Untitled-1
Untitled-1
إشراقات

الـصــوافي: المشـي إلى الصـلاة بسكينة ووقار.. مدعـاة للخشوع واسـتحضار معاني الصلاة

16 مارس 2017
16 مارس 2017

المسرع إليها يشتغل بتسكين نفسه على حساب حضور القلب -

حوار: سالم بن حمدان الحسيني -

نبّه فضيلة الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين الفتوى بمكتب الإفتاء إلى بعض الملاحظات التي يجب أن يتنبه لها المسلم قبل وأثناء أداء فريضة الصلاة خصوصا صلاة الجماعة التي هي مظهر إيماني عظيم تجمع المسلمين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وعلى اختلاف ألوانهم ولغاتهم وعلى اختلاف مستوياتهم العلمية، ومن تلك التنبيهات المجيء إلى الصلاة بخطى متسارعة بغية إدراك اكبر قدر من الصلاة، مشيرا الى أن ذلك من شأنه أن يشغل المصلي عن الخشوع لأنه سيشتغل بتسكين نفسه على حساب حضور القلب واستحضار معاني الصلاة.

وأضاف: ومن التنبيهات أيضا عدم رفع الصوت بالسلام عند الدخول الى المسجد بل على الداخل الى المسجد أن يسلم تسليما خفيفا يسمعه من كان قريبا منه فحسب، واذا جلس لقراءة القرآن فليقرأ بصوت خافت حتى لا يشغل ذلك من المصلين أو القارئين، منوها إلى أن بعض المأمومين يبالغون في الجهر بتكبيرة الإحرام لأن ذلك يشوش على من يصلي بقربهم فينبغي ان يتنبه لذلك، مضيفا: كما لا ينبغي للإمام عندما يلتفت الى المأمومين للدعاء أن يستعمل مكبر الصوت، ولا أن يرفع صوته بالدعاء حتى لا يشوش على المصلين الذين يستدركون الصلاة او المصلين الآخرين في جماعة أخرى أو ممن يصلون النوافل. وهناك من التنبيهات الأخرى التي نبه إليها فضيلته كترك الفراغات بين المصلين والمرور بين يديهم وغيرها من التنبيهات.. نقرأها في الحوار التالي:

 

هل لكم أن تحدثونا عن أهم التنبيهات التي يجب أن يتنبه لها المسلم إذا أراد أن يهيئ نفسه للصلاة ويهم بأدائها جماعة في المسجد؟

من التنبيهات التي نود التأكيد عليها قبل كل شيء عدم الإسراع في الإتيان الى الصلاة، بغية إدراك اكبر قدر من الصلاة وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق الصحيحة في المشي الى الصلاة عندما يسمع المصلي الإقامة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «اذا ثوب للصلاة فلا تأتونها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا»، فالرسول صلى الله عليه وسلم المصلي يوجه بأن يأتي المصلي الى الصلاة بسكينة ووقار وان يكون مشيه كالمعتاد ولا يأتي مسرعا لأن ذلك من شأنه أن يشغله عن الخشوع في الصلاة فيشتغل بتسكين نفسه على حساب حضور القلب واستحضار معاني الصلاة، بخلاف ما لو جاء بسكينة ووقار فانه سيدخل الى الصف وهو ساكن النفس فيُقبل على صلاته ولم يشغله شيء لأن الخشوع هو روح الصلاة التي تحيا به وتحيا به القلوب أيضا ولذلك جعله الله عز وجل أول صفة من صفات المؤمنين وبدونه تكون الصلاة كالجثة الهامدة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) كما امرنا الله عز وجل أن نقوم الى الصلاة ونحن متلبسون بالخشوع (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، أي خاشعين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل شيء عمود وعمود الدين الصلاة، وعمود الصلاة الخشوع»، فكما أن الدين لا يقوم الا بالصلاة فكذلك الصلاة لا تقوم إلا بالخشوع.

التسليم بصوت عال

وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نبه على أمر مهم وهو ألا يجهر قارئ القرآن او المصلي بالقراءة في المسجد مع حضور الناس الآخرين، لأن ذلك يشوّش عليهم ويشغل فكرهم ولهذا اذا دخل المصلي الى المسجد فلا ينبغي أن يرفع صوته بالسلام، كما يفعل بعض الناس، وإنما يسلم تسليما خفيفا يسمعه من كان قريبا منه، ولا يشوش على المصلين، وعندما يقرأ الجالس في المسجد القرآن يقرأ فلتكن قراءته بصوت منخفض حتى لا يشغل غيره من المصلين او القارئين، وهكذا عندما يكون المصلي في صلاته، فلا يجهر بشيء منها ونلاحظ أن بعض المصلين يجهرون بتكبيرة الإحرام او يجهرون بالقراءة فيشغل ذلك من يصلي بجانبهم وهذا أمر لابد أن ينتبه له المصلي، فليكن حذرا من مضايقة احد ولو برفع الصوت في القراءة، كما لا ينبغي للإمام أن يستعمل مكبر الصوت، ولا أن يرفع صوته بالدعاء عندما يلتفت الى المأمومين للدعاء – وقد نبهنا على ذلك سابقا - لأنه في ذلك الوقت قد يكون بعض الناس قد قام لاستدراك ما فاته، وقد تكون هناك جماعة أخرى تصلي الفريضة وكذلك هنالك من يصلي النافلة.

