أفكار وآراء

يحدث .. تحت قبة البرلمان

26 فبراير 2017
26 فبراير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تمثل السلطات الثلاث؛ التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، أهم مكون للصورة الحديثة لأي كيان سياسي في الوقت الحاضر، ولذا لا يجب بأي حال من الأحوال أن يخلو هذا الكيان، أو ذاك، وفقا لطبيعته، من هذا المكون المهم والحيوي لتسيير دفة النظام السياسي الحي المخاطب للواقع، وإلا وقع خلل ما في التركيبة السياسية للنظام، هذا بخلاف النظم أيضا التي تتكون فيها السلطة التشريعية من غرفتين، أو غرفة، كما هو الحال في السلطنة ، حيث يتكون مجلس عمان من مجلسي الدولة والشورى ، وكما هو الحال في كثير من النظم التشريعية في عدد من البلدان العربية والأجنبية، التي تأخذ بنظام الغرفتين (غرفة منتخبة من قبل الشعب، وأخرى معينة من قبل القائد).

تأتي هذه السلطات الثلاث لتتكامل في رسم مسارات برامج التنمية المختلفة في أي بلد، وتأتي لتتعاطى مع الشأن المحلي على وجه الخصوص، بما في ذلك من استراتيجيات وخطط تنموية مختلفة، وتأتي لتتكامل مع بعضها في بعض مشروعات التنمية المختلفة، فما تراه السلطة التنفيذية في بعض المواقف؛ شيء، وما تسعى اليه السلطة التشريعية في ذات المواقف شيء ربما يركز على زاوية اخرى؛ وإذا كانت السلطة التنفيذية تنطلق من رؤية هي أقرب الى الواقع المبني على المصالح المشتركة مع الدول، والى واقع الوضع المالي، والى واقع أولويات البرامج التنموية، فإن السلطة التشريعية - وهي تقابل هذا الكم الهائل من الضغط الذي تدفع به الجماهير نحو تحقيق طموحاتها - هي الأخرى «أي السلطة التشريعية» تدخل مناقشة مع السلطة التنفيذية، ربما لتجلية الصورة أكثر في ذات الموضوعات والمشروعات، وفي كلا الأمرين ليس في ذلك أي ضرر على الوطن، فكلا السلطتين تستحضران هموم الوطن، وتغردان على معزوفاته المختلفة، وهي معزوفات تزيد من رصيد الوطن، وترتقي به الى مصاف الأوطان المنجزة لطموحاتها، والمحققة لرغبات أبنائها، والمسخرة لطاقات العاملين فيها. وانعكاسا لهذه التجاذبات القائمة بين الطرفين، هنا من يرى أو قد يفسر هذه الصورة على أنها نوع من الصدام، أو محاولة أحدهما للسيطرة على الأخرى، أو «وصية عليها»، ويفسر ذلك أيضا من غير تدقيق على أن السلطة التشريعية تقف في صف التعبئة الجماهيرية – إن جازت التسمية - لا مناكفة مع السلطة الأخرى، ولكن انحيازها الأكثر الى خيارات المواطن؛ حيث تكون أكثر قربا لطموحات الجماهير، وإن كان هناك اتهام «خفي» موجه إليها وهو؛ أنها تسعى بذلك الى إرضاء الجماهير التي أوصلتها الى تحت قبة البرلمان ليس أكثر، على الرغم من معرفتها في بعض الأحيان بكثير من حقائق الأمور، ولكنها تغالي في الضغط على السلطة التنفيذية، لأجل الحفاظ على «ماء الوجه» كما يقال، وهذه النظرة تحتاج الى كثير من المراجعة لتكون اكثر دقة ، والى كثير من الوقوف على حقائق الأمور، وحتى لا تنزل هذه المسألة الى منازل الإساءة الى بعض أعضاء السلطة التشريعية، وهذا كثيرا ما يحدث للأسف الشديد من قبل بعض المواطنين لسبب او لآخر تجاه أعضاء السلطة التشريعية، مع الإيمان بأن الجميع أبناء وطن واحد، وأن الجميع حريص على السعي الحثيث والصادق لكل ما من شأنه أن يرفع سهم الوطن، ويعلي شأنه، ويرفع رايته خفاقة.

