أفكار وآراء

2017.. العالم بعيون الأيكونوميست

07 مارس 2017
07 مارس 2017

إميل أمين /كاتب مصري -

[email protected] -

كعادتها كل عام تصدر مجلة الأيكونوميست البريطانية عددها السنوي والذي تلقي فيه الضوء على أحوال ومآل العالم في كافة الاتجاهات سواء كانت سياسية، اقتصادية، علمية، ثقافية، إلى آخر مناحي الحياة.. ما هي ملامح عام 2017 بحسب «دانيال فرانكلين» محرر عدد هذا العام؟

يبدو أن هذا عام غير تقليدي إذ سيكون ممزوجا بروح الثورة في كل مكان، ففي هذا العام سيتم إحياء الذكرى المئوية لتولي الثورة البلشفية السلطة في روسيا، كما أنه سيكون مر مائة وخمسون عاما على نشر المجلد الأول من كتاب رأس المال «لكارل ماركس»، وخمسون عاما على موت تشي جيفارا» الذي طبع وجهه على عدد لا نهائي من القمصان، كرمز للثورة، هذا بالإضافة إلى أن عام 2017، سيوافق الذكرى الخمسمائة على رسالة «لوثر كنج» التي تحتوي على خمس وتسعين أطروحة، والتي علقها على باب كنيسة قلعة فيتنبرغ كما قيل، وأدت إلى اشتعال حركة الإصلاح البروتسانتي.

تحت عنوان «كوكب ترامب» يكتب «زاني مينتو بيدوز» رئيس تحرير المجلة الشهيرة يقول إنه مع تولي دونالد ترامب منصب رئيس أمريكا الخامس والأربعين، سيمثل عام 2017 بداية نظام عالمي « جديد ومظلم» على حد وصفه.

يطرح «بيدوز» سؤالا جوهريا :« أي نوع من الرؤساء سيكون ترامب؟ فكر في كلماته أثناء الحملة الانتخابية، بل وقبلها وسيبدو المشهد قاتما، فترامب رجل يؤمن بقومية الاقتصاد منذ زمن طويل، ويعتقد أن التجارة الحرة هي التي دمرت اقتصاد أمريكا، كما ألقى ظلالا من الشك على التزام أمريكا نحو حلفائها فدعا إلى بناء جدار عازل للمكسيك، وفرض قيود على المهاجرين المسلمين، وبالرغم من عدم احتمالية محاولة ترامب الرئيس تطبيق برنامجه المتعصب بالكامل فقد يحافظ على جزء فيه، وفي كل الأحوال سيكون ترامب الرجل الذي سيغلق أمريكا على ذاتها، في الوقت الذي سيزداد فيه نفوذ المستبدين حول العالم.

في المقابل، نرى صحوة روسية، يمثلها الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين، ولذلك يجادل «أدريان وولدريدج» محرر عمود شوميتر في الأيكونوميست بأن «العالم الذي ولد الثورة الروسية والعالم الآن متشابها» لدرجة خطيرة جدا... كيف ذلك؟

الشاهد أن هذه الفترة مليئة بذكريات مئوية بائسة، أولا في عام 2014 كانت الذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي دمرت النظام الليبرالي، ثم في عام 2016 كانت ذكرى معركة السوم، وهي أحد أكثر الصراعات دموية في التاريخ العسكري، أما في 2017 سيكون قد مر مائة عام على استيلاء لينين على السلطة في روسيا، إذ أدى الانقلاب الذي قاده لينين إلى سلسلة طويلة من الأحداث المأساوية المتتالية منها :« صعود ستالين للحكم وموت ما يزيد عن عشرين مليون شخص بسبب تطبيق العقيدة الجماعية في الزراعة والتصنيع الإجباري، بالإضافة إلى أسباب أخرى أدت جزئيا لهذه النتائج وهي صعود قادة مثل هتلر و موسوليني وفرانكو... هل صعود روسيا بقيادة بوتين يبشر بعودة البلشفية من جديدة؟ وإن كان ذلك كذلك فخطأ من يكون الأمر هل هو خطأ الليبراليين في العالم أجمع؟.

الثابت أن الرئيس بوتين يتفوق في تجسيد روح العصر علي نظيره الأمريكي باراك أوباما، وعلى أبطال الليبرالية أن يفعلوا أكثر من مجرد تكرار كلام مبتذل ويتعاملوا مع المخاوف حيال الهجرة بجدية أكبر، ويراجعوا ميولهم الغريزية التي تدفعهم للتقليل من شأن الأقليات مثل :« المسيحيين الإنجيليين»، كما أنهم بحاجة ماسة إلى مضاعفة جهودهم لإصلاح المشكلة الواضحة في نظام الرأسمالية، فانتشار عدم المساواة يهدد الاستقرار، والتركيز الاقتصادي يسمح للشركات بتحقيق أرباح مسجلة، والقوانين المفرطة تنفر رجال الأعمال. والخلاصة أن عودة البلشفية تسببت بالفعل في إضرار كبيرة، ولذا فإن الليبراليين بحاجة إلى اتباع نمط فكري أفضل والتصرف بقوة أكبر من أجل إيقاف التدهور.

