yousef
yousef
أعمدة

النشر والكتابة

17 مارس 2017
17 مارس 2017

يوسف القعيد -

يتجدد الاهتمام بالكتاب ومؤلفه وناشره وقضاياهم وحكاياتهم كلما مر علينا معرض القاهرة الدولي للكتاب. ومؤخراً مر بنا معرض الكتاب في عامه الثامن والأربعين. فتجددت حكايات المعرض وكتبه ومؤلفيه وناشريه. ولعل أهم ظاهرة تتجدد كل عام هي قضية المؤلف الناشر، أي المؤلف صاحب دار النشر. وهى ظاهرة قديمة ومتجددة. ونرجو لها الاستمرار، لأن الكتابة والنشر جناحان لطائر واحد هو الكتاب.

وأول تجليات هذه الظاهرة دار ومكتبة مصر للطباعة. عندما كانت لدينا دار ومكتبة مصر للطباعة. وكان صاحبها الأول المرحوم عبد الحميد جودة السحار، وشقيقه المرحوم سعيد جودة السحار. كان الأول روائياً مهماً من جيل نجيب محفوظ، وكان الثاني نشراً. ولولا دار مصر للطباعة ما قرأنا النتاجات الأدبية لنجيب محفوظ وجيله. فيها صدرت الطبعات الأولى من مؤلفات نجيب محفوظ. بأسعار رخيصة. بأغلفة شديدة التميز. كان يرسمها المرحوم جمال قطب. لكنها لم تصبح دار الأديب الواحد. فمن خلالها قرأنا مؤلفات عبد الحميد جودة السحار وعلى أحمد باكثير وعادل كامل وثروت أباظة ومحمد عبد الحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس.

بل إن دار مصر للطباعة كان فيها مشروع مهم للترجمة في خمسينيات القرن الماضي. حيث ترجمت روائع المسرح العالمي. ونشرت آرثر ميللر وتينيسى وليامز وهينريك إبسن وبعض أعمال شكسبير وموليير وراسين. بل إن كتاب: فجر الضمير. لجيمس هينرى بريستيد. نشرت ترجمته العربية أول ما نشرت في دار مصر للطباعة.

ولدينا الآن في مصر دار ميرت. وميرت اسم ابنة محمد هاشم. صاحب الدار. ومحمد هاشم بدأ روائياً. وله رواية منشورة. لكنه هجر الكتابة الروائية – على الأقل مؤقتاً – وأسس أهم دار نشر تتولى نشر إبداعات الشباب. وما من جوائز لأدب الشباب لا يكون لمنشورات دار ميرت نصيب الأسد منها. فضلاً عن أنها كانت في مقرها السابق أقرب دار نشر لميدان التحرير. وعندما يتم تدوين تاريخها سنعرف أنها أصبحت مستشفى ميدانيا متقدما خلال الفترة من الخامس والعشرين من يناير وحتى الحادي عشر من فبراير من عام 2011. أي قبل ست سنوات. ومنها انطلقت قوافل الطعام والشراب لمن كانوا في ميدان التحرير. وربما كان عند محمد هاشم سجل حقيقي بوقائع هذه الأيام الثمانية عشر التي غيرت مصر من حال إلى حال.

أعود للأشقاء العرب. وأتوقف أمام دار الحوار في سوريا. وهى دار أسسها نبيل سليمان الروائي السوري المعروف. الذي لا يكتفي بكتابة النص الروائي. لكنه يتابع الإبداعات الروائية العربية. خاصة الشابة منها. ودار الحوار لم تكتف بنشر إبداعات نبيل سليمان. ولا نشر دراسات عنه. ولكنها أصبحت في سنوات قليلة واحدة من أهم دور النشر العربية التي تنشر الإبداعات العربية الجديدة والمترجمات الأدبية ذات الطابع الخاص. والتي لا يحدث لها رواج جماهيري على طريقة الكتب الأكثر مبيعاً. لكنها من الكتب ذات الوزن الثقافي الثقيل التي لا توزع بالآلاف. لكن تأثيرها يتجاوز التوزيع بالآلاف.

ثمة بطولة سورية مذهلة. لا بد أن يدونها التاريخ. فهم رغم ظروفهم الصعبة والقاسية، مازالوا قادرين على الكتابة وقادرين على النشر. رغم أن البعض منهم يكتب من خارج سوريا. والبعض الآخر ينشر خارج سوريا. لكنها تظل سورية التي لا بد أن نردد أمام ما يقومون به: لا سوريا إلا سوريا.