الاستدراك

وأضاف: وقد شرع الإسلام لمن جاء متأخرا ووجد الجماعة قائمة أن يستدرك الصلاة فعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»، وبعض الناس يتعلل بانه لا يحسن الاستدراك فيجلس في آخر المسجد والناس يصلون وهذه مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، مشيرا الى أن تعلم الاستدراك ليس بالأمر الصعب الذي قد يشق على الإنسان ويدخل المستدرك مع الإمام في أي ركعة أدرك فيها الإمام ويعرف ما فاته من الصلاة، فإذا جلس الإمام للتشهد الأخير قرأ معه التحيات الى عبده ورسوله وينتظر سلام الإمام فإذا سلم قام بدون تكبيرة وأتى بما فاته مع الأمام ثم يجلس ويسلم.. ونضرب مثالا على ذلك لو أدرك الإمام في الركوع من الركعة الأولى فإنه يكون قد فاتته القراءة فإذا سلّم الإمام قام وقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن إن كانت من الركعات التي يقرأ فيها شيء مع الفاتحة ثم يجلس ويسلم وإذا دخل مع الإمام في التشهد الأول مثلا فإنه يكون قد فاتته ركعتان فإذا سلم الإمام قام وقرأ وركع وسجد ثم قام الى الركعة الثانية ويفعل فيها مثل ما فعل في الأولى، وبعد السجود يجلس ويأتي بالدعاء إن شاء ثم يسلم وقد تمت صلاته. وما اذا كان الاستدراك في التشهد الأخير يجوز أم لا؟ أوضح قائلا: ويجوز الاستدراك في التشهد الأخير على رأي طائفة من أهل العلم وبناء على ذلك فإنه بعد سلام الإمام يقوم ويأتي بركعات الصلاة كلها، فإن كانت الصلاة صلاة الفجر أتى بركعتين وان كانت الظهر أتى بأربع وان كانت المغرب أتى بثلاث وهكذا.

المرور أمام المصلين

كما نبّه الصوافي على ظاهرة تكثر أثناء صلاة الجمعة وهي المرور بين يدي المصلين مشيرا الى أن هذه الظاهرة تكثر في صلاة الجمعة وفي الأوقات التي يكون المسجد فيها ممتلئا إذ يصلي بعض الناس في الصف الأول وبعد سلام الإمام يرغبون في الخروج ولكن الصفوف تكون ممتلئة وقد يكون هنالك من يصلي السنن والنوافل فلا يبالي بذلك والرسول صلى الله عليه وسلم قد شدد القول في المرور بين يدي المصلين، فعن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم؟ لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه»، وفي هذا ما يدل على خطورة المرور بين يدي المصلين، فلا ينبغي التساهل في ذلك.. موضحا أن المصلي اذا انتبه أن أحدا ان يمر بين يديه أن يشير إليه بيده تنبيها له حتى لا يمر، فإن أصر على المرور فله أن يدفعه بما يمنعه عن المرور، ولكن لو لم ينتبه له ومر، فإن ذلك لا يفسد صلاة المصلي، وقد قال أهل العلم إن من أراد أن يمر امام المصلي فليجعل بينهما ثلاثة اذرع (متر ونصف المتر تقريبا) بعد موضع السجود حتى لا يكون مارا بين يدي المصلي، ويؤمر المصلي ان يصلي الى سترة سواء كان هذا المصلي إماما او منفردا، ويقصد بالسترة حاجز يضعه أمامه يكون له ارتفاع في حدود ثلاثة اشبر، ككرسي او طاولة او سارية او عصا ينصبه او خزانة كتب او غير ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «استتروا ولو بسهم»، اي اجعلوا بين يديكم وانتم تصلون سترة منصوبة ولو كانت دقيقة كالسهم، فان هذه السترة تحفظ له صلاته، وترفع الحرج عن الناس، اذا أرادوا أن يمروا بعد هذه السترة، موضحا أن بعض الناس عندما يدخلون الى المسجد يصلون في الصف المؤخر وقد يكون قريبا من الأبواب، فيعرضون صلاتهم لمن يمر أمامهم، والذي ينبغي للمصلي اذا دخل المسجد لأداء الصلاة ان يتقدم ويبتعد عن الممرات حتى لا يضايق غيره ولا يضايقه غيره.

