أفكار وآراء

لبنان .. هل بات على حـــافة الهاوية ؟

08 مارس 2017
08 مارس 2017

حنا صالح  - كاتب لبناني -

يقال إن لبنان هو بلد التسويات، وأن الأزمات المتناسلة التي تبدأ كبيرة يجد لها أهل «الحل والربط» الحلول المقبولة، لكن رغم الخروج الصعب من أزمة الشغور الرئاسي المديدة والمكلفة، لا يبدو أن الفاعلين في القرار اللبناني يقرؤون في كتاب واحد.

أحيانًا يوحي الخطاب السياسي بأن هناك جديةً بشأن إيجاد قانون انتخابي، يضمن عدالة التمثيل وإطلاق مرحلة من التجديد في الحياة السياسية اللبنانية، وينهي عملية الاستيلاء على حقوق المقترعين، ليتبين سريعًا أن كل ما يُطرح لا يتجاوز رغبات دفينة بزيادة كل جهة حصتها في كعكة الحكم. وسرعان ما تنكشف هشاشة وزيف الشعارات الكبيرة؛ لأن ما يتم التداول به لا يخرج عن سياق استنساخ ما هو قائم، وبعبارة أخرى إن ما يطرح يُراد منه إعلان الفائزين قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع.

مع نهاية الحرب الأهلية (1975–1989) شهد لبنان تحت الهيمنة السورية انقلابًا على الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، وكان ذلك التتمة لقانون العفو عن جرائم الحرب، وتمت التسوية بين أمراء الحرب والمال على محاصصة مُحكمة، شملت مجلس النواب والحكومات التي تحولت لبرلمان مصغر، بحيث أُلغيت من القاموس السياسي الرقابة والمحاسبة على حدٍ سواء. وربما كان هذا الجانب أبرز ما تسبب بتفكك الدولة، والانغماس في الطائفية والمحسوبية واتساع الفساد، وبالتالي تعثر التجربة الديموقراطية، وبات التعاطي مع الدستور كأنه وجهة نظر، وتكرست استنسابية في تطبيق القوانين. واستطرادًا تبدو الرغبات كبيرة بإدخال تعديل على المحاصصة السائدة، مستندة إلى السلاح، سلاح الدويلة داخل الدولة، أو تراهن على الإفادة من وضع ظرفي، لقلب معادلة الانقسام والتوازنات، وتتتالى المحاولات الحثيثة التي تهدد بجعل الشغور في السلطة قاعدة، أو التسليم مجددا بالعبث بالدستور ورفض الالتزام بأحكامه.

مسرحية كئيبة من فصول عديدة تتواصل، ولا مبالغة أنها أطاحت في المائة يوم الأولى على انتخاب رئيس للجمهورية، بكل الإيجابيات التي كان الناس يتوقعونها، وبضوئها بات الشعور السائد لدى المواطنين يشي أن الانتخابات النيابية بما هي استحقاق دستوري مُلزم، مُستبعدة وصعبة التحقق، ويتزايد القلق مع مواقف تستخف بخطر العودة إلى الفراغ، وأين، في السلطة التشريعية أم السلطات ومصدرها، ما قد يعني اغتيالاً مقصودًا لآمال الناس وسعيهم لقيام دولة عادية يسودها القانون.

لكن لهذه المسرحية مخاطر جمة؛ لأنها تتجاوز منحى زيادة حصة على حساب إضعاف حصة آخر أو حِصص آخرين، لتلامس الحسابات تموضع الأكثرية النيابية المقبلة، إلى مدلولات وتوجهات مجلس النواب الجديد، ما يفسر جانبًا أساسيًا من تمسك كل جهة برأيها، ولو أن ذلك يُزيد من ارتفاع متاريس الانقسام الطائفي في لبنان، والخشية كبيرة جدًا من وجود رغبات عميقة يسعى أصحابها لوضع اليد على المجلس النيابي تمهيدًا لتشريع السلاح غير الشرعي وهناك نموذج (العراق) ماثل ومعروف.

إنه اللعب على حافة الهاوية في مرحلة مأزومة، لا سيما بعد الانزلاق إلى تناول موضوع السلاح غير الشرعي، وما قيل أنه دوره، وما من شأنه أن يضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي بضوء الخروج عن موجبات الالتزام بالقرار 1701، ويهدد لبنان بفتح الأبواب الخطرة. كل ذلك يثير الأسئلة ومعها المخاوف عما إذا كان هناك من يريد للبنان الوقوع في المحظور، بوهم أن ذلك يفتح الطريق أمام خيارات أُخرى، وهنا نفتح مزدوجين للإشارة، أنه منذ حرب يوليو عام 2006، هناك دفع وضغوط لتعديل الصيغة الدستورية التي أرساها اتفاق الطائف. ولعل خلف الضغوط، رهانات بأن مرحلة الاضطراب العام في المنطقة، ونمو الأدوار الإقليمية في سوريا بموافقة من الجانب الروسي المهيمن الأساسي، وعدم بلورة رؤية أميركية جديدة في الشرق الأوسط، تكمن الفرصة للإمساك بالسلطة أكثر وتطويع الدولة اللبنانية. هي التحديات الماثلة والداهمة، وليس أمام المسؤولين اللبنانيين وفي لبنان حالة انقسام عمودي، إلاّ رعاية المساكنة على مستوى قمة الهرم السياسي، وتطوير التفاهمات التي سهلت إنهاء الشغور الرئاسي وأنجزت تشكيل حكومة جديدة، وإعمال البصيرة في كل ما يدور حول لبنان وفي المنطقة؛ لأنه في زمن تمزيق الخرائط والتهديد بتغيير الكيانات وإلغاء الحدود، فان مصلحة اللبنانيين وأولويتهم تكمن في الحفاظ على دولتهم ورؤوسهم، وهذا العنوان يوحد خلفه الأكثرية التي يتصرف بعض أهل الحكم على قاعدة تهميشها وإلغاء دورها.