البطولة ليست قاصرة على نبيل سليمان وداره. لكن جميع الناشرين السوريين الذين أضاؤوا المعرض بكتبهم الجديدة والقديمة. يستحقون أن ننحني لهم وأن ندرك أن أهل الشام قادرون على قهر الصعاب وعمل المعجزات.

«أزمنة»، دار نشر أخرى أسسها الياس فركوح. وهو روائي عربي أردني ومترجم تنبع أهميته من قدرته الفريدة على اختيار ما يترجمه. وإلياس فركوح إلى جانب أنه ينشر للأصوات الجديدة الواعدة من شباب الأدباء العرب. يركز على مشروع يخصه ينفرد به ولا نجده لدى أي دار نشر أخرى. ألا وهو الاهتمام بالعملية الإبداعية وعادات الكتابة لدى كبار الكتاب وخفايا التدوين يساعده في ذلك الروائي والناقد المغربي أحمد المديني. تلمح اختيارات إلياس فركوح في كل حرف ينشره. لا يعنيه أبداً كتب الـ»بست سيلير» ولا الكتب الأكثر توزيعاً. لكنه صاحب مشروع يقوم على المردود الثقافي لكل حرف ينشره في داره المهمة.

دار «طوبقال» يمتلكها الشاعر والمثقف العربي المغربي الكبير محمد بنيس. عندما كنت في المغرب آخر مرة. وكنت في طريقي من الدار البيضاء إلى الرباط بالسيارة. تعطلت بنا سيارتنا. فتوقفنا في قرية. قيل لنا إن اسمها المحمدية. وقال لنا الناس من باب الفخر إنها قرية محمد بنيس. وفاتني أن أسأل: هل اسم القرية يعود لمحمد بنيس؟ أم أن الأمر صدفة؟.

ودار طوبقال تصيبك بدهشة من دقة الاختيار وجمال الإخراج والتركيز على كل بقعة ضوء يمكن أن تساعد العرب والمسلمين على الخروج من مأزقهم الراهن بأقل الخسائر الممكنة. إن كان ثمة عيب وحيد في دار طوبقال هو ارتفاع أسعار كتبها بشكل جنوني. متوسط سعر الكتاب أياً كان عدد صفحاته لا يقل عن السبعين جنيهاً. وهو مبلغ كبير. لكن الإغراء يظل قائماً في أن تضم مكتبتك ما تنشره هذه الدار المهمة.

دار الآداب علامة مهمة في تاريخنا الثقافي في القرن العشرين. هذا العام لم أجد الدار ولم أجد صديقي نبيل نوفل ولا زوجته رنا إدريس التي كانت تحضر عادة في اليومين الأوليين من المعرض. لا يعنيها إن كان جناح الآداب قد باع أو لم يبع. لكن ما كان يعنيها بالدرجة الأولى أن تطمئن على حركة نشر الكتاب في الوطن العربي. مع تركيز على النص الروائي. وهذا طبيعي. فهي ابنة المرحوم الدكتور سهيل إدريس، الروائي والمترجم وابنة الدكتورة عايدة مطرحي إدريس.

لولا دار الآداب ما تكونت ثقافتنا في ستينيات القرن الماضي. بفضلها قرأنا للمبدعين العرب الذين لم تكن تصل أعمالهم إلى القاهرة. وهي الدار التي نشرت محاولات التجديد الشعري لصلاح عبد الصبور وأبناء جيله. ومن خلال ترجمتها عرفنا جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وألبير كاميه. وظلت الدار حتى اللحظة الأخيرة تتميز باختياراتها المبهرة والجميلة لكل ما تنشره.

غيابها عن معرض القاهرة الدولي للكتاب مؤخراً. ربما كانت له أسبابه. لكن المؤسف أن الغياب سبقه إعلان توقف مجلة الآداب عن الصدور نهائياً. ومجلة الآداب لم تكن تصل لمصر في السنوات الأخيرة. ولا أعرف السبب في توقف المجلة الرائدة والمهمة عن الصدور. هل هي أزمة أموال؟ أم أزمة ديمقراطية؟ أم أزمة تدخلاتِ وضعٍ لبنانيٍ داخليٍ؟ لعل المانع أن يكون خيراً.