هي بلا شك «وسوسة» موجودة في كل التجارب البرلمانية على مستوى العالم، وهذه الـ «مناكفة» الموجودة، والمستمرة، تعتبر في كل التجارب البرلمانية حالة صحية جدا، ولا خوف منها، وبالعكس قد يكون الخوف أكبر عندما تخلو الممارسة من أي حراك برلماني في أي تجربة برلمانية، لأن وجودها يعكس حالة من صحة التفاعل وسلامة التوجه، وحقيقة المشاركة القائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالقدر الذي تستطيع فيه السلطة التنفيذية في بعض الحالات أن تمرر مشروعاتها المرسومة، وتقل من خلال ذلك قوة السلطة التشريعية وتأثيرها، فإنه في المقابل أيضا لدى السلطة التشريعية القوة في مساءلة الحكومة، او بعض اعضائها وفق الضوابط المحددة لذلك، وهذه القوة موجودة لدى المجالس المنتخبة بدرجات متفاوتة وتحددها القواعد الدستورية والإجراءات الخاصة بذلك، التجربة العمانية الحاضرة حتى هذه المرحلة من عمرها الجميل تأخذ بإجراءات محددة لممارسة الرقابة من جانب مجلس عمان على الأداء الحكومي، وذلك في إطار مسيرتها الحالية المتدرجة وفق الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - الذي يولي المسيرة الشورية العناية والرعاية منذ نشأتها الأولى، ولا تزال تحظى بالعناية ذاتها حتى مرحلتها المتحققة اليوم. ينظر الى البرلمان في كل التجارب الدولية بقدر من التقدير والإكبار على اعتباره مكونا أساسيا ومهما من مكونات الدولة الحديثة، حيث أسندت إليه الكثير من مهام التعامل - في إطار اختصاصاته - مع ملفات عديدة مهمة بالنسبة للوطن، ولكن هذا كله يتوقف في النهاية على مجموع الأعضاء فيه، ومدى قدرتهم المحققة لطموحات الوطن والمواطنين على حد سواء، وهذه القدرات موقوفة على كثير من الجوانب، ومنها: الجوانب المعرفية التي يكون عليها الأعضاء، ومنها الخبرات الحياتية، ومنها الحنكة والدراية وتوظيف المؤهلات الشخصية الذاتية لدى عضو البرلمان، حيث القدرة على تناول مختلف القضايا، ومنها التمكن الشامل في دراسة الموضوعات المختلفة، فملفات الوطن كثيرة، وعميقة، وواسعة وشاملة، ومخاطبة لمراحل متقدمة من عمر الوطن، وليست محكومة ـ في كثير منها - بفتراتها الزمنية القريبة، حيث الاستراتيجيات بعيدة المدى، وبالتالي متى استطاع العضو البرلماني أن يلم بكل هذه التفرعات في العملية البرلمانية عندها يحظى بالتأييد، والمساندة من قبل الجمهور العريض والنوعي في آن واحد، وهي مسألة ليست سهلة ولا يسيرة، وتحتاج الى جهد خلاق من قبل البرلمانيين، فالمسألة تتجاوز البهرجة الإعلامية التي يسعى اليها البعض احيانا ، المسألة مستقبل وطن بكل ما فيه، وبكل ما يجب أن يكون عليه حاضرا ومستقبلا، لذلك تلحظ في بعض الممارسات البرلمانية أن هناك أعضاء «شرسين» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذه الشراسة، إن قيمت على هذا النحو، لم تأت من فراغ، وانما تعكس قدرة كبيرة لدى هذا العضو على المناجزة والمناكفة والقدرة على الاقناع بوجهة نظره، وذلك كله انعكاسا لما يحمله من أدلة، ولما يغتلي بين جنبيه من حماس ومن مكونات شخصيته ومن معرفة ووعي ايضا ، وهذا مطلوب أيضا في العضو البرلماني أن يكون بهذا الحضور الرائع، وليس في ذلك من «مثلبة» تسيء إليه، شريطة ان يرفق ذلك كله بالحجة والبرهان، وأن لا ينطلق من فراغ، وإلا عد ذلك نوعا من الـ «ثرثرة» غير الضرورية، وهذا ما لا ينبغي من العضو البرلماني في الهيئات التشريعية. تعكس هذه الصورة أعلاه نوعا من الحوار الجدلي الجميل، وهو الحوار القائم، كما قلت، على الحجة والدليل، وليس حوار «سفسطائيا» لا فائدة منه إطلاقا، كما أنه حالة من حالات الاختلاف والتوافق في جوانب هذه العلاقة التي يصب ريعها في خانة الوطن الكبير، وهو الريع الذي يأتي بثماره اليانعة لكل فرد يعيش في الوطن، وكل من يمثلون السلطتين التشريعية والتنفيذية هم أبناء الوطن الواحد، ولا شك أن الجميع يحرص على مصلحة الوطن الواحد، وبهذا التكامل تمضي مسيرة الوطن؛ وتبحر السفينة بأشرعتها القوية الماتنة، لا يهمها بعد ذلك قوة الرياح وتموجات أمواج البحر الهادرة، وبالتالي لا يجب ان يفسر هذا النوع من الحوار القائم بين السلطتين على أنه يعكس صورة «تصادمية» لا تخدم الوطن، لا ،أبدا، بل هي صورة صحية بامتياز، بل تعزز وتقرأ على رؤوس أصحابها فاتحة الكتاب مباركة وفاتحة لأبواب الخير العميم ، طالما تتم بهدف خدمة مصلحة الوطن والمواطن ، وبعيدا عن أية تأثيرات مصلحية أخرى .