطورة هذه المرحلة واستثنائية الظرف الراهن بالنسبة للأخطار المحدقة بعالمنا العربي وبدوله كافة فقد جرت بذلك أنهار من أحبار الكتابات ولا أريد أيضا أن أكرر الانتقادات التقليدية للقمم العربية وبصفة خاصة تلك التي انعقدت من بعد عدوان العراق وتحرير الكويت إلى يومنا هذا فقد كتب عنها أيضا مجلدات وأصبح تعبير (إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا) متداولا بقوة حتى في أوساط تلاميذ المدارس الابتدائية، وما أتمنى أن نكتب فيه جميعًا هو اقتراح نقطة بدء جديدة لشكل مختلف وعصري وواقعي من أشكال التعاون العربي يدفع سفينة العرب الجانحة إلى الأمام في بحر السياسة الإقليمية والدولية العاصف، وكما كان الحال دائما، وسيكون فإن المصالح في الأمس واليوم والغد أساس مهم لتمتين اللحمة العربية، وبالتالي فالسؤال أي نوع من المصالح الاقتصادية والاجتماعية بصفة خاصة يمكن أن ينهض ويدفع دفة السياسة والعلاقات قدما ويصد جارف الهجومات على الأمة وعلى مواردها وعقلها وجغرافيتها وتاريخها ومستقبلها هذا ما أتمنى أن يجتهد فيه الجميع.

من حسن الحظ أن منتدى البحوث الاقتصادية وهو منتدى إقليمي يمثل شبكةً بحثيةً واسعةً ويضم علماء وخبراء على أرفع مستوى من كافة جامعات العالم قد عقد في الأردن ذاتها مؤتمره السنوي الثالث والعشرين قبيل القمة بأيام محدودة وكان موضوعه هو فحص ودرس تجارب وعبر التكامل الإقليمي الماضية وكيفية بناء صياغة جديدة للاتفاقات الاستراتيجية بين دول المنطقة وبعضها البعض، وقد أوضح الدكتور إبراهيم البدوي المدير الجديد لمنتدى البحوث الاقتصادية والأستاذ المعروف في مجال السياسات النقدية والاقتصاد الكلي أن عقد المؤتمر جاء في وقت هو الأنسب على الإطلاق فتحديات ما بعد الحروب الراهنة في المنطقة وكيفية التحول إلى سلام حقيقي بين دولها وبناء نمط جديد للتفاعلات الإقليمية ينبثق من أهل المنطقة ذاتهم مع وعي عميق بدروس تجارب غيرنا هو أمر مهم للغاية في تلك اللحظات مشيرا إلى أن ثمار التكامل الإقليمي في ما مضى كانت ضعيفة ولا نقول محبطة لكن يبقى الأمل قائمًا في أن يقدم لقاء الساسة وصانعي القرار وعلماء الاقتصاد والخبراء وممثلي منظمات المجتمع المدني الذين شملهم لقاء عمان ما يفيد المسيرة المقبلة، أن تكامل الرؤى وعمقها وواقعيتها لهو أقصر طريق لتيسير الولوج إلى عصر جديد من الروابط الإقليمية، ولم يكن على سبيل الصدفة أيضا أن استضاف المنتدي السياسي المصري الأبرز عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق ورئيس لجنة وضع دستور مصر 2014 ووزير خارجية مصر لعشر سنوات ومندوب مصر لدى الأمم المتحدة لنحو عشر سنوات فالرجل عايش وخبر وشارك وأثر وتأثر بكل ما جرى من عمليات تعاون إقليمي ومن اتفاقيات اقتصادية وغير اقتصادية وفي مقدمتها كما نعرف اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية.

أعود إلى النقطة الأصلية فهناك أهمية للنظر إلى تجارب التكامل الإقليمي في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية بل وفي إفريقيا للخروج بنموذج إقليمي أكثر حيوية وفاعلية واستجابة لمعطيات زمننا. وقد قدم باحثون وخبراء

من أمريكا وأوروبا والدول العربية ومنظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية مقاربات مثيرة وحيوية للغاية لنا وحدث ما يشبه الإجماع على أهمية الثقة في بناء علاقات تعاون متعددة الأطراف بطريقة خلاقة وكذا أهمية الحوافز في هذا المجال والطريف أن أستاذ الاجتماع الأمريكي وليس جودمان قال إنه يرى ضرورة بأن تأخذ أمريكا ويأخذ غيرها بالمبدأ الذي اسماه مبدأ مارلين مونرو أي عوامل الجذب بدلاً عن مبدأ مونرو الذي برز منذ أكثر من قرن ونصف بأمريكا محبذًا استخدام القوة والنفوذ لحماية المصالح.

