954479
954479
إشراقات

السلامة المرورية .. مسؤوليات مباشرة شرعية وأخلاقية وقانونية وأسرية واجتماعية ووطنية وإنسانية

16 مارس 2017
16 مارس 2017

القيادة أمانة ومســؤولية -

954484

قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة: النفس البشرية غالية وليس للإنسان أن يُوْدِيَ بحياته ولا أن يودي بحياة غيره فالله تعالى يبين قيمة النفس البشرية عندما يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).

وحذر الله سبحانه وتعالى من قتل الناس لأنفسهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) والإنسان هو أمين على نفسه وأمين على غيره وفي أي ظرف من الظروف تكون هذه المسؤولية عن هذه الأمانة بحسب ذلك الظرف فالذي يمسك بمقود السيارة يكون مسؤولا عن سلامته بنفسه ومسؤولا عن سلامة الركاب عنده ومسؤولاً عن من في المركبات الأخرى ومسؤولاً عن المشاة في الطريق هو مسؤول عن كل شيء لذلك عليه ان يتقي الله في هذه المسؤولية. ولا ريب أن الذي يسرع سرعة جنونية يعد ناحرًا منتحرًا يعد ناحرًا لغيره ومنتحرًا بنفسه بل يعد متعمدًا لذلك عندما يباشر هذه الأسباب التي تؤدي إلى الهلكة. فعلى كل من يقود سيارة أن يكون مراعيا هذه المسؤولية ومراقبا لله سبحانه وتعالى في قيادته ومحافظا على سلامة نفسه وعلى سلامة الركاب معه وعلى سلامة من في المركبات الأخرى وعلى سلامة المشاة وغيرهم كل ذلك هو مسؤول عنه وعلى كل واحد أن يتقي الله تعالى في هذه المسؤولية.

 

التكاتف لنشر ثقافة السلامة المرورية وتعميقها -

د. يوسف بن إبراهيم السرحني -

«وعلينا جميعًا تقع مسؤوليات مباشرة شرعية، وأخلاقية، وقانونية، وأسرية، واجتماعية، ووطنية، وإنسانية، للحد من حوادث المرور، علينا جميعًا أن نتكاتف على نشر ثقافة السلامة المرورية وتعميقها، وأن نتعاون على بث الوعي المروري وغرسه، وعلى الجهات الحكومية والأهلية الاستمرار بهذه التوعية»

إنَّ الله تعالى رحمن رحيم لطيف رؤوف بنا؛ يأمرنا بالخير، ويحثنا على البر، وينهانا عن الشر والمكروه، ويحذرنا من الخطر والضرر، يأمرنا بكل ما فيه خير ونفع وفائدة، وينهانا عن كل ما فيه شر وضرر ومفسدة، والإسلام دين الرحمة والنظام والحب والوئام، والأمن والأمان؛ دين يحافظ على النفس، والعقل، والمال، والنسل، والدين، فمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء إنما جاءت للمحافظة على هذه الكليات الخمس الكبرى، وهذه المقاصد الخمس العليا؛ لذا فإن الإسلام يحرم كل ما يضر ويؤذي النفس البشرية؛ جسمًا، وروحًا، وعقلًا، وفكرًا، وإحساسًا، وشعورًا، فالإنسان مخلوق كريم شريف، رفيع القدر، عالي الشأن؛ دمه محفوظ مصون، ودينه محفوظ مصون، وعقله محفوظ مصون، وعرضه محفوظ مصون، وماله محفوظ مصون، يقول الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا) سورة الإسراء الآية 70، ويقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا) سورة النساء الآية 29، ويقول تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) سورة الإسراء الآية 33 ويقول تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) سورة البقرة الآية 195، ويقول تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) سورة البقرة الآية 190..

