945838
945838
شرفات

أشعار تسقي الحب والحنين في بيت الياسمين «بيت بفيء الياسمين» للشاعرة فضيلة الموسوي

06 مارس 2017
06 مارس 2017

945837

سليمان الخليلي -

في «بيت بفيء الياسمين» للشاعرة البحرينية فضيلة الموسوي، يتجسد لنا ذلك البيت المفعم برائحة الياسمين، ونجد أركانه في صفحات الديوان وبين أبيات شعرها، وفي أول قصيدة تشدك، فتجول في الديوان كأنك تتجول في بيت حقيقي صُنع من الياسمين، وجدرانه وسقفه وأبوابه وغرفه وممراته في بيت حيث الأم ذات القلب الكبير والأب الشيخ الوقور في حياته، وفي مماته روحه الطاهرة لا تزال تسكن بيت الياسمين، والأخوة السبعة والأخوات السبع، وشاعرتنا السابعة بينهم، والجدان والجدتان، والجيران وأبناؤهم الصعاليك الصغار.

ديوان الشاعرة البحرينية فضيلة الموسوي الأول والصادر عام (2016م) عن «دار مسعى للنشر والتوزيع» ، يمثل بذاته تجربة أولى رائعة للشاعرة في أول إصدار لأشعارها التي ظلت أعواما طويلة حبيسة بين طيات أوراقها فأطلقتها لتتحرر وتشع قصائد مملوءة بالحب والشوق والحنين، رغم اختلاف القصائد الستة والخمسين التي ضمها الديوان. غير أن اللافت أنها لم تبتعد كثيرا عن البيت، فكان البيت المكان التي تنطلق منه قصائد جميلة جدا ذات دلالات لغوية بسيطة ورنانة، ذات إيقاع هادئ درامي.

الديوان يقع في ثلاثة أقسام، مهجة البيت،وبهجة البيت، وأريجة البيت، مع ست وخمسين قصيدة تكررت بها بعض القصائد في عناوينها لكن بمضمون مختلف. تناولت القصائد ثلاثة محاور، روح الشاعرة، وروح السيد، وروح البيت. وأيضا يظهر لنا الرقم سبعة كأحد أسرار قصائد هذا الديوان.

«السيد»... سيد القبيلة وسيد البيت، أكثر من قصيدة قيلت حوله، فهو رجل من شيوخ العلم والدين، ذو قلب كبير غير أنه صارم، في لحظة الغضب يخافه الأطفال وفي لحظة الهدوء أكثر حنينا من الأم نفسها، الأب الحاضر بلقب «السيد»، شخصية بدأت أكثر درامية لدى الشاعرة، تتذكره في صغرها، صباها، شبابها، حتى في غيابه، والذي لم يكن غياباً

بمعنى الكلمة، وإنما غائب باختطاف الموت.

السيد الذي يبعث بالتساؤل حيث ضمت له قصائد خاص (جهات السيد)، و(شارات السيد)، و(علامات السيد)، و(بيت السيد)، ففي القصيدة (إشارات السيد) نجد محبرة باركر، والقلم، ونشافة الحبر، والختم، وثقالة، وحقيبة سوداء وسكين مطبخ قديمة لتفصل إردية الكتب، هنا أشارات السيد إلى مكانته العالية، ومقامه بين أهله ومجتمعه، بينما قصيدة (علامات السيد) تصف السيد شكليا أو جسديا في علامات القميص، والجبة، وعمامة بلون الحداد، وكوفية، وعباءة، ونعلا، وكفنا، كلها علامات لرجل شيخ ذي مقام عال، كما أن الكفن دليل على اللباس الأخير لهذا السيد.

السيد حتى في مماته سُجّي جسده في ضريح الياسمين، وروحه ذات الباقيات الصالحات بسيرة حياته حيث لم يغب عن أغلب قصائدها، فمثلا في قصيدة (اسمك) تتشابك روح السيد مع الشاعرة حينما كانت صغيرة، حيث نراه متصومعا في مقعده، يرتكب الشعر، ويشيد صروح الكتب بين لجة الحبر والورق حيث يتأبط شعرا ونبوءة، «أينما يحل يفتح مصفحا جديداً»:

«كُلَّما هبطَ اللَّيلُ وانسحبَ من تحتِ عباءتِه

صُنَّاعٌ وعُلماءٌ

جاءتهُ الصَّدَّيقةُ وحيداً

إلاَّ من رعشةِ الرَّهبة»

«السيد».. برحيله كان اليتم، الفاجعة، الغياب، الرحيل، الخواء، فأظلم البيت بموته الذي أصبح خاويا، فذلك نجده في قصيدة (بيت السيد)، ومن اسمها إشارة إلى ذلك البيت وفي الوقت ذاته هي أطول قصيدة، الذي ضم الأب والأم والأبناء السبعة، والبنات السبع، والجدين والجدتين، والجيران وأبناء الجيران الصعاليك الصغار الهاربين من المدرسة، ونسوة الحي، فكان البيت هو الحي كله.

