fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: زوبعة في دنيا المتناقضات

22 مارس 2017
22 مارس 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

رأيته من السلم نازلا متثاقل الخطى، سألته ما بكَ؟ قال الدنيا وأهوالها وغرائبها وعجائبها، قلت ليس جديدا، قال إنها الآلام وأحوال الناس التي لم نعتد عليها سابقا، تغيرت الدنيا وتطورت نحو الأسوأ دائما، قلت لا تكن متشائما وكن متفائلا أو كما يقول البعض كن متشائلا لعلك ترضى، قال يا ويلي من الدنيا لم أعد أفقه شيئا منها، انقلب كل شيء على وجهه ولم يعد شيء على حقيقته.

ما كان أمسِ مبدأ صار اليوم سخريةً، وما كان قيما ومثلا عليا أصبح كلمة سفلى، وما كنّا نراه حقيقة أضحى حلما، أين الرقابة الذاتية في الإنسان وأين استشعار عظمة الخالق في الجنان؟ وأين المعاملة الحسنة؟ وأين الوجه البشوش؟ وأين الصدق والأمانة؟ وأين الرجولة والأنوثة؟ كل شيء ضاع مع الزمن، ولم نعد نعيش زماننا، نحن اليوم نعيش زمان غيرنا أخي، لذلك أشعر بالغربة وأنا بين أهلي وجيراني وأحبابي، أعيش وكأني أعيش في عالم آخر غير عالمي، لم أعد أطيق هذه الحياة والشيب يغزو شعري، لم أعد أرى الدنيا كما كانت وكأني أعيش في عصر الغزو الفكري. مهلا أخي رأيت رؤيا وأخشى قولها، خوفا من أن تصير حقيقة هذا الزمان، قلت له قل ولا تخف سنعيد سيرتها الأولى، قال ويحك يا رجل وهل الدنيا تعرف الرجوع للوراء إنها تسير للأمام دائما ولا تتوقف إلا بأمر من الله تعالى، لكن سيرها اليوم مخيف، أخافَ العظماء وحيّرَ العلماء وأذهلَ الشعراء وجمّد أعضاء البسطاء، إنها غير التي أعرفها، غيّرت لباسها ونسيت تاريخها وتبرّجت في أزيائها وانحرفت في سلوكها، وغرقت في مفاتنها، ولم تنتبه لمصيرها، فكانت هذه أحوالنا اليوم مع مرور الأيام والليالي والسنين.

قلتُ صبرًا بعد أن همّ بالانصراف، لم تقل ما رأيت في منامك، قال رأيت الشيء العجاب، رأيت نفسي أقود مركبة وسط رجال ونساء لم أعرفهم من قبل ولم يعرفوني غير أن السماء كانت غائمة شديدة الغيوم، وفجأة حدثت المعجزة، تغير كل شيء ولم أر من البشر إلا قليلا مبتسمين وعلى وجوههم نور كأنه نور السماء، وقفت فجأة وسألت أحدهم ما الذي حدث قال إنه اليوم الأخير.

فكرت في الرؤيا، حاولت تفسيرها وربطها بالواقع الذي نعيشه، لم أجد تفسيرا مقنعا إلا أن الدنيا تغيّرت، وأنها لم تعد كما كانت وتحذير جاء من السماء ليرجع الناس مما هم فيه وإلا سيأتي شيء عظيم لا يدركه البشر لأنهم في غفلة من أمرهم، بعدها سار صاحبي يحوقل ويتمنى أن يرى يوما مثل ما كان يراه في صغره من أحوال وعلاقات تنعش الناس وترسم على وجوههم الابتسامة. بينما اليوم ورغم التطور الهائل في الاتصالات والتقدم في التكنولوجيا والأدوات، فقدنا تلك الابتسامة وبدأنا نشعر بالرعب في أوساطنا، ربما لأننا لم نر الحياة كما كانت ولأن الطمع والجشع وعدم الخوف من الله جعل الناس يقبِلون على أفعال سيئة ولا يبالون بالعواقب.

فعلا هل أن الناس تغيروا أم الدنيا هي التي تغيرت؟ ما الذي حدث وما الذي يحدث؟ هل فهم الناس الرسالة أم انهم غضّوا الطرف عنها؟ ليت الناس يفكرون في العواقب قبل الإقدام على فعل أو قول، وليتهم يقرؤون ما يقدمون على فعله حتى لا يندمون على فعلهم، ما نمارسه في حياتنا خطأ وعلينا سرعة العودة قبل فوات الأوان.

هكذا كان صاحبنا يرى هذا الزمان الذي امتلأت فيه المتغيرات، وظهرت فيه المتناقضات، وعجزت فيه الألسن عن تغيير المنكرات، وبقيت فيه ألوان من المعاملات.