إشراقات

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يحذر من ردة الفعل المتطرفة ضد الإسلام

16 مارس 2017
16 مارس 2017

نتيجة ما يعرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا» -

بروكسل، (إينا): حذر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى من ردة الفعل المتطرفة ضد الإسلام نتيجة ما يعرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا». مبينًا أنها ستولد المزيد من المعاناة ومن أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.

جاء ذلك في كلمة له ألقاها خلال مؤتمر استضافه البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، بحضور كبار المسؤولين من البرلمانيين والسياسيين الأوروبيين، وعدد من أتباع الديانات والثقافات الأوروبية، وقادة ونشطاء الجاليات المسلمة في أوروبا.

وقال: إن ديننا الإسلامي قرر قاعدة منطقية تشير إلى أن القناعات الداخلية لا تفرض، بمعنى أننا لا ندعو إلى حتمية القناعة برأي واحد في السجال الديني والثقافي والفكري، كما قرر الإسلام أنه لا يمكن أن يكون الناس كلهم على منهج واحد، ولكننا ندعو إلى التفاهم والتعايش، وأن نجعل من المشتركات أدوات التقاء وتعاون، وألا تكون مناطق الاختلاف الديني والسياسي والثقافي والفكري، ولا أخطاء التشخيص، سببا للأحقاد والكراهية، التي تعتبر المغذي الرئيسي للتطرف والإرهاب.

وأشار إلى أن التطرف عملة واحدة لها وجهان: الأول منشأ التطرف، والثاني ردة الفعل المتطرفة تجاهه، وكلاهما يحمل الكراهية والمواجهة. مبينا أنه عند الحديث عن ما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا» نجد أمامنا نموذجا قاسيا للتطرف العنيف، حيث يعطي الأبرياء الذين يحملون الاسم الذي سمى به المجرم نفسه وخدع به الناس نفس الحكم الصادر على المجرم، يأتي هذا في مقابل وجود الدليل التاريخي على أن الإسلام دين سلام، كما هي دلالة اسمه في لغة القرآن، ودين تسامح وبر وعدل مع الجميع حتى شملت رحمته ورفقه الحيوان وليس فقط الإنسان. وحاول التطرف بفشله ومكابرته أن يحرفها ويروج لنظرياته الإجرامية فلم يكسب من الاتباع إلا عصابة مختلة في وعيها وفهمها من المتطرفين المحسوبين اسما على الإسلام، وفئة أخرى قابلتها بالتطرف المضاد.

وتابع: نعم؛ لقد كسب التطرف الإجرامي تلك الفئة الأخرى «الإسلاموفوبيا» فهو أكثر الناس ترحيبا بها، لأنها تؤكد نظرياته الخاطئة التي يراهن بها على العاطفة الدينية المجردة التي استفزتها الكراهية المتمثلة في نتائج الإسلاموفوبيا، وقد قدمت هذه الكراهية الاستفزازية للتطرف الإرهابي من الخدمات أكثر مما قدمته حساباته الأخرى.

وأوضح أنه إذا كانت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في سنين ماضية، قد ظلت مجرد نظرية فكرية، وتحفظًا عامًا، ربما كانت وقتها مأمونة العواقب الوخيمة إلى حد كبير، فإن توقعات نتائجها اليوم تختلف اختلافا جذريا، وهي أقوى رسائل التطرف التي يلوح بها لتعبئة الشعور الإسلامي ضد الآخر.

وأضاف في ذلك السياق إنه عندما نكون أمام حالة غياب منطق الوعي، وعندما لا نصبح أمام حياد العدالة، وعندما نكون أمام توظيف سياسي ربما تنازل عن مبادئ وقيم النخبة المثقفة لينساق مع المفاهيم الخاطئة التي تولدت عن ضعف الاستطلاع وقلة الوعي، وعن التضليل الإعلامي بهدف الإثارة والشهرة والتسويق، عندئذ سنكون أمام صدام مؤلم في الظرف الصعب.

وأكد أن ردة الفعل المتطرفة المتمثلة في ظاهرة «الإسلاموفوبيا» ستولد المزيد من المعاناة كما ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.

كما أكد أن أول كاسب لظاهرة الإسلاموفوبيا هي العناصر الإرهابية التي تسعى لمضاعفة أعدادها من خلال إثارة وتعبئة المشاعر الدينية المتسرعة لدى الشباب المسلم وخاصة في البلدان غير الإسلامية، والخطورة تكمن في أن الإرهاب لا يحكمه نطاق جغرافي يحيط به ينتهي باكتساح دائرة دولته الإجرامية، لكنه محكوم بعالم افتراضي لا حدود له. مبينًا أن المشكلة تكمن أيضا في كون الكيان الإرهابي يتمدد ليس عن قوة عسكرية يمتلكها يتفوق بها على غيره، ولكن من خلال أفكار يخترق بها مستهدفيه عبر وسائل التواصل الحديثة، فهناك أتباع له لا يعلمهم هو إلا من خلال تسجيل رسائلهم الانتحارية وإعلانهم تبعيته.