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ويقول صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» وفي رواية «لئن تنقض الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دم مسلم» وقد روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من روع مسلمًا روعه الله يوم القيامة، ومن أفشى سر أخيه أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق» ويقول صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

إن نعم الله تعالى علينا عظيمة، وآلاءه جليلة، ومن هذه النعم نعمة السيارة أو المركبة، التي هدى الله تعالى الإنسان إلى اختراعها، وابتكارها، وتصنيعها؛ لتكون وسيلة سريعة ومريحة من وسائل النقل الحديثة، يستخدمها الإنسان في قطع المسافات، والتنقل بين الأمكنة من مكان إلى آخر؛ لقضاء الحوائج والمآرب، وتحقيق الأهداف والأغراض؛ من حج، وعمرة، وعلم، وعمل، وسياحة، وتأمل، وعلاج، واستجمام، وزيارة قريب أو عزيز أو صديق، أو عيادة مريض، أو زيارة الأماكن المقدسة، ولكن كم من نعمة تتحول بتصرفات الإنسان السيئة المعوجة، وسلوكياته الطائشة إلى نقمة وشر وضرر عليه!!! فالإنسان إذا استعمل السيارة في الخير، وأحسن استخدامها، كانت له نعمة وخيرًا وسعادة، أما إن استعملها في الشر، وأساء استخدامها، كانت عليه نقمة، وشرًا وضررًا، والإنسان يجزى على تصرفاته، وسلوكياته، وأقواله، وأفعاله، يقول تعالى: «من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد» سورة فصلت الآية 46.

لقد شقت الطرق ومهدت، وعبدت الشوارع ورصفت، ووضعت على جانبيها اللوائح والإرشادات المرورية اللازمة، وحددت السرعة، كل ذلك لأجل سلامتنا ومصلحتنا، فما علينا إلا أن نلتزم ونتقيد بذلك، فالطريق من المرافق العامة، إذ استخدامها حق لكل إنسان شريطة أن يراعي آداب الطريق وحقوقه، ويتقيد بقوانين السير، ويلتزم بقواعد المرور.

ومما يؤسف عليه أن هناك كثيرًا من السائقين؛ خاصة فئة الشباب يسيئون استعمال السيارة، ولا يتقيدون بقوانين السير، ولا يلتزمون بقواعد المرور، ولا يراعون آداب الطريق وحقوقه، وهم بهذا التصرف الطائش الممقوت، يعتدون اعتداءً صارخًا على حقوق الآخرين، ويعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر والهلاك. فمنهم من يقود سيارته بسرعة جنونية طائشة، فإذا اقترب من جهاز ضبط السرعة هدأ وخفف من السرعة، فإذا جاوز الجهاز انطلق بسيارته يسابق الريح، وكأنه يطير طيرًا منخفضًا، ومن المعلوم أن كلما زادت السرعة خف وزن السيارة وربما يتلاشى؛ فإذا زادت السرعة اختل توازن المركبة، وفقد السائق السيطرة عليها، ومن هؤلاء السائقين من هو حديث عهد بالقيادة، ومنهم من يقود سيارته، وهو في حالة سكر، لعبت الخمر بعقله، وعبثت برأسه، وسمعه وبصره، يرى الأرض من حوله تدور، ويرى الأشياء مقلوبة معكوسة، فيرى الطريق المستقيم معوجًا، والطريق المعوج مستقيما، ويرى المكان المرتفع منخفضا، والمكان المنخفض مرتفعًا، ومنهم من يقود سيارته، وهو يداعبه النعاس، أو يغالبه النوم، أو أرهقه التعب، ومنهم من يقود سيارته، وهو مشغول بالحديث في الهاتف النقال، أو قراءة رسالة نصية، أو كتابة رسالة، ومنهم من يتجاوز في مكان لا يسمح بالتجاوز فيه، أو يرى أن سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس فيخاطر في التجاوز، فتقع الكارثة وجها لوجه، أو يتجاوز في الجزيرة.

ومنهم يخالف الإشارات الضوئية، فيتجاوز عند الإشارة الحمراء، ومنهم من لا يتفادى أخطاء الآخرين بدعوى أن غيره هو الذي أخطأ، ومنهم من لا يهتم بمدى صلاحية السيارة كتأكد من سلامة وصلاحية الإطارات أو الفرامل أو الكابح إلى غير ذلك، فهذه التصرفات الرعناء الطائشة، وهذه السلوكيات المعوجة الممقوتة، نتيجتها حوادث مرورية مروعة، مصائب وكوارث ومآسي وخسائر فادحة في الأنفس والأرواح والأموال والممتلكات؛ أطفال أيتام، وزوجات أرامل، وأمهات ثكلى، كم من بيوت أغلقت؟؟! وكم من أسرة تلاشت من الوجود؟! فهذه التصرفات والسلوكيات الغاشمة تحصد الأرواح حصدًا، إذ لا يكاد يوجد بيت إلا وقد دفع ضريبة هذا الطيش الجنوني، وهذه التصرفات المذمومة، فمن أراد أن يتعرف على مآسي حوادث السيارات، فما عليه إلا أن يزور المستشفيات ليجد ضحايا هذه الحوادث، وكيف حالهم، وهم في ريعان الشباب، وفي عمر الزهور، وفي مرحلة الإنتاج والعطاء. تعقد عليهم الآمال الكبار، وترجى منهم الإسهامات البناءة، فإذا بهذه الآمال، وهذه الإسهامات المنشودة المنتظرة، كلها تتبدد في لحظة، وتتلاشى في مهب الرياح؛ بسبب رعونة حمقى طائشة، أو نزوة جنونية طارئة.

