أفكار وآراء

شرعنة الاستيطان وفرض الأمر الواقع

08 مارس 2017
08 مارس 2017

د.أحمد سيد أحمد -

يشكل قانون تبييض المستوطنات الذي أقره الكنيست الإسرائيلي والمعروف باسم قانون التسوية تحولاً خطيرًا في مسار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحمل تداعيات كارثية على مستقبل القضية الفلسطينية وفرص حلها في المستقبل  

القانون الذي تم إقراره بأغلبية 60 عضوًا ومعارضة 52 يقر بشرعية المستوطنات التي يقيمها المستوطنون اليهود على أراضٍ فلسطينية ذات ملكية خاصة لفلسطينيين دون ملاحقة قانونية، وتعويض أصحاب الأرض الفلسطينيين إما ماليا أو إعطائهم أراض بديلة، وعدم تجريم المستوطنين بالاستيلاء على أرض خاصة باعتبار أنهم قاموا بذلك عن نية حسنة، أي أنه يَمنع المحاكم الإسرائيلية من اتخاذ أي قرارات بتفكيك تلك المستوطنات، كما ينص القانون على أنه يحق لسلطات دولة الاحتلال مصادرة حق استخدام أرض فلسطينية خاصة من أصحابها وليس الملكية عليها، مما يعنى مصادرة أراض فلسطينية خاصة مملوكة لأشخاص لغرض الاستيطان. وبالتالي يضفى القانون الشرعية على 16 تجمعًا استيطانيًا و55 بؤرةً استيطانيةً في الضفة الغربية أقيمت على أراض بملكية فلسطينية خاصة، ومنح الشرعية بأثر رجعى لنحو أربعة آلاف وحدة استيطانية، وفق القانون الإسرائيلي. كما يكرس مصادرة نحو 800 هكتار من أراض فلسطينية خاصة.

تجسدت الدوافع الإسرائيلية من وراء إصدار هذا القانون في العديد من الأمور:

أولاً: شرعنة الاحتلال وفرض سياسة الأمر الواقع عبر نشر سرطان الاستيطان في كل الجسد الفلسطيني المحتل بحيث تكون الدولة الفلسطينية المحتملة عبارة عن كانتونات منعزلة عبر جدار الفصل العنصري الذي أقرت محكمة العدل الدولية بعد شرعيته، وحصار الفلسطينيين في أماكن مختلفة، بحيث لا يمكن تطبيق حل الدولتين في حالة التوصل إلى اتفاق تسوية سياسية سلمية، وأن يقبل الفلسطينيون في نهاية المطاف بهذا الوضع القائم. وبالتالي يعكس قرار التسوية للمستوطنات فلسفة اليمين الإسرائيلي الديني الحاكم حاليًا والتي ترتكز على إجهاض أية آمال بإمكانية حل الدولتين، الذي تدعو إليه الدول العربية والأوروبية، والقضاء عمليا على قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قرار مجلس الأمن الدولي 242، وفرض شرعية الأمر الواقع وتحدى المجتمع الدولي والشرعية الدولية وسرقة الأراضي الفلسطينية بدون أي عقاب أو حساب حتى من القضاء الإسرائيلي.

ثانيا: يستهدف القرار شرعنة كل أشكال الاستيطان الإسرائيلي فيما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي لا تتجاوز 22% من أرض فلسطين التاريخية في الضفة والقدس الشرقية، حيث يبيح للمستوطنين الإسرائيليين الاستيلاء على أراضٍ خاصة مملوكة للفلسطينيين وإقامة البؤر الاستيطانية غير الشرعية عليها بمباركة ورعاية الحكومة الإسرائيلية وتحت مظلة القانون الذي أصدره الكنيست، ومنع تدخل القضاء الإسرائيلي الممثل في المحكمة العليا لإصدار أية أحكام خاصة بتفكيك تلك المستوطنات، كما حدث مع مستوطنة (عمونة) التي أقرت المحكمة العليا بتفكيكها في عام 2014 وذلك قبل 25 ديسمبر 2016، وحماية المستوطنات الأخرى المخالفة للقانون الإسرائيلي ذاته بعدم الملاحقة بأثر رجعي، ولذلك فإن خطورة هذا القانون ليس فقط تقنين الاستيطان غير الشرعي الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية على أراض فلسطينية عامة تم انتزاعها بالقوة وترحيل سكانها، كما هو حال المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية حيث يعيش أكثر من 400 ألف مستوطن وسط 2.3 مليون فلسطيني، ومنها مستوطنة معاليم أدونيم التي تفصل الضفة إلى شطرين، وكذلك المستوطنات في القدس الشرقية، وإنما أيضًا تقنين المستوطنات التي يقوم المستوطنون الأفراد ببنائها وتعود ملكية أراضيها للفلسطينيين، وهو ما يعنى إطلاق يد هؤلاء في الاعتداء على الفلسطينيين وترحيلهم والاستيلاء على أرضيهم بالقوة من أجل بناء مستوطنات جديدة، وهذا بدوره يؤدي إلى مواجهات مسلحة بين هؤلاء المستوطنين والسكان الفلسطينيين وتغليب لغة القوة خاصة في ظل الخلل في موازين القوة لصالح هؤلاء المستوطنين.