تبقى الايكونوميست في كل الأحوال صوتا من الأصوات الغربية، وأداة من أدوات المثلث الرأسمالي العتيد أمريكا - أوروبا - اليابان، إعلاميا على الأقل، ولهذا فإنه من الطبيعي أن نجد هجوما واضحا على الصين، وتطورات الأحداث على أراضيها.

لهذا يكتب «سيمون لونج»، محرر الشؤون المالية، ومتابع أخبار الصين في الايكونوميست مناديا أنه : « يجب مقاومة طموحات شي جين بينغ» و «شي بينغ» بحسب «لونج» هو الرئيس الصيني لكل شيء.. السؤال ما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة القادمة في الصين ويمكن أن يؤثر على مسيرتها؟

سوف يجتمع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، البالغ عددهم قرابة 400 عضو في الخريف القادم لإقامة المؤتمر الذي ينعقد كل خمسة أعوام، والذي سيشكل مكانهم في التاريخ.

يأتي هذا المؤتمر التاسع عشر، بعد ثمانية وستين عاما من حكم الحزب المتواصل، ولو ظل الحزب في الحكم حتى المؤتمر العشرين، فستكون الصين قد غلبت الاتحاد السوفييتي السابق كأطول فترة حكم شيوعية في العالم. وربما يكون هؤلاء الرفاق الشيوعيون يهنئون أنفسهم بالفعل، فليس هناك إلا قليل من التهديدات الوشيكة لسيطرتهم على الحكم، بعد تولي شي جين بينغ» القيادة عام 2012، يتباطأ النمو الاقتصادي بالرغم من انه مازال أعلى من 6% سنويا، ويسهل على النظام أن يقمع المنشقين والانفصاليين المؤيدين للديمقراطية في منطقتي «التبت» و « شينجبانغ» وبعيدا عن الاستعداد لانهيار الحكم الشيوعي، تسعى أمريكا جاهدة للتعامل مع صعود الصين.

كيف يفكر رجالات الأيكونوميست في حالة المواجهة القائمة والقادمة بين واشنطن وبكين؟ من الأفضل كثيرا إدراك أن الحكومات الأمريكية كانت على استعداد لاستيعاب صعود الصين، ليس ذلك عن ضعف، وإنما لثقتها في قوة أمريكا.

السياسة الصينية غامضة، فمن المستحيل معرفة حجم المعارضة داخل الحزب الشيوعي الصيني، ضد تعاظم نفوذ الرئيس «شي» ومع ذلك يمكننا أن نفترض وجود معارضة ما وقد تكون فعالة.

أحد أهم مشاهد العالم في العامين المنصرمين، هي مشاهد اللاجئين لاسيما من الشرق إلى أوروبا، وهل ستستمر الظاهرة أم ستتوقف عند حدود العام 2016 ؟

يتوقع «جويل بود» محرر شؤون العولمة في الأيكونوميست بأنه سواء شئنا أم أبينا فإن عدد المهاجرين للغرب سوف يرتفع.. سيشهد عام 2017 إجراءات صارمة لمكافحة الهجرة يتخذها السياسيون الغربيون، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيبدأ بناء جداره الكبير على الحدود المكسيكية، ويأمر شركات التكنولوجيا بتعيين المزيد من الأمريكيين، كما قرأت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» أفكار المصوتين واستنتجت أنهم اختاروا مغادرة الاتحاد الأوروبي لأنهم يريدون اتخاذ تدابير صارمة للحد من الهجرة، أما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا فستدفع الأحزاب المعادية للهجرة السياسيين المعروفين إلى تبني سياسات ناعمة تتعلق بتفضيل مصالح المواطنين المحليين على المهاجرين.

ومع ذلك سيصاب الجميع بخيبة أمل في النهاية، ففي الوقت الذي توصلت فيه الدول الديمقراطية الغربية إلى ضرورة تخفيض معدلات الهجرة، تتسبب تطورات خارجة عن سيطرة أي سياسي في زيادة معدلاتها، فالديموغرافيا والتمدن والتغيرات الاقتصادية تدفع الناس إلى الهروب من الدول الفقيرة أو متوسطة الدخل إلى الدول الغنية التي تتنامى فيها مشاعر الكراهية تجاههم.

أين موقع وموضع الهند في 2017 ؟

يتحدث «ستانلي بيجنال» من مومباي في الهند، للايكونوميست، عن نتائج الليبرالية في الهند وكيف أنها غريبة ومثيرة للحيرة والدهشة... بدءا من قضاء صباح العطلات الأسبوعية، في البحث عن فرص جديدة، إلى أوقات الظهيرة، التي يتم قضاؤها في محاولة معرفة أنسب حلول الأعمال التجارية، يمتلك الهنود الكثير ليتطلعوا إلى تحقيقه في عام 2017، كما يتم تشييد أول متجر لأيكيا في الهند .

