950174
950174
تقارير

الصم والبكم يتعلمون لغة الحرب في سوريا

10 مارس 2017
10 مارس 2017

دمشق - (أ ف ب): داخل إحدى قاعات مركز متخصص في دمشق، يبتكر رياض حمص وشقيقته بشر وهما من الصم والبكم، إشارات جديدة للتخاطب والتحدث عن الحرب التي تعصف ببلدهم سوريا منذ ست سنوات.

ومنذ اندلاع النزاع الذي يدخل عامه السابع الأسبوع المقبل، بات ذوو الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم في سوريا بحاجة إلى استخدام إشارات جديدة للحديث عن الوضع الميداني أو للتعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم التي أصبحت مضاعفة.

ومن التعابير الجديدة التي يستخدمها رياض وبشر داخل مركز إيماء لخدمة الصم والبكم في حي الميدان كلمة تنظيم «داعش» على سبيل المثال.

وللتعبير عن ذلك، ترفع نائب رئيس المركز وصال الأحدب (26 عامًا) البنصر (ما يعنى حرف الياء بالانجليزية) وتضم الإبهام إلى السبابة والوسطى (حرف السين بالانجليزي) مرتين، ما يعني بالانجليزية «ايزيس» أي تنظيم «داعش» بالعربية.

ويعني وضع الأصبعين على راحة اليد كلمة الحكومة، نسبة إلى النجمتين الموجودتين على العلم السوري، أما وضع ثلاث أصابع على راحة اليد فهذا يشير إلى المعارضة نسبة إلى النجوم الثلاث الموجودة على علمها. أما وضع اليدين على العينين فيعني الخطف.

وتقول الأحدب الحائزة على إجازة في هندسة الطب الحيوي، «كان علينا ابتكار (إشارات) كلمات لم تكن موجودة في لغة الصم والبكم في سوريا ليتمكنوا من التواصل وتبادل المعلومات أو المشاعر حول سريان العنف». وبعد ابتكار هذه الإشارات، يتم تصويرها وعرضها على صفحة خاصة على موقع فيس بوك، حيث يتداولها ويناقشها الصم والبكم.

ويوضح رئيس مركز إيماء علي أكريم انه رغم أن الحرب تركت تداعياتها على السوريين كافة، إلا أن هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة تأثرت بالأحداث مضاعفة؛ لأنها تعاني منها من دون أن تتمكن من إدراك ما يدور حولها.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، يبلغ تعداد الصم والبكم في سوريا نحو عشرين ألفًا، لكن أكريم يشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون خمسة أضعاف ذلك.

الموت بصمت

يروي رياض (21 عامًا) الذي يشارك في ابتكار المفردات الجديدة، تجربة مأساوية عاشها جراء الحرب، حين قتلت والدته وشقيقه وشقيقته بالإضافة إلى خالته وعمه وثلاثة من أبناء عمه برصاص قناصة على مرأى من عينيه من دون أن يدرك ماذا يحصل، لدى محاولتهم الهرب من الحي حيث كانوا يقيمون على متن شاحنة.

ويقول هذا الشاب الذي تعلو وجهه ابتسامة خجولة وهو موظف في أحد معامل الكابلات «بما أنني لا اسمع لم أكن أدرك ما يحدث حولي، شاهدت أمي تهوي أمامي ثم تلاها أولاد عمي. لكن عندما شاهدت رأس شقيقتي ينفجر أمامي، أدركت حينها انهم يطلقون النار علينا». لم تتوقف معاناة رياض هنا، إذ قتل شقيقه الأخر إثر سقوط قذيفة أثناء لعبهما كرة القدم في الشارع.

ويحلم هذا الشاب الذي لا يفارق خياله هذا المسلسل الدموي، بالسفر إلى الخارج. ويقول: اعتقد أنني قد أحظى بفرص عمل أفضل». ويواجه الصم والبكم صعوبة أخرى، تكمن في حواجز التفتيش المتعددة في المدينة.

ويوضح أكريم «عليهم أن يعبروا عن أنفسهم عبر إشارات غير مفهومة، ويظن المشرفون على الحواجز في بادئ الأمر انهم يسخرون منهم». ويضيف: «سابقًا (قبل النزاع) كان معظم الصم والبكم يتجنبون إدراج إعاقتهم على هوياتهم الشخصية لكنهم الآن يسجلونها من أجل إبرازها للحواجز». وعانت أخته بشر (32 عامًا) من أوقات عصيبة بسبب سوء الفهم.

ففي عام 2011، وجدت نفسها، خلال عودتها إلى المنزل، وسط المتظاهرين المناهضين للنظام فيما كان رجال الأمن يقومون بتفريقهم.وتقول الشابة التي تضع وشاحاً ابيض على رأسها أنها حاولت الهرب دون جدوى في أحد أزقة حي الميدان.

وتضيف:لم يتمكن أحد من مساعدتي لأنني لم أقدر على التواصل وكان الوضع يزداد سوءا». وعند استجوابها تمكنت بأعجوبة من أفهامهم أنها صماء وبكماء.

لم يشرح لي أحد

بعد هذه الصدمة، لم تعد بشر تجرؤ على الخروج من منزلها، خوفًا من عدم قدرتها على العودة.ولكن في منزلها، اهتزت النوافذ وارتجت الأرض نتيجة القصف. وتروي «لم يشرح لي أحد ماذا كان يحدث الجميع كان في حالة عصبية وكانوا يمنعونني من الاقتراب من النوافذ». واستولى مقاتلو الفصائل المعارضة على حي الميدان في يوليو 2012 لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتمكن الجيش من استعادة السيطرة عليه بعد معارك عنيفة.

ونزحت العائلة حينها إلى لبنان لمدة عامين. وعندما عادت إلى دمشق وجدت أن كل شيء قد تغير، حتى النادي الذي هجره رواده من الصم والبكم.

وتقول بحزن: «لقد بعثرت الحرب كل شيء والناس الذين غادروا إلى الخارج ابتكروا مفردات جديدة» مضيفة: «لقد تغير أصدقائي، وأصبحوا عدائيين». وأضافت: «آمل أن نلتقي من جديد في يوم من الأيام وان يجد الصم والبكم لغة مشتركة».