الملف السياسي

هل أصبحت قدرات داعش منهكة ؟

20 مارس 2017
20 مارس 2017

عبدالله العليان -

بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على تنصيب أبو بكر البغدادي زعيما لتنظيم داعش وخطبته الشهيرة في مدينة الموصل 20014م بعد سيطرة التنظيم عليها فإن السيطرة الكبيرة لهذا التنظيم على بعض المحافظات العراقية الشمالية دون مقاومة تذكر يثير علامات الاستفهام والاستغراب، كما حصلت في هذه المدن، خاصة سقوط الموصل، وإلى الآن لم تستطع الحكومة العراقية مع المشاركة الدولية والإقليمية طرد داعش من الإقليم والسيطرة على كامل مدينة الموصل بعد مرور ما يزيد على أكثر من أربعة أشهر على عملية التحرير، والحقيقة أن ذلك يجعل الأمر مستغربا ولافتا، خاصة أن مشاركة دول كبيرة وقوات نظامية مدربة تدريبا حديثا مع سلاح الطيران، ومع وجود الأجهزة الحديثة المتطورة، فإن التوقعات أن الهزيمة ستكون في غضون أسابيع على الأقل، وليست أشهرا، وما يزال تنظيم «داعش» يتمسك ببعض المناطق بالمدينة، وهذا الصمود لداعش جعل الكثيرين من يطرحون فكرة المؤامرة التي بدأت تعشش في أذهان البعض بعد بقاء داعش متمسك ببعض المدن العراقية والسورية منذ ظهوره، وأن داعش هي صناعة غربية لإرباك المشهد في المنطقة، وهذه كما يرون استراتيجية ثابتة، أن تبقى هذه الدول في اضطرابات وتوترات بين المكونات العرقية والدينية، لأهداف قد لا نراها ظاهريا، حيث إن استقرار هذه الدول ليس في صالح بعض القوى في المنطقة، وخاصة إسرائيل، ولذلك يرى هؤلاء أن تنظيم داعش، وإن لم يكن من صنع المخابرات الأمريكية، إلا أن وجوده يربك المشهد السياسي المستقر في تلك المناطق، لذلك لم يساهم التحالف الدولي مساهمة جادة بعد تأسيسه، في محاربة داعش والقضاء عليه، وزاد من الشكوك والاستغراب، أن قضية استمرار تنظيم داعش بعد المواجهة الدولية الكبيرة دون أن تضعف قدراته كثيرا في الصمود، وهذا ما طرح تساؤلات عديدة: هل التحالف الدولي لا يريد مواجهة داعش وإنهاء سيطرته؟ أم أن قدرات هذا التنظيم أصبحت كبيرة، بحيث لا تستطيع هذه الدول حسم المواجهة لصالحها؟ هناك شكوك وارتياب من الموقف الدولي من قضايا كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، منها صمود تنظيم الدولة نفسه بعد نحو ثلاث سنوات من إعلان التحالف الدولي لمحاربة داعش.

والواقع أن ظهور داعش ومجموعات أخرى فجأة، وبقدرات وإمكانيات كبيرة، تجعل الكثيرين يشككون في فرضية المؤامرة كما أشرنا أن مساحات وقدرات وإمكانيات وضعت لداعش؛ لتتمكن من فرض نفسها على الواقع الميداني والعسكري في سوريا وفي العراق، خاصة المناطق ذات الكثافة السنية، حتى يتم التمهيد لخطوات أخرى لترتيب المنطقة على أسس قد تراها بعض الدول أنها أكثر حماية واستقرارا للمنطقة. لكن هذه الرؤية يرفضها الكثيرون، لأنها تضع كل المشكلات والتوترات على قضية المؤامرات، دون التفكير والنظر للظروف والمعطيات التي أدت إلى هذا الوضع اللافت، ولا شك أن هذه التنظيمات تستفيد من سوء الأوضاع العربية الراهنة، وتستفيد من الأخطاء والسلبيات، وهذه السلبيات تجر إلى مشكلات وتوترات، وهذا ما حصل في العراق، ثم في سوريا، ومنها ما ذكرت في مقالات سابقة إلا أن تسريح الجيش العراقي السابق بعد صدور قانون بريمر الحاكم الأمريكي بعد الاحتلال، وهو ما أدى إلى انضمام الكثير منهم لهذا التنظيم، كما يقول الكثير من المتابعين للشأن العراقي والسوري؛ ولذلك فإن من المهم والأدق البحث عن الأسباب في كل حالة من الحالات.

لكن الذي نراه في الواقع أن التنظيم وإن كان قويا بعد تمدده في الكثير من المدن العراقية والسورية، إلا أنه بدأ يتراجع عسكريا في سوريا والعراق وفي ليبيا أيضا، وهذا التراجع كما يقوله بعض الخبراء سيزداد في الأشهر القليلة القادمة، بسبب التكثيف العسكري للتحالف والقوات المتحالفة معها في العديد من الهجمات على قوات التنظيم وعلى تجمعاته وعناصره، وبدأ التنظيم يتكبد خسائر متتالية في هذه الدول الثلاث، وإن التنظيم فقد حتى الآن ما يزيد على أكثر من نصف المساحة التي كانت تحت سيطرته، وهذا ما جعل التنظيم يحاول فتح جبهات جديدة، ومنها العمليات الانتحارية في العديد من المدن العراقية والسورية والليبية، حتى يستطيع التخفيف من الهجمات المكثفة عليه في المواقع الاستراتيجية التي سيطر عليها في السنوات الماضية، كما ساهم تراجع التنظيم في الأشهر الماضية، وقطع خطوط الإمداد التي سيطر عليها إلى جانب إضعاف قدراته العسكرية بسبب الضربات المكثفة؛ مما انعكس على تحركاته بين سوريا والعراق، وداخل بعض المدن التي سبق وسيطر عليها، والحقيقة أن تنظيم داعش وإن بقي متمسكا ببعض القرى والمناطق في العراق وفي سوريا، لكنه في انحسار وفي تراجع ملموس في المساحات التي سيطر عليها في العامين الماضيين، وإن الكثير من الضربات أنهكت قواته وأصابه الكثير من الخسائر العسكرية والبشرية في العراق وفي سوريا.

صحيح أن التنظيم استفاد من الأخطاء السياسية الكثيرة التي حصلت في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي، والتجاوزات من بعض التيارات السياسية التي تضرب على وتر المذهبية والطائفية، لكن غالبية الشعب العراقي، يريد الاستقرار، ويريد التعايش الذي كان عبر قرون هو الذي عزز الوحدة الوطنية، ولكن القدر المتيقن أن قوات داعش لن تنتهي قريبا، ولكنها في تراجع، وهذا التراجع سيضعف من قدرات التنظيم تدريجيا، وهذا ما يجعل انحساره سيزداد في الأشهر المقبلة.