فراغات بين الصفوف

وأشار الى ان من التنبيهات التي يجب أن يتنبه لها المصلي هو عدم تقارب المأمومين في الصف فعندما ينظر الناظر الى الناس وقد وقفوا للصلاة خلف الإمام هناك فراغات بين كل مصل ومصل، بينما المأمور به التقارب بحيث يضع الكتف على الكتف وينبغي للإمام أن يراقب الصفوف وان يأمر الناس بسد الفرج، وان لا يتركوا بينهم فراغا، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصا على تسوية الصفوف فكان يأمر بتسوية الصفوف ويحذر الصحابة من ترك فرج في الصف وبيّن صلى الله عليه وسلم ان هذه الفرج يمر منها الشيطان، كل ذلك حرصا على التقارب الجسدي بين المصلين الذي يشير الى التقارب القلبي، وهذا من اعظم فوائد ومقاصد صلاة الجماعة، فصلاة الجماعة مظهر ايماني عظيم تجمع المسلمين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وعلى اختلاف ألوانهم ولغاتهم وعلى اختلاف مستواهم العلمي، فتجد الفقير يقف بجانب الغني والضعيف بجانب القوي، والجاهل بجانب المتعلم، وفي هذا درس كبير للمسلين يدعوهم الى الاتحاد وعدم الالتفات الى الفروق المادية والا يستعلي من انعم الله عليه بنعمة على من حرم تلك النعمة، فليؤمر بشكر الله والتواضع لإخوانه ولين الجانب لهم، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وأضاف: كما يجب التنبه أيضا الى سد الفرجة التي تحدث في صفوف الجماعة لسبب من الأسباب فإذا أقيمت الصلاة وخرج أحد المأمومين لعذر ما يبقى مكانه شاغرا ولا يسد تلك الفرجة المصلي الذي يقف بجانبه، مشيرا الى انه اذا خرج المأموم فان الشخص الأبعد عن الإمام يجب عليه ان يتحرك الى المأموم الأقرب الى الإمام ليسد ذلك الفراغ، ولذلك شدد أهل العلم كثيرا على ذلك وقالوا اذا كانت هذه الفرجة لم يسدها المصلون فان ذلك يؤدي الى فساد صلاة المصلين الذين يقفون من بعد تلك الفرجة لأنه اصبح الصف منقسما، وعلى المصلي الأقرب الى الفرجة ان يقوم بذلك الواجب وان لم يتحرك لجهله بالحكم فعلى المصلي الأبعد عنها الذي يعرف الحكم بان تلك الفرجة يجب ان تسد فعليه ان يتحرك ليسد ذلك الفراغ وإذا لم يقم الأقرب بذلك فعلى الأبعد ان يتحرك ليملأ الفراغ حتى لو كان ذلك المصلي الأول او الثاني او حتى العاشر ويعرف بان هناك فرجة غير مسدودة فليتحرك لسدها، وان حدث ذلك أثناء التشهد فإذا قام مصل أثناء قعود المصلين للتشهد من مكانه فليزحف ذلك المصلي وهو جالس لسد تلك الفرجة ولا ينتظر حتى القيام للركعة الثالثة وذلك من شدة حرص الشارع على ان تسد الفرج بين المصلين. موضحا ان المصلي اذا كان في الصف الثاني من الصلاة وحدثت تلك الفرجة أمامه في الصف الأول فله ان يتحرك الى الصف الأول ليسد تلك الفرجة، وليس ذلك بواجب عليه لأنه لم تتأثر صلاته لأن ذلك المصلي في صف آخر ولكن اذا لم يتحرك المأمومون الذين هم في الصف الأول لسد الفرجة فله ان يتقدم ويسد تلك الفرجة ويكون له أجر وصل الصفوف وعدم ترك الفرجات بين الصفوف في الصلاة، مشيرا الى ان بعض المصلين يترك مسافة معينة بينه وبين المصلي الذي يقف بجانبه ويفتح رجليه الى الآخر والداخل الى المسجد يلحظ تلك الفرجات الواضحة بين المصلين التي يمكن ان تستوعب اكثر من مصل لم يتم سدها بالكامل وتلك من الأخطاء فلابد من سد الفرج «حاذوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام» فلا يترك المصلي مسافة بينه وبين المأموم الذي قبله وإنما يقترب منه، حتى تكتمل تلك الصفوف.

علاج السرحان

وبيّن الصوافي أن علاج اشتغال النفس أو السرحان في الصلاة الذي يعاني منه بعض المصلين هو الحرص على أن يبكر المصلي الى مكان الصلاة ويشتغل بصلاة النافلة وقراءة القرآن والذكر حتى يكون ذلك معينا له على استجماع قواه وحضور قلبه، بخلاف من جاء الى المسجد والصلاة قائمة فانه قد يشتغل نظرا لقرب عهده بالدنيا ومشاغلها ومما يعين على الخشوع محاولة المصلي ان يستحضر معاني ما يقرأ في صلاته ومعاني الاذكار التي يأتي بها في ركوعه وسجوده وقعوده، ومما يعينه على الخشوع تعظيم مقام الصلاة (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فيستحضر المصلي انه في مقام المناجاة لله رب العالمين فيكون ذلك ادعى الى التذلل والانكسار وسكون النفس وعدم الإسراع في الصلاة واستحضار معاني ما يقرأ.