ثالثًا: جاء القرار الإسرائيلي كرد فعل مباشر على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الصادر في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي بموافقة 14 عضو وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، ويقر بعدم شرعية أية مستوطنات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ورفض سياسة الأمر الواقع باعتبار أن تلك المستوطنات تقع على أراضٍ فلسطينية محتله، وبالتالي فإن هذه المستوطنات غير الشرعية تعد جريمة حرب ولذلك سارعت الحكومة الإسرائيلية اليمنية إلى إصدار هذا القرار لتعلن تحديها لقرار مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وتستبق أية مساعي فلسطينية للجوء إلى محكمة لاهاي في هولندا لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم، ومن ثم عمدت حكومة نتانياهو إلى توفير حماية قانونية للمستوطنات المخالفة للقانون الإسرائيلي ذاته ومنع سكانها الإسرائيليين من الملاحقة القانونية الدولية، إضافة إلى الحماية من الملاحقة الداخلية.

رابعًا: جاء قانون التسوية أو تبييض المستوطنات كنتاج لتوازنات السياسة الإسرائيلية ولعبة المصالح، والصراع الدائر بين أجنحة الائتلاف الحاكم، خاصة بين رئيس حزب البيت اليهودي ووزير التعليم نفتالي بينيت، وبين رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود نتانياهو، وتصاعد المزايدة بينهما لكسب ود سكان المستوطنات في الانتخابات المقبلة، من خلال محاولة كل طرف الظهور بأنه القادر على وأد حل الدولتين، كما صرح بينيت بعد صدور القانون. كما أن تشريع الكنيست جاء كمساومة بين حزب البيت اليهودي ونتانياهو الذي يواجه محاكمات بالفساد وسوء استخدام السلطة، فبعد أن تحفظ نتانياهو على القانون عندما طرحت مسودته الأولى في ديسمبر الماضي، بحجة انتظار تولى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مهام منصبه والتنسيق معه، قام بتغيير موقفه والضغط من أجل التسريع بإصداره حتى قبل لقائه مع ترامب في واشنطن، بعد أن قام بالتفاهمات اللازمة مع الإدارة الأمريكية التي رفضت التعقيب على هذا القانون.

خامسًا: يمثل القرار تطورًا سلبيًا خطيرًا في ظل السياسة الإسرائيلية الممنهجة سياسيًا وقانونيًا للقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية، وهو جزء من استراتيجية متكاملة من القرارات والقوانين التي تستهدف تهويد القدس والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ومحو الهوية العربية، فهناك الآن مشروع قانون معروض على الكنيست لمنع الأذان في القدس، وقبلها صدر قانون الملاك الغائبين للسيطرة على أراضى السكان الفلسطينيين من سكان الضفة والقدس الغائبين عن بيوتهم وأراضيهم لأكثر من عام لظروف خارجة عن إرادتهم فرضتها سياسة الحصار والترحيل الإسرائيلية، وبناء المستوطنات مكانها، وصدر مؤخرًا قانون مقاطعة من يقاطعون المستوطنات الإسرائيلية ومنتجاتها، خاصة الشركات الأوروبية التي تضع علامة مميزة على منتجات وسلع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس للفت نظر المشترين الأوروبيين، رغم أنه قرار اختياري وغير ملزم في العديد من الدول الأوروبية.

ورغم أن قانون تبييض المستوطنات يعد مخالفًا للقانون الدولي والشرعية الدولية ولاتفاقيات جنيف وملحقيها، ورغم أنه أيضًا مخالف للقانون الإسرائيلي ذاته، وهو ما يجعله معرضًا؛ لأن تلغيه المحكمة الإسرائيلية العليا بعد دعوات تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان والمعارضة الإسرائيلية والحركات المناصرة للسلام، إلا أن القانون يعد تحولاً نوعيًا في قضية الاستيطان، ويتطلب مواجهة فلسطينية وعربية حاسمة وكشف أبعاده وتداعياته الخطيرة في كافة المحافل الدولية والعمل على تفعيل قرار مجلس الأمن 2334.

كما أن غياب رد فعل عربي ودولي قوى ورادع على هذا القانون يعطى الضوء الأخضر للحكومة اليمنية الإسرائيلية بالتمادي في إصدار المزيد من القوانين الجائرة التي تشرعن الاحتلال والاستيطان، واستمرار تحدى المجتمع الدولي، وتوظيف حالة انشغال العالم العربي حاليًا بأزماته المستفحلة والصراعات في الكثير من دوله مثل: سوريا واليمن وليبيا، وانشغال العالم بخطر الإرهاب، لاستكمال مخططات التهويد والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لفرض التسوية على الطريق الإسرائيلية في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعبارة عن كانتونتات متفرقة ورفض حق العودة أو تفكيك وإزالة المستوطنات. وبالتالي القانون يمثل جرس إنذار خطير ويحمل تداعيات كارثية على القضية الفلسطينية، وعلى استمرار معاناة الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه السياسية وأراضيه التاريخية والقضاء على أية آمال مستقبلية في استعادة حقوقه المشروعة.