أفكار وآراء

ترجمات : محادثات سوريا وأهدافها

19 مارس 2017
19 مارس 2017

روث سيترين -

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية  -

ترجمة قاسم مكي -

مع اختتام آخر جولة لمحادثات سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف يمكن أن يُعزَى إلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا فضلُ إبقاء الأطراف في المحادثات (ولو بطريقة غير مباشرة) رغم احتداد العنف، وعدم تحقيق تقدم يذكر. إن التوقعات محدودة لما ستأتي به جولة المحادثات القادمة المقررة في أواخر هذا الشهر. وهي محدودة أكثر بقدر طفيف من ذلك بالنسبة لمفاوضات وقف إطلاق النار التي تقودها روسيا وتركيا وإيران في آستانا. وربما أن وضع حد للاجتماعات السرية المتعثرة يرتكز على حدوث المزيد من التحولات على الأرض. ولكن أوروبا لا تفتقر إلى الأدوات التي تحفز على إيجاد مخرج من الانسداد. وأفضل خيار في الوقت الراهن هو أن تدعو أوروبا إلى البراجماتية في المسار السياسي وتوظف ثقلها الكبير في المجال الإنساني للمساعدة في تهدئة الصراع. يعكس الانسداد في جنيف الحقائق الراهنة في ميدان القتال وأيضا الاختلافات المتطاولة الأمد والجذرية حول الغرض من المحادثات. فنظام الأسد الذي تعزز موقفه بالمكاسب التي حققها على الأرض متمسك بتحقيق الانتصار العسكري، ويشعر بالقدرة على تكرار رفضه التطرق إلى أي موضوع آخر في جنيف بخلاف نظرته للإرهاب. وفي الأثناء، تتشبث المعارضة بالدعوة إلى انتقال سياسي يقر البعض في هدوء أنه احتمال غير وارد في الأجل القريب. يحدث ذلك رغم أنها تواجه هزيمة إستراتيجية. إن آمالا كبيرة معلقة على مفاوضات وقف إطلاق النار في آستانا. وكانت المحادثات في أثناء أول جولتين (عقدت الجولة الثالثة في منتصف الشهر الجاري) قد تركزت على تمتين اتفاق وقف العداوات في ديسمبر 2016. وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة روسيا وتركيا. لقد قيل إن موسكو وأنقرة وطهران اتفقت على آليات لمراقبة وقف إطلاق النار رغم شح التفاصيل وعدم وضوح التطبيق. ولكن احتمالات التقدم غير مؤكدة أيضا. فانتهاكات وقف العداوات الحالي تردد أصداء الانتهاكات التي سبق أن قوضت الجهود الأمريكية والروسية لوقف الحرب في عام 2016. ولا تزال منافذ إيصال المساعدات الإنسانية مسدودة حيث لم تصل إمدادات من الأمم المتحدة للمناطق المحاصرة منذ بداية العام الجديد. كما أن الاتفاق حول مكافحة الإرهاب يتعثر بسبب الجدل حول كيفية التمييز بين المتمردين والإرهابيين. وربما ما هو أكثر أهمية أن النظام يقصد بهجماته المتواصلة، كما يبدو، مد سيطرته إلى مناطق لها قيمة إستراتيجية. لقد انهارت جهود وقف العداوات في العام الماضي في أثناء قصف شرق حلب واستؤنفت تحت ظروف مختلفة جدًا بعد انسحاب المعارضة. والآن فإن النظام ينشِّط جهوده حول دمشق والبؤر الساخنة الأخرى الهامة إستراتيجيا بما في ذلك حي الوعر في حمص. ولا تملك الجماعات المعارضة في وضعها الضعيف هذا خيارًا حقيقيًا سوى مواصلة الضغط من أجل وقف لإطلاق النار. وحين تسقط تلك المناطق، سيتم اتهام المجتمع الدولي مرة أخرى حتما بالعجز أمام تلاعب النظام بعملية المفاوضات بهدف شراء الوقت اللازم لتأمين تقدم قواته. ولكن كما أن استسلام شرق حلب أدى إلى تجدد التنسيق التركي الروسي، فربما أن نقطة تحول أخرى بانتظارنا. إنَّ استيلاء