فعلينا أن نشكر الله على هذه النعمة، وأن نتقيد بآداب الطريق، وقوانين السير، واللوائح والقواعد المرورية، فهذه اللوائح والإرشادات المرورية الموضوعة على جانبي الطريق لم توضع بطريقة عشوائية، ولم توضع عبثًا، وإنما وضعت من قبل جهات الاختصاص، بعد دراسة شاملة لأحوال الطريق، ومواصفاتها الفنية، وقد وضعت لسلامتنا ومصلحتنا الخاصة والعامة.

وعلينا جميعًا تقع مسؤوليات مباشرة شرعية، وأخلاقية، وقانونية، وأسرية، واجتماعية، ووطنية، وإنسانية، للحد من حوادث المرور، علينا جميعًا أن نتكاتف على نشر ثقافة السلامة المرورية وتعميقها، وأن نتعاون على بث الوعي المروري وغرسه، وعلى الجهات الحكومية والأهلية الاستمرار بهذه التوعية، يقول الله تبارك وتعالى: «وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» سورة الذاريات الآية 55، وتأتي في مقدمة هذه الجهات شرطة عمان السلطانية، ووسائل الإعلام المختلفة، والمؤسسات التربوية والتعليمية، وفي مقدمتها المدارس والجامعات والكليات، والمؤسسات الصحية، والمؤسسات الدينية، وفي مقدمتها الجوامع والمساجد، والمؤسسات الرياضية كالأندية والفرق، والجمعيات الأهلية، واللجان الاجتماعية، فهذا لا شك من التعاون على الخير والبر؛ حفاظًا على الأنفس، والأرواح، والأموال والممتلكات، يقول الله سبحانه وتعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب» سورة المائدة فبتضافر الجهود نسهم في الحد من حوادث المرور، وننعم بحياة كريمة أمنة هادئة مطمئنة، فما علينا إلا أن نستجيب لداعي الحق، وصوت العقل، ونداء الضمير، وأن نمتثل لما فيه صلاحنا وسعادتنا، وصلاح وسعادة غيرنا. فلنحرص كل الحرص على جعل أيامنا سعيدة وحياتنا هانئة، وأوقاتنا هنيئة، فالحذر الحذر من تنغيصها بمنغص، أو تكديرها بمكدر؛ فلا تهور في قيادة المركبات، ولا تصرفات طائشة، ولا سلوكيات غير مسؤولة؛ مخالفة لشرع الله تعالى، ومضرة بالمجتمع. نسأل الله تعالى أن يجعلنا عونًا لكل خير، وأن يقينا جميعًا شرور الطرق، ومآسي المركبات.

 

فلســـفـة الإســلام فــي التعامــل مع النفــــس -

فوزي بن يونس بن حديد -

«إذا اقتنعنا بالفكرة واستشعرنا عظمة المولى أنه يراقبنا، وسطّرنا القواعد الأساسية على جباهنا ووضعنا حدًّا لوساوس الشيطان الرجيم، وكبتنا النفس الأمّارة بالسوء فإننا سنتصرف وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى ووفق ما يريده القانون وحسب ما يراه الشرع الذي يحرص كل الحرص في المقام الأول على أن يكون الإنسان سالمًا من أي خطر محدق يتسبب هو في نشوئه».