وشدد على أن التطرف الإرهابي المعاصر المحسوب على الإسلام، ليس له مدرسة دينية معينة؛ لأنه عبارة عن خليط من عدة دول بلغ في آخر إحصائية له أكثر من مائة دولة، جند منها أكثر من خمسة وأربعين ألف مقاتل، ينحدرون من اتجاهات فكرية متعددة لهدف واحد، ومع حرص الإرهاب الشديد، على أن يستقطب المزيد من عناصره من السعودية؛ نظرا لما تمثله من ثقل ووزن إسلامي وسياسي كبير.

وأشار إلى أن التطرف الإرهابي يزايد على أن بعض أتباعه هم من أرض الحرمين الشريفين إلا أنه خسر في هذا الجانب بشكل كبير، حيث لم يلتحق به من أرض الحرمين الشريفين وبحسب الإحصاءات المؤكدة إلا أعداد أقل من غيرها بكثير، بل التحقت به أعداد غفيرة كانت قبل انضمامها له ضد المفاهيم الإسلامية للسعودية، ولا تزال تحارب الفكر الإسلامي المعتدل للسعودية، تحكي ذلك وثائق التطرف المسجلة على خليطه المتعدد على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولفت الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي النظر إلى أن التطرف الإرهابي لم يوجه حملاته الإجرامية اليائسة ورسائله الفكرية المعادية والمكفرة لأي جهة مثلما وجهها للسعودية، ولم يتلق التطرف الإرهابي ملاحقات أمنية ناجحة، ومواجهات فكرية دخلت في تفاصيل أيديولوجية التطرف، كما لم يتلق حشدا للجهود والتحالفات ضده، مثلما تلقاها من السعودية التي أقامت في العام الفائت التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، حشدت له الجهود الإسلامية وانضمت له بالدعم والتأييد دول غير إسلامية، عكست بتفاعلها مستوى الترحيب والتقدير العالمي لهذه الخطوة والعزيمة الإسلامية التاريخية لمواجهة الإرهاب.

وبين أن الرهان الحقيقي والمؤثر بفاعلية، إنما هو على اقتلاع الإرهاب من جذوره، لأن الإرهاب لم يقم على تجمع سياسي مجرد، أو قوة عسكرية مسيطرة، بل على أيدولوجية متطرفة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بهزيمتها من خلال تفكيك موادها التي بلغت في آخر الإحصاءات أكثر من 800 مادة أيدولوجية متنوعة المحتوى والخطاب بحسب المستهدفين، أطلقتها العناصر الإرهابية عبر مئات الآلاف من الرسائل في مختلف المواقع الإلكترونية.

وحذر من وصف الإرهاب المحسوب على الإسلام بـ«الإرهاب الإسلامي»، وقال: هذا خطأ في الحكم، إلا أنه يحمل في مضامينه إثارة مشاعر المسلمين، فالتطرف الديني الذي لا يمثل أكثر من شخص واحد فقط من مائتي ألف نسمة، لا يحسب عن طريق الوصف على الإسلام ولا المسلمين، وإلا جاز لنا أن نقول ذلك على الأديان الأخرى بسبب أفعال متطرفة صادرة عن فئات تنتسب إليها في زمن معين.

وأهاب بأبناء الجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية إذا كانت لديهم مطالبات أن تكون في إطار النظام العام للدولة، وأدوات الحسم الدستورية والقانونية وليس غيرها، وأن أي تجاوز لذلك يعتبر إساءة للإسلام قبل غيره.

وخلص الدكتور العيسى: إن القرآن الكريم أرشد إلى أن يكون المسلمون في غاية الإحسان وكمال العدل في التعامل مع غيرهم، وأن الإسلام وجه توجيهًا مباشرًا وقويًا بأنه لا إكراه في اعتناق الدين، ولذا فالقول بأن الإسلام حارب من أجل ذلك يعد من جملة الأخطاء الفادحة على الإسلام، ولم يحارب الإسلام إلا دافعا عن نفسه من معتد، ولم يحارب إلا الظلم والاضطهاد والفوضى، وقد أصبحت مهمة إرساء السلام العالمي، ومحاربة الظلم والاضطهاد والفوضى للمنظومة الدولية في عصرنا الحديث.