أفكار وآراء

دول الخليج تتجه للقروض الخارجية

18 مارس 2017
18 مارس 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

يمكن اعتبار أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014 هي الأطول مدة والتي يتوقع تواصلها . وأن بقاء سعر برميل النفط المصدر بعوائد غير متكافئة مع مصروفات الإنفاق العام للموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسببت بتسجيل عجوزات كبيرة في موازنات السنتين الماليتين 2015 و 2016. ودفعت أسعار النفط الخام المتراجعة، دول الخليج العربي للبحث عن أدوات للدين لتغطية النفقات الجارية لها، رغم تنفيذها حملات وبرامج للتقشف.

وليس من العسير على دول المجلس تمويل عجز الموازنات بالسحب من الاحتياطي النقدي، علما أن دول المجلس الست لديها احتياطيات مريحة من النقد الأجنبي، وإن كانت غير معروفة بدقة كم تبلغ سواء أكانت أصولا مادية أو استثمارات في المحافظ السيادية أو ما لدى البنوك المركزية من النقد الأجنبي أو استثمارات خارجية. إلا أن معظمها فضّلَ اللجوء إلى القروض الداخلية والخارجية بإصدار الصكوك السيادية والسندات أو أذون الخزانة، على اعتبار أن السحب من الاحتياطي النقدي ينال من الثقة باقتصاداتها.

وكان تقرير قد صدر نهاية عام 2013 قدر قيمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدول المجلس مجتمعة من سقف الـ900 مليار دولار خلال 2013.

وأضاف التقرير: إن احتياطي النقد الأجنبي السعودي كان في حدود 50 مليار دولار عام 2000 حينما كان متوسط سعر سلة الأوبك في حدود 22 دولارا للبرميل وما لبث أن تزايد حتى بلغ 680 مليار دولار عام 2011 عندما كان مستوى سعر النفط الخام حوالي 106 دولارات للبرميل والحال كذلك بالنسبة لسائر دول المجلس الأخرى، وإجمالا فقد ازدادت قيمة الاحتياطيات الأجنبية لدول المجلس مجتمعة من حوالي 75 مليار دولار عام 2000 إلى حوالي 800 مليار دولار عام 2011 ويتوقع أن تقترب من 900 مليار عام 2013. وخلال الأعوام 2014 إلى نهاية 2016 فإن دول الخليج العربية اضطرت للسحب من احتياطياتها النقدية بنسب متباينة كل حسب حاجتها.

أما الخيار الآخر لسد العجز في الموازنات الخليجية فيمكن أن يأتي من خلال إصدار صكوك سيادية أو سندات حكومية لمدد طويلة والذي يأتي في إطار الدين العام الداخلي. فالسندات الحكومية تحظى بثقة الجمهور على اعتبار أن الحكومة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية. كما أن للدين الداخلي مزايا تحقيق الاستقرار المالي ويساعد على التخفيف من حدة مشكلة نقص السيولة خاصة في فترة توقف البنوك عن الإقراض خلال الأزمة العالمية، إلا أن الدين الداخلي للحكومات لا يخلو من المخاطر في حالة تزايد الديون بالقدر الذي يفوق إمكانية بعض الحكومات لسداد تلك الديون زمن استحقاقها.

وكما يبدو أن الديون الداخلية التي أبرمتها حكومات الدول الخليجية من خلال أذون خزانة وصكوك وسندات محلية لم تكن كافية لسد عجوزات موازناتها لسنة المالية 2017 . فضلا عن تمويل مشاريع استراتيجية تنموية فاتجهت إلى الخارج . فتوقع محللون اقتصاديون، أن تستمر وتيرة طرح السندات الدولية في دول مجلس التعاون الخليجي في 2017 بعد إصدارات قياسية في عام 2016.

وقال محللون لوكالة أنباء (الأنضول) التركية “، إن مستويات الإصدار غير المسبوقة جاءت مع الإقبال القوي من المستثمرين الدوليين نظراً لارتفاع العوائد عليها وانخفاض المخاطر مقارنة بالسندات الأوروبية.

وشهدت الدولة الخليجية إصدارات متنوعة متتالية منذ عام 2015، وكانت السلطنة آخر الدول الخليجية المصدرة للسندات الدولية، وباعت خلال شهر فبراير 2017 ما قيمته 5 مليارات دولار ضمن خطتها للاقتراض الخارجي لعام 2017.

وعادت مسقط إلى سوق السندات الدولية في 2016 بعد غياب لنحو 20 عاماً.

