أفكار وآراء

هل أصبح «حل الدولتين» مجرد وهم؟

10 مارس 2017
10 مارس 2017

سمير عواد -

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفه حيال نزاع الشرق الأوسط بوضوح خلال الحملة الانتخابية وكان منحازا لإسرائيل.   

ورغم أن موقف منافسته هيلاري كلينتون لم يختلف كثيرا، إلا أن بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المتعنت، كان يفضل فوز ترامب لأنه كان يخشى أن تواصل كلينتون العمل بنهج الرئيس السابق باراك أوباما، الذي تبنى مع وزير خارجيته جون كيري، موقفا ناقدا لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، وتجرأ على عدم عرقلة قرار أممي في مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي.

ووعد ترامب في نوفمبر الماضي، بأنه سوف يفعل ما لم ينجح به الذين سبقوه في منصبه، وأن يجد حلا نهائيا للنزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي، وسيكلف زوج ابنته «جاريد كوشنر» وهو يهودي متشدد، حيث كان يجمع التبرعات منذ سنوات للمستوطنين اليهود. لكن أول قرار اتخذه ترامب بهذا الصدد، أثار التساؤل حول طبيعة النهج الذي سيتبعه حيال هذا النزاع، وذلك عندما عين ديفيد فريدمان سفيرا لواشنطن لدى إسرائيل، وديفيد فريدمان معروف بتأييده الشديد للمستوطنين اليهود، ثم التزامه الصمت حيال مصادقة إسرائيل على قانون يؤيد الاستيطان في أراضي الفلسطينيين، وأخيرا إعلانه أن واشنطن لم تعد مُلزمة بحل الدولتين، وبذلك أعطى الضوء الأخضر لنتانياهو والمتشددين الإسرائيليين، كي يواصلوا اغتصاب أراضي الفلسطينيين وعمل كل ما يمكن عمله من أجل تدمير حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، حسب اتفاقية «أوسلو» والتأييد الذي حصل عليه «حل الدولتين» من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والقمم العربية والإسلامية وقمم مجموعتي دول السبعة ودول العشرين وغيرها. وقد ساهم عاملان أساسيان في الفترة الأخيرة في عرقلة هذا الحل، أولاً: بناء سور يفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية. ثانياً: تقوية الأحزاب اليهودية المتطرفة التي تشارك في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وتبتز نتانياهو، لكي يوافق على تحقيق رؤاها تجاه النزاع بالسيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين الذين هم أصحاب الأرض الشرعيين.

وبرأي كريستوف زيدوف، المحرر المختص بقضايا الشرق الأوسط في مجلة «دير شبيجل» الألمانية، فان رفض ترامب التزام بلاده بحل الدولتين، يؤكد نهاية موقف التزم به رؤساء أمريكا السابقون ، منذ أن ظهرت صيغة حل الدولتين الذي يعتبره غالبية السياسيين الحل الأفضل لطرفي النزاع. ويتساءل زيدوف والكثيرون عن البديل لحل الدولتين.

لقد أصبح «حل الدولتين» بعد تعزيز نفوذ الأحزاب المتطرفة في إسرائيل وانتخاب ترامب، والارتفاع الكبير في عدد الوحدات السكنية والمستوطنات التي يتم إنشاؤها في أراضي الفلسطينيين، عبارة عن وهم أكثر مما هو حقيقة. فإسرائيل ترفض الواقع، ولا تريد قيام دولة للفلسطينيين والعيش معهم في سلام. والمتطرفون في الحكومة الإسرائيلية، يريدون تعجيل ضم الضفة الغربية، وإعلان القدس عاصمة لدولة يهودية، وهو ما لم يعد مستبعدا، بعد مجيء ترامب وتعيين السفير فريدمان. وإذا تم ذلك، يرى «زيدوف» أن إسرائيل ستتحول إلى دولة عنصرية كما كانت جمهورية جنوب إفريقيا في الماضي، عندما كان الأقلية البيض يستعبدون الغالبية السود. فإسرائيل التي تزعم دون حق أنها دولة يهودية وديمقراطية، يعيش فيها حاليا أكثر من ستة ملايين يهودي، أتى الغالبية العظمى منهم من الخارج، وفي المقابل يعيش فيها أكثر من مليون من الفلسطينيين. وقال زيدوف: إذا أعطت إسرائيل الفلسطينيين حقوقهم، ولاسيما حق الانتخاب، فسوف يشكلون الأغلبية على المدى الطويل، وتصبح إسرائيل دولة فلسطينية على أرض الواقع. أما إذا استمرت برفض منح الفلسطينيين حقوقهم، فمن الصعب وصفها بأنها دولة ديمقراطية كما يقول أصدقاؤها في الغرب.

ويعتقد زيدوف أن الإسرائيليين بحثوا مؤخرا فكرة الانسحاب من جزء كبير من الضفة الغربية، بحيث تواصل سيطرتها العسكرية على المستوطنات لحمايتها وعلى القدس الشرقية منعا لأن تصبح عاصمة لدولة فلسطينية، وتسليم باقي المناطق للسلطة الفلسطينية، دون إبرام اتفاقية معها بالخصوص، وهو الحل الإسرائيلي الذي تعتقد إسرائيل أنها تستطيع العيش معه زمنا طويلا دون حاجة للحديث عن حل الدولتين. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قامت بهذه الخطوة في قطاع غزة في عام 2005 وشنت بعدها حربين على القطاع ويعتقد زيدوف أن إسرائيل قد تشن حملات عسكرية مماثلة على الضفة الغربية لأن المناطق الفلسطينية قريبة جدا من المستوطنات التي يعيش فيها 350 ألف مستوطن بالإضافة إلى 250 ألف مستوطن يعيشون في القدس الشرقية، مما يؤدي إلى وقوع صدامات مع المستوطنين والجيش الإسرائيلي الذي يحميهم ويسلحهم ويغض الطرف عن جرائمهم ضد الفلسطينيين العزل.

إن الموقف الذي يتخذه ترامب يفرض في الواقع على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية مواصلة العيش في ظل هذا الاحتلال، الذي لن يعد يخشى محاسبة من أحد، وأن يستمر أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة يعيشون في أكبر سجن مفتوح في العالم. وذلك بعد خمسين عاما من الاحتلال الإسرائيلي المتواصل . ويخطئ ترامب حينما يزعم أنه أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين أن يسووا نزاعهم بأنفسهم، نظرا للفارق الكبير بينهما الذي يمنع قيام مفاوضات بين شريكين متكافئين، لأن إسرائيل دولة احتلال، والشعب الفلسطيني يعيش ويعاني الأمرين منذ عقود طويلة تحت وطأة هذا الاحتلال.