أفكار وآراء

منصات التواصل الاجتماعي.. حوار الطرشان..

19 مارس 2017
19 مارس 2017

جمال إمام -

في الثمانينات كان صوت الكاسيت المرتفع بأغنيات جيل الشباب في ذلك الوقت دليل على الوجاهة الاجتماعية، ومن بعده الفيديو الذي ذاعت شهرته في التسعينيات تمامًا كما كانت أسطوانات «الجرامافون» في أواخر القرن التاسع عشر وغيرها من المحطات البارزة في تاريخ صناعة الإعلام والرأي العام.

بداية بالسينما الصامتة ثم الألوان ثم السينما سكوب ومرحلة الأبيض والأسود في التلفزيون وانتهاء بالتقنية الرقمية دون أن ننسى مرحلة أو عصر الراديو الذي قلب الموازين.

عندما كان يتربع هذا الصندوق الخشبي الذي تنطلق منه الأصوات والموسيقى على عرش الإعلام كأهم آلة لصناعة الرأي العام بمقاييس المائة عام الأخيرة.

اليوم استحوذت منصات التواصل الاجتماعي على تفاصيل صغيرة في حياتنا اليومية لتكون أهم واجهة لعصر تسيطر فيه أدوات العولمة المختلفة على ثقافتنا وهويتنا وأسلوب معيشتنا في طريقة تناول الطعام وفي الملابس وقصات الشعر، وفي العلاقات الاجتماعية وطريقة التفكير.

بعد أن اختلطت المعايير الاجتماعية بالمادية وأصبحت التليفونات الذكية جزءًا من ثقافة الجيل بغض النظر عن المستويات الاجتماعية التي ننتمي إليها.

وبالتالي بات من الضروري أن يكون لديك حساب على المنصات الجديدة التي يمتلئ بها الفضاء الافتراضي لتنضم لملايين من المستخدمين الذين يحاربون طواحين الهواء في حوارات أشبه بحوارات الطرشان يغلب عليها طابع الصدام والانفلات.

والواقع أن هذا الملف لا يشكل تحديًا فكريًا وثقافيًا ومجتمعيا فحسب بل يلقي بظلاله أيضًا على العلاقات الإنسانية والأسرية ويأخذ المجتمع في كثير من الأحيان باتجاه قضايا جدلية تؤجج في أحيان أخرى من الصراع والانقسام أوتحض على الكراهية والعنف.

وذلك لكثير من الاعتبارات ..

في النقطة الأولى ..

يشكل المحتوى الذي يتم طرحه عبر هذا المنصات هو الفيصل الذي يحدد أين نقف من هذه الأدوات الجديدة للعولمة بمعنى هو الذي يصنف شكل تعاملاتنا ويحدد طرق تفاعلنا مع القضايا التي يثيرها النقاش.

وبالتالي يمكن بسهولة أن تكون جزءًا من نقاش جدلي أو صراع أيديولوجي أو غيره (حتى ولو بالسلب) إذا كنت موافقا على الطرح أو تكون خارج نطاق هذه الأدوات وهو أمر لا يحدث مطلقا لأن مجرد توثيق حسابك على هذه المنصات تصبح جزءًا منها ولا يمكنك الفكاك حتى ولو أغلقته إلى حين.

عند هذه النقطة من الذي يحكم مواقفنا من هذه الأدوات هل هي الشفافية أم القيم المجتمعية أم التشريعات؟.

ربما يكون الخيار المتاح والأفضل في مواجهة ما نراه من فوضى مواقع التواصل الاجتماعي ومستوى الانحدار الذي وصل إليه الحوار أن تضمن ضوابط من الشفافية والتشريعات مناخا أفضل لحرية التعبير تتسم باحترام قيم المجتمع.

في النقطة الثانية ..

إنَّ عصر العولمة الذي يؤسس لمرحلة مختلفة في صناعة القيم مازال يقدم كل يوم أدوات مختلفة ربما أخطرها الآن شبكات التواصل الاجتماعي.

لأننا ببساطة أمام أخطبوط يمتلك عشرات الأذرع التي يحكم قبضته بها على الملايين من المستخدمين الذين تحولوا إلى مدمنين هدفهم الحفاظ على مقعد وحضور وهمي أكثر منه مشاركة في حوار حقيقي بناء.

وبالتالي فهو يربط كيانه الحقيقي بهذا الحضور المستمر (الفارغ من المضمون) وهو ما يعمق من أزمة حوار الطرشان الذي نتابعه كل دقيقة عبر هذه المنصات.