النظام على آخر المعاقل الرئيسية للمعارضة في وسط سوريا، خصوصًا في ضواحي دمشق، سيمكنه من إعادة بسط سيطرته على المناطق الأساسية التي تعتبر ضرورية لبقائه وسيرغب الأسد في التقدم أكثر إلى درعا وإدلب وما ورائهما. ولكن ليس واضحا استعداد القوى المساندة له لتقديم قوة النيران الضرورية لذلك. وقد ترى موسكو بعد أن تولَّت الدور القيادي للوساطة في النزاع فائدة في إثبات أن تدخلها العسكري يحقق لها نفوذا كافيا لاحتواء تمددات النظام. أيضا قد يلزم إيران (التي يمكن القول إنها العنصر الضروري في تغيير حسابات النظام) النظر في جدوى مواصلة الاستثمار في الأرواح والأموال من أجل تحقيق الانتصار العسكري الكامل . وقد ترى أن الحكمة تستدعي حث النظام على القبول بالتسوية. وحتى إذا جاءت لحظة التحول هذه يظل السؤال هو: هل يستحيل التقدم في عملية جنيف بسبب حجم التغيير السياسي الذي تستهدفه؟ ترتكز المحادثات على بيان جنيف في عام 2012 الذي يدعو إلى تأسيس هيكل حكومي انتقالي. ويؤكد قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي دشن جهود وقف العداوات الالتزام بالبيان. ولكنه ينقل بؤرة التركيز بطريقة حاذقة من الجسم الحكومي الانتقالي إلى مفهوم أكثر مرونة هو «حكم غير طائفي ويتسم بالصدقية وشامل» إلى جانب التأكيد على صياغة الدستور وإجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة. ويبدو أن نظام الأسد لا يرى هذا «الفرق» ويواصل الاعتراض على أي نقاش مرتبط بعملية الانتقال السياسي. قد تساعد إضافة محطات «استراحة»على طريق إصلاحات الحكم والدستور والانتخابات الموضحة في القرار 2254 على تفكيك الانسداد. ويمكن أن يكون التركيز في الأجل القريب على إصلاحات محددة (في قطاع الأمن والقضاء وإمكانية مقابلة المحتجزين) لبناء الثقة بين السوريين في القدرة على التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع وتعزيز مناخ يمكن أن نتصور فيه عودة السوريين إلى بيوتهم. إن مثل هذه المقاربة لا تحتاج إلى التخلي عن بيان جنيف أو عن الالتزام بالمحاسبة والعدالة. وفي الحقيقة ستكون الإصلاحات التي تستهدف الروافع المفتاحية لسيطرة النظام مجهدة بذات القدر ولكن أقل تأثرًا بمحاولة الأعوام الستة لتغيير الحكم. إن تحقيق وقف مستدام لإطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية دون قيد، خطوة أولى ضرورية. ولكن الصورة الأكبر للعملية السياسية تبطئ تقدم المحادثات في آستانا. يجب تقليص مجال التركيز وتوجيه اهتمام العالم نحو تأمين وقفٍ مستدام لإطلاق النار سيتطلب بالضرورة بعض التنازلات الفورية فيما يخص الاستقلال الذاتي للمعارضة في إدارة بعض مناطقها الخاصة بها. أما أسئلة الحكم الأوسع نطاقا، خصوصا موضوع الانتقال، فيلزم تأجيلها. ويمكن لأوروبا المساعدة في وضع أجندة مستقبلية بالحث على تبني مقاربة براجماتية على النحو المذكور أعلاه. إضافة لذلك، تملك أوروبا أدوات محسوسة للمساعدة في تشكيل النتائج. فهي مصدر حاسم لدعم الاستقرار الضروري لتعزيز الأمن والخدمات الضرورية في ظل وقفٍ مستدامٍ لإطلاق النار. إن دفع الأطراف نحو مقاربات واقعية في الأجل القريب أو المتوسط لوقف الصراع يتيح أفضل احتمال للوفاء بالاحتياجات العاجلة للسوريين وتحسين فرص النجاح في المسار السياسي.

• الكاتبة مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية