randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: لأني أحب

22 مارس 2017
22 مارس 2017

رندة صادق -

[email protected] -

هكذا تمطر السماء ضجيجها وترقص النجوم في احتفاليات لا تنتهي من متوالية الحياة والموت، في الحلقة المخفية لمعنى الأشياء تضيع بوصلة اليقين، فكلما نمت وردة لا يفكر الناس بجمالها فقط، بل يتحدثون عن شوكها وذبولها، وكلما سمعنا عن حكايات الحب ثرثرت ألسنتنا بالشك وتعالت فوق الجمال صور القبح، خيالنا واقعنا، خبراتنا عثراتنا معاييرنا الخاصة في التعرف الى عوالم توّلد معان عميقة في أنفسنا، لا نعرف فيها من نحن ومن نكون وكيف نحب؟.

الحب ليس رجل وامرأة، ليس قصة حزينة انتهت بفراق أو قصة توجت بحفل زفاف، الحب ليس هدية تاتي في مناسبات دورية أو بضعة جمل تصدأ فوق ألسنة العشاق، الحب ليس رغبة مجنونة لصيقة بتجاذب آني يخذلها الزمن فتصبح حكايات، الحب ليس ابتسامات آلية نطبعها على وجهنا اعتقادا منا أننا أدينا حقه فحان وقت السلام. لطالما كنت أظن الحب تخاريف بشرية، ميثولوجية تغذي الأدب، وهم لذيذ، هلوسة أرواح وعبثية رغبة ليس ﻷني لم أختبره، بل لأني عرفت أبعاده فتيقنت .

الحب كلمة بوزن حياة ومعادلة قد تغيير اختيارتنا، الحب المسكين نصفه بالمجنون الخارج عن قانون القبيلة والعشيرة وروتين ورتابة المشاعر، الفوضوي النزق، الذي لا يراعي الحواجز والفروقات ولا يكترث بالعمر والزمن والمرض ولا بأي من معوقات تفرضها مجموعات الأفكار الثابتة في مجتمعات تعاني من خلل عام في رؤيتها لمعناه. الحب له تجليات تظهر في مدنا بقوة إيجابية تحركنا، لنمنح من حولنا مشاعرنا الإيجابية، ولكن يبقى السؤال الأكثر جدلا على مر التاريخ: من يحب أكثرالرجل أم المرأة؟ علينا بداية حين نرغب في اجابة تفي حق هذا السؤال، أن ندرك أن الحب هنا هو قدرة كلّ منهما على المنح بداية لذاته، للآخر، لمجتمعه، ولوطنه. الحب ثنائي الأقطاب هو علاقة خاصة محكومة بظروفها الخاصة، أما الحب بمعناه الأشمل فهو “ثقافة حياة” وهذا يجعل كل واحد منا نواة الدائرة التي تخرج منها خطوط ذات بعد واحد وعلى مسافة واحدة من النقطة الأساسية.

الرجل كائن يربى على ترسيخ عقلانيته الشكلية وعلى أن الحب في مرات كثيرة ضعف ورجس من عمل الشيطان، قد تعمل بعض المجتمعات على وصف الشيطان بأنه المرأة التي هي رمز الغواية، وتعود في اثبات ذلك معتمدة على أنه الكائن الذي غرر به فأكل الثمرة من يد حواء وسقط من الجنة، فسقطت معه الشهوة وخضع لسحرها، في المقابل تدافع المرأة عن نفسها، بأنها كانت وسيلة الله سبحانه وتعالى لإختبار حكمة الرجل والتزامه، فخلقها رقيقة ضعيفة ناعمة تملك سلاحها الخاص، وهو أنوثتها وتفاصيلها التي تأسر الرجل وتجعله يقع في خديعة الأنوثة، اذا المعركة معركة تموضع للحق بدأت مع من الأضعف ومن الأقوى؟ وعلى مر التاريخ غالبا ما تجاذب المحللون والمجربون والمثقفون والعالمون التناقض في تحديد الحب هل هو قوة أم هوضعف؟ كل بحسب تجربته الشخصية وملاحظاته التي تكونت من خلال حياته وحدود معرفته، لكن الحب هو التضاد الجميل في أنه قوة ضعفنا وضعف قوتنا، الحديث عن الحب أكبر من مقال ومع هذا يمكن اختصاره بجملة “لأني أحب “ لأني أحب العالم أجمل، الحزن أجمل، لأني أحب أدرك سر الوجود.

نحن البشر كلما جمعتنا لحظة احساس واشتعل النبض فينا تغيرت خارطة العالم واحتنضتنا الأماكن واتسعت زوايانا الضيقة، فبات العالم مسرح الفرح، وبتنا أصغر وأروع. ان كان الحب سلاحنا مرّ المرض بسلام وواجهنا الفقر بالصبرتحدينا الظلم بإلإيمان واجهنا الجهل بالإتزان، لأن الحياة لا تسير الا بمحرك أول وأخير هو “الحب”.