إن مواجهة البيروقراطية الهندية ليس أمرا سهلا، ولكن تمكنت علاقة «أيكيا» من اجتياز ذلك، وتخطط الشركة إلى افتتاح خمسة وعشرين متجرا بحلول عام 2025، وهو عدد يفوق عدد الأفرع المنتشرة حاليا في بريطانيا أو السويد، ويعد ذلك مؤشرا علي سرعة تطور اقتصاد الهند وعملها، بسرعة على بناء طبقة متوسطة ترغب في أقتناء خزائن كتب «بيلي» والأرائك الخشبية ومن المتوقع أن تصل مبيعات البيع بالتجزئة في الهند إلى 1.2 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2020... هل يعني ذلك شيئا آخر سوى تقدم الهند الاقتصادي المطرد لتحتل مكانة متقدمة ضمن اقتصاديات العالم المتقدم في العام الجديد، وضمن خطتها لتطوير وتنمية اقتصادياتها؟

الكثير من القضايا المثيرة للجدل سوف تنطلق في 2017، في أوروبا علي سبيل المثال، لن يفقد الاتحاد الأوروبي أحد أهم أعضائه فحسب ، «بريطانيا» ، بل سوف يتقلص ثقله الاقتصادي أيضا عام 2017، كما ستنتج الاقتصاديات الآسيوية ضعف إنتاج الاتحاد الأوروبي، لأول مرة، وستحتفظ البلاد الآسيوية بمكانتها، فيما يتعلق بتوقعات المتوسط العمري للأشخاص، على الرغم من إمكانية تخطي سنغافورة لليابان، فيما يتعلق بعدد الأشخاص ممن يتعدون الستين من العمر ويبقون على قيد الحياة. وفي الشرق الأوسط وأفريقيا، يأمل العاملون في المجال الصحي أن يتم القضاء على شلل الأطفال بصورة نهائية، ففي نيجيريا وباكستان وأفغانستان، لا يزال الفيروس نشطا ولكن تنخفض حالات الإصابة به عن ذي قبل، فسيتمكن كبار السن من قضاء المزيد من الوقت في النوم بدلا من العمل والأكل وإجراء الأعمال الرتيبة.

في الوقت ذاته سيتلهف أصحاب نظرية المؤامرة لمجيء شهر أكتوبر، حيث يتم نشر آخر السجلات الحكومية، حول اغتيال الرئيس الأمريكي «جون كيندي» فهل اطلق بالفعل «لي هارفي أوزوالد» الرصاص على الرئيس؟ ولماذا أطلق «جاك روبي» الرصاص على أوزوالد؟ وماذا عن الرواية التي تقول إن شخصا آخر أطلق الرصاص على كيندي من هضبة عشبية غير ملحوظة، حتما سوف تتشابك أبحاث الانترنت وقرارات الصحف في هذا العام المثير.

ماذا عن العلوم والتكنولوجيا هذا العام؟

تخبرك «ناتاشا لودر» مراسلة خدمات الرعاية الصحية في الايكونوميست بأن «الدواء سوف يصبح شخصيا... يأمل هذا الطب الدقيق أو الشخصي في التعامل مع الاختلاف الجيني بين البشر، فما يصلح من الأدوية التقليدية مع شخص ما، قد يأتي بآثار جانبية مع شخص آخر، وقد تصل الآثار والمضاعفات إلى درجة مميتة.

العلاج الشخصي يؤثر بالفعل على علاج الأورام تأثيرا كبيرا في الوقت الحالي، فلم يعد ينظر إلى السرطان هذه الأيام على أنه مرض خاص بأعضاء معينة، وبدلا من ذلك يصنفه الأطباء هذه الأيام وفقا للآليات الجزئية التي تسببها طفرات جينات معينة، وبالتالي فإن الأدوية التي صنعت من أجل معالجة سرطان القولون والمستقيم مثلا، قد تكون فعالة لعلاج عضو مختلف تماما من الجسم مثل الثدي... هل نقترب من زمن العلاج الجيني العبقري؟

لاشك أن هناك ثورة تلوح في الأفق، فقد تضاعف عدد العلاجات الجينية التى يتم تطويرها منذ عام 2012، وفقا لما يقوله المحللون في شركة «داتا مونيتور هيلث كير» آلاف الأدوية تخضع الآن للاستخدام في تجارب سريرية، ومنهم حوالي مائة علاج في تجارب المراحل الأخيرة، وبالرغم من أن النجاح في هذا الأمر ليس مضمونا بأي حال من الأحوال، إلا أن الأعداد الهائلة التي تنجح في تخطي مرحلة الإعداد تشير إلى حدوث طفرة في الموافقات التي سيتم الحصول عليها في العام أو العامين القادمين.. هل هو عام مثير في تنبؤاته وتطوراته، بل مساراته و أحداثه؟

أغلب الظن أن ذلك كذلك بالفعل؟