كان الإنسان ولا يزال محور الاهتمام الديني، لأنه يمكن أن يكون معول بناء كما يمكن أن يكون معول هدم لما بني لسنوات، فالإسلام مثلاً اهتم بالإنسان من حيث هو كيان وجسد وروح، وأمره بأن يحافظ على هذا الكيان بجزئياته؛ لأن من صنعها خالق عظيم، والمصنوع حتى يستمتع بما هو مخلوق من عدمٍ لا بد من المحافظة عليه بشتى الوسائل والطرق، بل اعتبر ذلك واجبًا شرعيًا وخُلقيًا وعدّه من خمسة مقاصد هي من أولويات الحياة الإنسانية في كل عصر من العصور، فلا ينبغي أن يستهتر الإنسان بما يؤمر به أو يفرّط في الاهتمام به أو يظن أن هذا الجسد أو هذه النفس ملك له شخصيا وهو المتصرّف فيها الأول والأخير.

هذه الفلسفة التي غرسها الإسلام في النفوس جعل أتباعه يؤمنون أن النفس أمانة مودَعة، وعلى كل إنسان أن يسعى إلى تأمينها من الأخطار والآفات والعاهات، وأن يحفظها من كل مكروه إلا ما كتب الله لها، وهنا يتجلى مفهوم القدر بخيره وشرّه، حيث ترسّخ في الأذهان أن كل شيء كتبه الله ولا مفرّ من قضائه، ولكن لا بدّ من إيضاح القول في المسألة حتى لا يتبنّى الإنسان هذه المقولة عن جهل وغفلة، وهي أن هذا الإنسان قد يضرّ نفسه ببعض التصرفات التي تسهم في فنائه وتقضي على طموحاته، وهي تصرّفات باختيار الإنسان نفسه سبق في علم الله أنه سيفعلها بإرادة منه دون إكراه أو إجبار، كأن يتجاوز السرعة المسموح بها في الطريق، أو يتصرّف في الشارع بجنون وتهوّر غير مبال بالعواقب الوخيمة، أو يستخدم هاتفه النقال ويرسل الرسائل ويردّ على المكالمات ويمشي كالسلحفاة ظانّا أن الطريق ملكه وأن من ينبّهه أن ما يفعله خطأ ينهال عليه بالسباب والشتائم واللعنات، وقد يتحوّل هذا الطيش إلى مأساة، يذهب ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بما يفعله، وقد ينجو هو لكنّه يبقى على كرسي متحرك شاهدًا على طيشه ونزوته التي أبقته فوق السيطرة.

غير أن هذه المعادلة تختلف كليًا فيما لو كان هذا الإنسان مؤمنًا بالله العظيم الذي خلقه فسواه، وفي أحسن صورة ركّبه، تختلف في أن المسلم مطالب بالحفاظ على النفس وسلامتها من كل الأخطار؛ لأن الإسلام اعتبر حفظ النفس مقصدا من مقاصد الشريعة وجعل الحفاظ عليها فرضًا وواجبًا ومسؤولية يتحملها كل إنسان، بل هي أمانة ائتمننا الله عز وجل عليها ونحاسب على تضييعها لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فهي آية بليغة لها من المقاصد الكثيرة التي توحي للمؤمن خاصة والإنسان عامة أنه لا بدّ أن يعرف حجم الأخطار التي تعقب كل تصرّف غير مسؤول، وأن يستشعر الخطر قبل حدوثه وهو المفهوم الوقائي في الإسلام، فأن تحمي نفسك من الأخطار التي قد تحدث خيرٌ من أن تعالجها بعد أن يحدث لها مكروه وقد يكون لا علاج لها ويحدث ما لم يكن في الحسبان.

كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائم الصلة بالناس يدعوهم إلى تفادي مثل هذه الأمور، فقد روي عن عمرو بن العاص فقال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا، قلت: فيه من الفقه أنه جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء وجعله بمنزلة من خاف العطش ومعه ماء فأبقاه لشفته وتيمم خوف التلف.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فشدد فيه عطاء بن أبي رباح وقال يغتسل وإن مات واحتج بقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا)، يتبين لنا من خلال هذه المحاورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرّ فعل عمرو بن العاص الذي خشي الهلاك من استعمال الماء البارد أيام الشتاء، فتيمم وصلى بالناس وهو على جنابة وهو فعل وقائي يثاب عليه المؤمن لأنه قد جنّب نفسه عناء الألم والبحث عن العلاج.

وكذا الأمر بالنسبة لنا اليوم حينما يقود المرء سيارته عليه أن يأخذ بالأسباب التي تجلب له الأمن في نفسه وماله، وألا يغتر بمركبته مهما كانت جديدة أو مؤثرة أو قوية فالطريق له مفاجآته وهو لا يعلم ما يأتيه إذا انشغل عن التركيز في المسار والدرب الذي يسير فيه، على أنه يمكن في ثواني معدودة أن يكون طريح الفراش أو ممددًا على خشبة الموت، ومادام الخطر محدقا فينبغي للمؤمن أن يتفاداه بشتى الطرق حفاظا على النفس والمال بل لكل المقاصد الأخرى التي قد تتضرر جراء ما يفعله هذا المتهور، فقد يفقد عقله وجسمه وماله ونسله وعرضه في حادث واحد سببه الطيش والتهور، فلم لا يقرأ المسلم عاقبة الأمور ولا يفكر في ثانية الاستمتاع التي تعقبها مرارة أبدية للآلام في الدنيا والآخرة. ولعل الشعار الذي تبناه أسبوع المرور الخليجي هذه السنة يتناسق مع الدعوة الربانية القائمة على الاستمتاع بهذه الحياة دون تهوّر أو اندفاع أو حماس أو طيش أو ارتياع، فحياتك أمانة في عنقك إلى يوم يبعثون، أنت محاسب على كل سلوك يخالف المنهج القويم والصراط المستقيم، وأنت مسؤول على روحك وأرواح الناس أجمعين، فلا ضرر ولا ضرار، ولا إفراط ولا تفريط.

ومن غير المقبول أن يطيش المرء ويتهوّر وبعد ذلك يتكئ على قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) لأنك بتهورك واندفاعك وعدم تقيدك بقواعد المرور والإرشادات والتعليمات تهلك نفسك وتوقعها في المصاب، فلا تنطبق بالتالي هذه الآية عليك بل إنك تقع في الإثم العظيم الذي لا يخرجك من دائرة الجحيم، خاصة إذا أُصبتَ بعاهة مستديمة فإنك تدرك لا محالة مدى السلامة الحقيقية، وتعلم أن النفس ينبغي أن نحافظ على سلامتها من أي أخطار ومن أي حوادث تقع هنا وهناك.

أما إذا التزمنا بقوانين المرور وبالتعليمات والإرشادات وأدركنا بعقولنا وتصرّفاتنا أن ما نفعله مخالف للشرع الذي يدعونا جميعا إلى اتباع الأمن والأمان في النفس والإنسان وأخذنا جميع الاحتياطات اللازمة لسلامتنا في كل المواقع وفي كل الأوقات، وحدث ما لم يكن في الحسبان حينئذ نستطيع أن نقول هذا الكلام، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فالقضية ليست في التصرف الأهوج بل في الوعي بمدى خطورة ما نفعل على كل المستويات وفي كل الظروف.

وإذا اقتنعنا بالفكرة واستشعرنا عظمة المولى أنه يراقبنا، وسطّرنا القواعد الأساسية على جباهنا ووضعنا حدًّا لوساوس الشيطان الرجيم، وكبتنا النفس الأمّارة بالسوء فإننا سنتصرف وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى ووفق ما يريده القانون وحسب ما يراه الشرع الذي يحرص كل الحرص في المقام الأول على أن يكون الإنسان سالما من أي خطر محدق يتسبب هو في نشوئه.

ولو تمعنا النظر وتأمّلنا في أحوالنا نحن المسلمين اليوم، نرى العجب العجاب، قليل منا من يلتزم بهذا ظنا منه أنه قادر على ضبط نفسه والسيطرة على مجريات الأمور رغم أنه يعلم حجم الخسارة المادية والبشرية التي تعانيها الدول جراء الحوادث المرورية وكان ينبغي علينا أن نعمل وفق المنهج الرباني والمحمّدي، فلو سار كل السائقين على درب الالتزام الصارم والحازم بقوانين المرور والإرشادات والتعليمات ما احتجنا إلى آلات تصوير تراقب حركاتنا، ولا إلى رادارات تراقب سرعتنا، ولا إلى مطبّات تقلل من التهور الذي عليه شبابنا، كل ذلك يدخل في باب السلامة ولا شيء غير السلامة، فالإنسان روح وجسد، وعليه أن يوفر كل طاقته وجهده في الحفاظ عليهما حتى لا يكون عالة على المجتمع، يتحمل تبعات ما قرّره فجأة، أو ما تصرّف فيه لنزوة.