«روح البيت»، البيت الكبير الذي يضم الجميع بحب، الذي تسميه «بيت السيد» إشارة إلى صاحب البيت، أشبه ببيت الياسمين، أو كما يأتينا في قصائد مختلفة بأسماء أخرى كدار النعيم، ودار النسيم، ودار السلام، ودار المقام، ودار البنات،نجد بين ثنايا البيت حكايات متناثرة تجتمع مع نهاية آخر قصيدة في الديوان، مشكلة قصة جميلة جدا لعائلة كبيرة أشبه برواية أو قصة طويلة ذات بعد درامي رائع جدا، مع أهل الحي، وأبناء الجيران الصعاليك الأولاد، لحكاية بيت عامر بالحب، والحنان، حيث انتقل إلينا إحساس الشاعرة بهذا البيت المملوء بذكريات الحنين، بكل شيء تفتقد إليه في صغرها وصباها.

«للبيت بابان،

لنسوة الحي وهن يتخطرفن بين حين وآخر

لا،لاختصار المسافات المتهدجة

بين السوق والخباز

لكن لينبت العشب في اقدامهن

ذخيرةً لخطواتٍ لا تميد»...

ثمة شيء يجرنا نحو هذا البيت بفيء الياسمين، فمن يزرع الياسمين ويسقيها بحب وحنان إلا «الأم»، التي تندمج روحها مع روح البيت أو يتشكل في شخصها، فشخصية «الأم»، تلك التي تخدم وتحكم، أنها إيقونة البيت، التي ولدت وتربت كملكةٌ، إنها زوجة السيد، أم لسبعة أبناء وسبعة بنات، فكانت المرأة الحاضرة في حياة السيد وموته، الحاضرة بين أبنائها السبعة، كسيدة الحي، حيث نسوة الحي يأتينا إليها، «الأم» التي تستيقظ في اليوم الثالث عشر مبكرة حتى يهب البيت مستنفرا، في طقس سنوي لوليمة باذخة في دار النسيم.

«حان اليومُ الثّالث عشر

إذن على أمي أن تبتكر في استيقاظها

يهب البيت مستنفراً».

روح الأم التي لديها حزنها الكبير على رحيل السيد عنها، وقبله حزن آخر زواج السيد عليها بالثانية..

«مُنذُ أنْ استضافتْ فيها أُمَّي ضُرَّوها،

استقبلتْ تلك العروسَ المُكلَّلةَ بالحياء،

برشات الملح وأغصان المشموم

كي تنامَ قريرةَ القلبِ في واحةِ المقام»

بيت الياسمين الذي يطل على عالم جميل بين بابين، الذي يشبه الدخول والخروج إلى عالمين مختلفين، السفر، المدرسة، الرحيل الحب، الصداقة:

« من بابه الجنوبي تخرج حقائب الدرس

ومن الباب الشمالي تدخل حقائب السفر »

في نهاية الديوان، كانت قصيدة «بيت السيد»، التي تكلمت عن البيت، وفي ختامها تحدثت عن الحنين لهذا البيت، الذي كان مملوءا فأصبح خاويا، حيث أصبحت جدرانه عارية من الذكريات، تبحث عن أمجاد الأب والأم، حيث أغُلقت ذاك البابين، وأصبح البيت مجرد أطلال قديمة، يجذبك نحو الحنين، إلى الصغر،إلى شقاوة الاخوة، إلى حنان الوالدين، إلى مائدة الحب التي كانت تجتمع فيها العائلة

«يتسلَّلُ إخوتي تباعاً إلى شساعة العالم

كُلَّما أوغلوا في الغياب

توهَّجت وحدتي

بعد السَّفر

تركَ الكبارُ دوْراً مأهولةً

بظلال الحلمِ وصدى العُنفوان».

«روح الرقم السبع»،،،

هنا، ذهبت الشاعرة إلى دوامة الرقم سر الرقم السبعة، تلك الأسطورة الأزلية كأن الرقم سبعة أحد أسرار العالم الخفي، وأصبح سرا أيضا لدى الشاعرة، حيث نجد الرقم سبعة حاضر بقوة، فثمة سبع أخوات وثمة سبعة أخوان، ونجد بأن ترتيب الشاعرة رقم سبعة، هل مصادفة جاءت أم أن الشاعرة سٌحرت بسحر الرقم سبعة، فصاغت جماليته في أبياتها.

(سبع بنات)

«أنزلهن الله في الغفلة

يتوسدن حقائب المدرسة

يخبئن أحلامهن في بطون الكتب

ويغالبن سبع أقفال

**

سبع بنات

يتعاركن كثيرا ويضحكن أكثر

**

وهن في مرسال المدرسة

وجدائل الشرائط الحمراء

أيضا يظهر الرقم سبعة عند الجدة للأم « قالوا: تتبعُها التّابعة، فقتلت أولادها السّبعة».

كما أن نهاية الديوان كانت ختامها بالرقم سبعة حيث كانت وصايا أشبه بوصايا الوداع، في قصيدة ( الوصايا السبع) المملوءة بالحنين إلى ذلك البيت،،،

«كُلَّما غفوتُ رمتني الأحلامُ إلى البيت،

إلى هناكَ

وينتظرني ملاكٌ

أتبعه بخفَّةٍ من دارٍ إلى دار

كدليلي وقنديلي

يَخُصّني بالعهودِ ويذكَّرُني بالوصايا:

لأنتظرَ اكتمالَ إخوتي على مائدةِ الحُبَّ

لأتلمَّسَ بهاءَ الحبر والحرف

لأكرَّس الأسماءَ والألوان

لأُعيدَ الصَّيت والصَّدى

لأَتفقَّد أمجادَ أمِّي وأبي

لأَمسح شحوبَ الهجرانِ عن الجدرانِ

الآيلةِ للوقوفِ على أعتابِ حُروفي»