في النقطة الثالثة ..

بنفس قوة تأثير الأدوات القديمة التي مازال تأثيرها ممتدا حتى اليوم (السينما /‏‏ الراديو /‏‏ التلفزيون /‏‏ الصحافة) ستظل أيضًا منصات التواصل الاجتماعي واقعًا لا يمكن تغييره سواء اتفقنا أو اختلفنا.

لذلك من الأهمية بمكان أن نتعامل معها بحذر خاصة لما تحمله من تهديدات ومخاطر تنسحب على كافة المجالات وليس الاجتماعية فقط، فأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية تشكل في مجموعها تداعيات على الأمن القومي وأبرزها اتساع نطاق صناعة الإباحية لهذه الأدوات الجديدة حيث بلغت استثمارات هذه الصناعة على الإنترنت ما يقارب 5 مليارات دولار في السنة وهناك ما يقارب من 25 مليون موقع وصفحة إباحية متاحة على الإنترنت ثم هناك الأخطر على الأمن القومي مع بدء كبرى شركات المواقع الإباحية التخطيط للدخول على الهواتف الجوالة.

وبحسب إحصائيات المستخدمين للإنترنت في العالم العربي فإن هناك 90 مليون مستخدم لموقع «فيسبوك» في 22 دولة عربية، بنسبة قدرها 23% من إجمالي عدد السكان، ونحو 50 مليون مستخدم على «تويتر».

أما من حيث نوع وأعمار رواد شبكات التواصل فإن عدد الذكور المستخدمين لهذه المواقع بلغ 65% مقابل 35% من الإناث كما تصدرت فئة الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عامًا قائمة المستخدمين لتصل إلى 70% من إجمالي عدد رواد هذه المواقع في العالم العربي.

وبالتالي فإننا في حاجة إلى تشريعات لحماية قيم المجتمع ولمواجهة الغزو الثقافي والفكري عبر هذه الأدوات الجديدة للعولمة.

في النقطة الرابعة ..

وحتى لا تكون كل الجوانب سلبية فإن المنصات الجديدة صنعت ما تتميز به، وهو الإعلام الشعبي الإلكتروني الذي نجح في أن يكون بديلاً للصحافة التقليدية الورقية لدرجة أن كبريات الصحف العالمية تغلق أبوابها الآن وتتحول إلى صحافة إلكترونية كما حدث في مرحلة سابقة من تحول الصحافة إلى الطبعات الشعبية أو على الأقل أن يكون لها موقع إلكتروني بجانب طبعتها الورقية وهو ما ساهم بقوة في إعادة المنافسة لصحف عريقة اتجهت نحو الإغلاق عبر إعادة النظر في المحتوى الإعلامي لكي يحاكي طبيعة الانترنت التفاعلية.

ومع ذلك فإن كثيرًا من هذه المنصات التي تتواجد في نفس مكان الصحافة التقليدية تواجه اتهامات بأنها جزء من حالة الفوضى العارمة التي تضرب بشدة وعنف من أجل الإثارة وتجاوز القيم.

والواقع أن هذه المنصات يغيب عنها أن الإعلام الإلكتروني ليس فقط مجرد تكنولوجيا (لوحة مفاتيح وفضاء افتراضي) بل هو طريقة تفكير جديدة ومهارات لا بد من توافرها لمحرريه وطرق مختلفة أيضًا في صياغة الخبر.

بقيت نقطة أخيرة ..

إننا مازلنا في العالم العربي غير مؤثرين أيضا عبر هذه المنصات حيث ننقل جزءًا كبيرًا من المحتوى والمضمون الذي تريد العولمة وأذرعها السياسية والثقافية والفكرية أن تمرره.. والواقع أن أمامنا فرصة كبيرة ومهمة خاصة بعد حالة الانبهار والتعبير بكل الأشكال بأن نتحول إلى جانب مهم من صناعة الإعلام والثقافة عبر الاهتمام بالترجمة والتأليف والإبداع الحقيقي وإعطاء الأولوية لصناعة الكتاب خاصة وأن نصيبنا من القراءة في العالم العربي متراجع للغاية.. كما علينا أيضا أن نستفيد من الإعلام الجديد عبر هذه المنصات بالمساهمة في دعم القيم الإنسانية بدلاً من التفرغ لحوارات من جانب واحد تصيبك في كثير من الأحيان بالغثيان لتدني اللغة ولتفاهة ما تحمله من أفكار أو آراء..