وكانت السلطنة قد أصدرت سندات بقيمة 2.5 مليار دولار في يونيو 2016، في أول إصدار منذ العام 1997، تبعها إصدار سندات بقيمة 1.2 مليار دولار في سبتمبر . وبذلك يرتفع حجم إصدارات دول الخليج من السندات الدولية منذ بداية عام 2016 إلى 46.5 مليار دولار بعد السندات العمانية. وللمرة الأولى أصدرت السعودية، أول سنداتها الدولية في أكتوبر 2016.، وجمعت رقماً قياسياً بلغ 17.5 مليار دولار وجذبت اهتمام كثير من المستثمرين الدوليين في أكبر إصدار سندات لسوق ناشئة.

وأعلنت الرياض أنها تخطط للاستفادة من أسواق الدين مرة أخرى عام 2017.

وجمعت حكومة قطر تسعة مليارات دولار من إصدار سندات دولية في أواخر مايو الماضي، في حين أصدرت حكومة أبوظبي سندات بقيمة 4 مليارات دولار على شريحتين بعد غياب دام سبعة أعوام. فيما اختارت حكومة البحرين مؤخراً بنوكا لإطلاق سندات دولية بقيمة 600 مليون دولار، في عملية إعادة فتح إصدار قائم مستحق في 2028، وباعت سندات بالقيمة ذاتها في فبراير 2016.

والكويت آخر دولة خليجية تتطلع إلى أسواق رأس المال الدولية، وتخطط لبيع سندات بقيمة 10 مليارات دولار خلال الأسابيع المقبلة ، بهدف تمويل جانب من عجز موازنة العام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس الجاري، ويقدر بنحو 9.6 مليارات دينار (31.5 مليار دولار)

وأفاد مايكل جريفيرتي، رئيس جمعية الخليج للسندات والصكوك (جمعية مستقلة مقرها دبي تمثل سوق الدخل الثابت في الخليج)، إن وتيرة إصدار السندات السيادية في الخليج تشهد نشاطاً ملحوظاً خلال الأشهر القليلة الماضية وسط إقبال كبير من المستثمرين في الأسواق العالمية. وتوقع اقتصاديون أن تسهم الصكوك السيادية -التي أصدرتها الحكومة العمانية لأول مرة- في توسيع الفرص الاستثمارية للمصارف الإسلامية بالسلطنة، وتقليل فوائض السيولة النقدية في البنوك التجارية، وأن تشكل هذه الأداة التمويلية مصدرا تكميليا لمواصلة الحكومة تمويل المشاريع التنموية قد يغنيها عن الاقتراض الخارجي في ظل الانخفاض الكبير لأسعار النفط.

وكانت وزارة المالية العمانية قد فتحت باب الاكتتاب بأول صكوك سيادية في السلطنة قيمتها مائتا مليون ريال (519 مليون دولار)، واستمر الاكتتاب إلى غاية 22 أكتوبر 2016 ، ويبلغ أجل سدادها خمسة أعوام، وقد أتيح الاستثمار فيها لكبار المستثمرين بحد أدنى قدره خمسمائة ألف ريال (1.3 مليون دولار).

وجاء الإعلان عن إصدار الصكوك في وقت أفادت إحصائيات صادرة عن البنك المركزي العماني بأن إجمالي أصول البنوك التجارية المحلية نما في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 15.6% ليبلغ 28.1 مليار ريال (73 مليار دولار) مقارنة بـ24.3 مليار ريال (63.1 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي. وأوضحت الإحصائيات نفسها أن إجمالي أصول البنوك والنوافذ الإسلامية بالسلطنة بلغ 1.8 مليار ريال (4.6 مليار دولار)، وهو ما يمثل 6.2% من إجمالي أصول النظام البنكي بنهاية يوليو الماضي. وبالرغم من توجه البنك المركزي العماني لتوفير السيولة النقدية من القروض الداخلية بوسيلة أذون الخزانة أو السندات الحكومية الاستثمارية ، إلاّ أنه كما يبدو أن البنك ينهج سياسة متوازنة بين القروض الداخلية والخارجية . ففي الوقت الذي يتواصل العمل على إصدار صكوك دولية قد تواصل إصداراته المتولية لأذون الخزانة والصكوك التنموية لتوفير السيولة اللازمة لتنفيذ بنود المصروفات الجارية في موازنة 2017. فضلا عن تمويل المشاريع الحيوية التي يتواصل العمل على استكمالها كالمطارات ومشاريع المنطقة الاقتصادية بمنطقة الدقم. وسواء أتجه البنك المركزي العماني للقروض الداخلية أو الخارجية فإن السلطنة تتمتع بثقة عالية في الإيفاء بالتزاماتها المالية محليا ودوليا.