شرفات

دفتر الأزمنة الحديثة

06 مارس 2017
06 مارس 2017

عادل محمود -

حسناً أن الأحياء، لا الأموات، هم من يقتني الكتب، وإلا لذهبت مكتبات شخصية كثيرة إلى المقابر، بداعي مرافقة الملكية للممالك، كما في دفن الزوجة مع الزوج، في بعض عادات بعض الشعوب القديمة.

والمكتبة الشخصية جزء من الشخصية. قطعة من كلام غزير، وعلوم، وآداب، ومعارف، وصور ، وتاريخ وجغرافيا، وفلسفات... وهي قطعة من الإرث الوجداني، بمكن اختصارها ببضعة كتب فقط يحوم حولها، ويغوص فيها صاحب المكتبة، لأنها هي التي يعود إليها للمتعة، والمراجعة، والعبرة. تلك الـ «بضعة» كتب ، يتمنى المرء، لدى رحيله الأبدي، أن ترافقه، كما رافقته في الطائرة والقطار والدروب العديدة.

لكن اقتراحي الشخصي أن تهدى هذه الكتب العزيزة النبيلة الجميلة إلى أعزاء، نبلاء، جميلين وتبقى إلى جوار ذاكرتهم نوعاً من الورود التي رغم جفافها تحتفظ بعطرها.

هذه الكلمات تأتي بسبب إهداء مكتبة الكاتب السوري الراحل سعد الله ونوس، إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. والسبب هو عدم حماسة أية جهة ثقافية في سوريا لقبول هذه الهدية الثمينة، وذات الأثر المعنوي على الكتابة والكتاب وورثة الكتابة والكتاب.

غريب ألا تقتني هذه المكتبة وزارة الثقافة أو السياحة، أو شؤون البيئة ـ (حتى) ـ ناهيك عن وزارة الإعلام، والمتاحف. والمراكز الثقافية.

مكتبة سعد الله ونوس، حتى لو كانت، فقط، مؤلفة من أعماله المسرحية، والكتب المتعلقة بالنشاط والمعارف والحرف المسرحية، التي أعرف أنا شخصياً أهميتها، هي مكتبة جديرة بالاقتناء والاعتناء.

الغريب أن يحدث ذلك، في ظلال الحرب التي بدّدت الكثير من المكتبات، والمراكز الثقافية، والآثار التاريخية والتي دمرت قيمة الأشياء، والأشخاص، والرمزيات المعنوية.

لا تفسير لذلك، أظن، سوى الإهمال الآتي من نقصان فادح في قيمة الثقافة والمثقف، في بلاد لا ترى فيه سوى الابن الضال، والجد المؤسس للشغب، والحفيد الذي يجب إخصاء اهتمامه بالعلوم والمعارف والجماليات.

المثقف في عصور انحطاط الأمم، وفساد الحكام، وانصراف العباد إلى حلول المآزق بالاحتيال... حتى حدود الانتهاك. وصولاً إلى الحروب ونزاعات السلطة الغاشمة الراحلة والسلطة الغاشمة القادمة، في فرضيات لا هوادة فيها.

لدي بضعة كتب هي التي صنعت عقلي، وعاطفتي، وأحلامي وجماليات مكونات وجداني... هذه سأتركها بأيد أمينة عليها ولن أهديها إلى أية مؤسسة أو جامعة. سأجلدها تجليداً متيناً وأضعها قرب منصة الرحيل.

ولكن ثمة «دفتر الأزمنة الحديثة» الذي جمعت فيه كل المختارات التي أعجبتني، عبر السنين، سأصور نسخة منه، وأتأبطها، لتبقى معي... فلربما كنت في حاجة إليها هناك، أيضاً، في العالم الآخر .

في المرة القادمة... سأختار بعض محتويات «دفتر الأزمنة الحديثة». وحتى ذلك الحين، هذه افتتاحية منه:

«في مشفى المجانين...من يسبق إلى ارتداء الزي الطبي، يكون هو الطبيب».