دار جدل بناء أيضا حول من يسبق التعاون في الصناعة أم التجارة والبناء من أسفل لإنجاح التعاون بدل من أعلى أي من السلطات السياسية بعد أن تأكد عدم نجاح الأخير حيث أثرت التقلبات السياسية سلبيًا على التكامل العربي بحيث أصبح الاتحاد الإفريقي ورغم كل ظروف إفريقيا متفوقا على التعاون العربي على حد قول الدكتور إبراهيم البدوي، ودار حديث معمق أيضا عن أهمية الالتزام والحوكمة والحسابات الدقيقة والتوزيع العادل للمنافع ووجود المؤسسات القوية لراعيه التكامل وحل ما يعترضه من معوقات.

وقد تم طرح سؤال عن كيفية تحقيق التكامل في منطقة يتسع فيها الفارق بين دول غنية وأخرى فقيرة لكن لم يتم تقديم إجابة، وطرح الحاضرون أهمية وجود القيادة الذكية الواعية والعمل الجاد مع مراعاة إقامة حوار محسوب ومشروط مع دول الجوار وصولا إلى دول مثل أثيوبيا وأوغندا ونيجيريا وإريتريا إلخ، ولقد تحدث البعض عن أهمية أن تقود السياسة الاقتصادية تحقيق تفاهم عربي سياسي حول ملفات سوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال والسودان والعلاقات مع كل من إيران وتركيا ومن شأن ذلك أن يصنع فارقا في دفع مسيرة الترابط إلى الأمام غير أن المرء لا يجب أن يتوقع وسط الأحداث الملتهبة الراهنة والتداخلات الخارجية غير المسبوقة في شؤون المنطقة منذ سايكس بيكو عام 1916 إلى الآن حدوث تقدم كبير في التوافق السياسي خلال القمة المقبلة حتى على صعيد ما نتصور انه لا يمكن أن يختلف عليه اثنان مثل مكافحة الإرهاب ولذلك لا يجب أن نتوقف كثيرًا بسبب السياسة ونترك بلادنا ومنطقتنا في ذلك الوضع الغريب والذي هدد ويهدد حياة عشرات الملايين من أبناء المنطقة، ولذلك فاقتراحي ككاتب للقمة وبعد ما سمعته في مؤتمر منتدى البحوث الاقتصادية، هو وضع ميثاق لحدود الاختلاف بين الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية بحيث يعلم الكافة أن حدوث خلاف سياسي مهما كانت حدته بين الدولة س والدولة ص مثلا لن يترتب عليه كذا وكذا وكذا وبشكل أوضح فان الاتفاق علي حدود الخلافات كما قلت هو أيسر كثيرًا أو ربما كان أيسر من بناء توافقات ولذلك فانه يمكن القول انه عند وقوع خلاف بين هذه الدولة وتلك فإننا نتفق نحن الموقعون أدناه على استمرار الربط الكهربائي إذا كان قائمًا ورحلات السكك الحديدية والنقل وكل ماله علاقة بالتجارة طالما تحقق منافع متبادلة، فالمرء يفهم مثلاً أن توقف دولة استيراد سلعة من أخرى؛ لأنها تجد أن في هذا الاستيراد ما لا يتفق مع مصالح صناعتها وأسواقها وهكذا أما أن توقف لمجرد العقاب السياسي أو المكايدة السياسية، فهذا أمر يجب أن لا يكون مقبولاً في ضوء ما اقترحه وقس على ذلك كل ما هو جار من روابط استثمارية ولوجستية وتجارية وطبيعيه إلى آخره. لقد قالت باحثة غربية في المؤتمر أن مثلاً فرنسيا يقول إن التجارة يجب أن تعبر الحدود؛ لأنها إذا توقفت سيعبرها الجنود أي ستشتعل الحروب، فالتعاون الإقليمي الجاد وكما قيل بحق يجعل تكلفه الحرب مرتفعًا جدًا أي يُحد منها إلى أبعد حد وختاما بالصورة ليست أبدا بالظلام الذي يراه البعض فقد ذكرنا الأستاذ عبد اللطيف الحمد رئيس مجلس أمناء المنتدى وأمين الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بان تبادل العمالة في المنطقة العربية هو الأعلى عالميا وسيبقى بل وأضاف ضاحكًا: إن معدلات الزواج بين سكان الدول العربية أيضًا مرتفعًا بشكل لافت.