شرفات

إدارة الثقافة وأنماط التفكير.. في كتاب الدكتور عبدالكريم بكار

13 مارس 2017
13 مارس 2017

القاهرة- «العمانية»: يحاول د.عبد الكريم بكار في كتابه «إدارة الثقافة وقضايا معاصرة»، استكشاف سبل الإدارة الصحيحة للثقافة من أجل بناء معرفي متكامل، يضع المجتمع على جادة الصواب، ويجنبه الزيغ الفكري والانحراف الأيديولوجي.

ويقول ناشر الكتاب «دار السلام بالقاهرة» إن الوقوف على حقيقة الواقع الفكري لدى الإنسـان، هو السبيـل الوحيد لإدراك الحقـائق ومعـرفة تماسك البنـاء الفكـري لإدارة الخريطة الفكرية داخل المنظومة والإطار الجماعي، وهذا يتوقف على مدى الاتزان في التفكير، وعلى عدم التنميط والقولبة.

ويضيف بأن التفكير سلاح ذو حدين؛ فحين يبدع يصنع المعجزة ويحقق الثروة والقوة، وحين يتحجّر يولِد العجز والخواء والجهل والعماء؛ لذا «يجب التعامـل مع المستجـدات في إطـار من المعاصـرة باعتـدال؛ حتى لا نضيـع في غياهـب التضليـل والتبسيط والتهوين والتلفيق والتزييف».من جهته، يشير المؤلف إلى أن التفكير في خريطتنا الجغرافية الفكرية ودوائر التأثير الحقيقية، والقراءة في منظوماتنا البنائية الفكرية هو الخطوة الأولى للخروج من الهوان المبصر..

فجذر المشكلة بحسبه يكمن في مرجعيات المعنى وأنماط الرؤية أو في شبكات الفهم وسلّم القيم؛ أي في عالم الفكر بنظامه ومسبقاته أو بقوالبه أو أحكامه أو بإداراته أو سياسته.

ويرى أن الثروة والقوة تكونان بقدر ما نمارس علاقتنا بوجودنا بصورة بناءة وفعالة، ولكن التفكير قد يولد العجز والخواء أو الجهل والعماء أو التسلط والاستبداد وذلك بقدر ما نتعامل مع أفكارنا بصورة متحجرة ومغلقة أو أحادية وحتمية أو طوباوية وفردوسية وبقدر ما نتعامل مع الأحداث والحقائق على سبيل التبسيط والتهوين والتهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف أو التهويم والتشبيح.

وفي فصل يحمل عنوان «المرأة كنقطة مفصلية» يشير بكار إلى أن تناول مسائل إصلاح المرأة، يتسم بحساسية خاصة لدى الجميع، ولا يكاد يُطرح حتى يثير العواصف والزوابع الإعلامية في كل اتجاه وعلى كل مستوى، ولهذا فإن التناول له يتسم دائما بالحيطة والحذر، ويحتاج إلى الكثير من الاحترازات.

ويلفت النظر إلى أن أمة الإسلام وهي تحاول النهوض بأوضاع المرأة لديها، لا تنطلق من فراغ تشريعي أو معرفي، كما أنها ليست الأمة الطارئة على التاريخ، ولا الأمة التي تشكو العوز على مستوى الأعراف والتقاليد والدلالات الرمزية.

فنحن نملك على مستوى الفلسفة وعلى مستوى التشريع منظومة من القيم والمفاهيم والأحكام التي توجه كل حركات النهوض والتقدم على الصعد كافة بما فيها صعيد المرأة، وبالتالي فإن الإصلاح الذي يرمي إلى نزع قضية المرأة من تلك المنظومة ليس بإصلاح، وإنما هو تخريب بحسب ما يرى المؤلف.

ويؤكد بكار أن كثيرا من الذين يطالبون بإصلاح شؤون المرأة وفق ما هو سائد لدى العالم الصناعي لا يعيرون انتباها إلى أن التقدم يظل مرتهنا للانسجام بين معتقدات المرء وسلوكاته وأوضاعه العامة.

مبينا أن التوجيهات والتشريعات الإسلامية تعمل مجتمعة في إطار منظومة واحدة، وإدخال أي تعديلات جوهرية على أيّ جزء من أجزاء المنظومة يعوق أداءها الكلي.

ويفرد الباحث فصلا عن نوعية الحياة التي يحياها المسلمون، مشيرا إلى أن في بنائنا المعرفي ثغرات واضحة، منها إهمال تاريخ العلوم، وإهمال اكتشاف مقاصد التشريع بالإضافة إلى التقصير الظاهر في التعرف على سنن الله تعالى في الخلق، والتقصير في معرفة طبائع الأشياء ولا سيما الطبيعة البشرية.

ويرى أن العلوم الإنسانية والعلوم البحتة تُقدّم للناشئة مبتورة من بعدها التاريخي، فتبدو وكأنها تكونت منذ البداية على الصورة التي عليها الآن حيث لا يعرف الدارسون تاريخ نشوءها ولا الأطوار التي مرت بها، كما لا يعرفون شيئا ذا قيمة عن العلماء الكبار الذين تركوا بصماتهم عليها، ولهذا فإن الكثيرين لا يشعرون أن ما يُقدَّم في المدارس والجامعات يبني عقولا منهجية، أو يبني شخصيات تتمتع بالاستقلال الفكري والمعرفي، وما ذلك إلا بسبب شعورهم بضآلة ما يتلقونه وغموضه.

ويقول إن فهم أيّ علم على نحوٍ عميق غير ممكن إلا إذا فهمنا تاريخه وخريطة تكوينه وتحوّلاته، مضيفا أنّ مما يؤسَف له أننا لا نبذل جهدا يُذكر في شرح كيفية تحدّر الجديد من القديم، وليس لدينا في الوطن العربي جامعة أو كلية تقدم شيئا متميزاً في تاريخ أيّ علم من العلوم!

ويرى بكار أن التجديد المعرفي والاجتماعي صعبٌ من غير الاطلاع على الأطوار السابقة لعلومنا وأوضاعنا، فنحن من خلال قراءة تاريخ العلوم نتعرف على بواعث الاجتهاد وبيئاته والعقبات التي تواجهه، كما ننمّي حاسة المقارنة لدينا، ونكتسب المزيد من المرونة الذهنية والقدرة على رؤية الأشياء من زوايا مختلفة.

ويستشهد بالمقولة الشائعة: «إذا أردت أن تعرف المستقبل فانظر إلى الماضي»؛ إذ تمكّننا معرفة الماضي من اكتشاف السنن التي تجسد العلاقة بين ما فات وبين ما هو آت، ومن خلال هذا وذاك نكتشف آفاقاً جديدة للتطوير، ونفتح حقولاً جديدة للممارسة.

يذكر أن د.عبد الكريم بكار أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، وهو يسعى إلى تقديم طرح مؤصل ومتجدد للقضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي.