أفكار وآراء

الطموح والتغيير

22 فبراير 2017
22 فبراير 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

من أبيات الشعر العربي الدالة في مجال الطموح قول الشاعر : قالوا لنابليون ذات عشية : إذ كان ينظر في السماء الأنجما.. هل بعد فتح الأرض من أمنية ؟ أجاب انظر كيف افتتح السماء.

وفي مساراتي المهنية والعملية كثيرا ما صادفني ما يؤكد أهمية الطموح في تحريك المياه الراكدة وفي إحداث نقلة كبيرة في بيئة العمل عموما في المؤسسات وفي حياة الأفراد في الصحافة مثلا كان يتصادف أن يأتي أحدهم طالبا التدريب فتسأله عن طموحه فلا تجد أبعد من نوال عضوية نقابة الصحفيين أو أن يكون مشهورا أو تتاح له فرصة الاحتكاك بالمشاهير فأي طموح هذا ؟ وكثيرا ما يقال أن ثقافتنا العربية في فترات كثيرة لا تحض على الطموح وخوض المخاطر وتدفع الى إيثار السلامة وإعادة اجترار ما هو معروف ومجرب ومضمون النتائج وقد يكون في ذلك بعض الصحة أو الكثير منها، لكن هناك مساحات طوال الوقت حتى في أصعب الظروف للمغامرة والابتكار والاندفاع الخلاق الى الأمام.

وتلعب القيادة الواثقة والواعية في أي كيان الدور الأكبر في فتح الباب للمواهب لإطلاق قدراتهم والعكس صحيح أي أن القيادة الأنانية والضعيفة كثيرا أو دائما ما تطارد المبادرين وأصحاب المواهب و تكتم أنفاسهم.

وقد توجد القيادة الجيدة لكن واقع الحال في المؤسسة أو المناخ العام لا يسمح بقدر كبير من الحركة وبالتالي تضيع فرصة الانطلاق الى أفق مختلف. و أود هنا أن أشير الى تجربة عملية لا تزال في بداياتها لتغيير طموح مؤسسة مهمة في أي بناء عصري لدولة من الدول و أعني بها مؤسسة الضرائب وسأتحدث هنا عما يجري فيها في مصر.

لا يمكن أن يطالع المرء حديثا عن صعوبات الاستثمار في مصر أو تراجع مكانة مصر على مؤشر أداء الأعمال العالمي إلا وتأتي سيرة الضرائب ومعها التوصية بأهمية وضرورة إصلاحها ورفع كفاءتها.

لم يكن ممكنا ولا معقولا ولا مقبولا أن يستمر ذلك طويلا خاصة وأن مصر لها تاريخ تليد في مجال الجباية قديما وتاريخ معاصر مهم ومعروف حيث أطلقت مبكرا قانونا كان له الريادة في المنطقة لتنظيم ضرائب الدخل للأفراد والشركات وكان ذلك منذ 1939.

وقد كانت بداية عملية الإحياء هي تغيير آلية اختيار القيادات بحيث لا يتولى أي منصب قيادي إلا من يستحق بالفعل بعد تاريخ طويل من النمطية والمجاملات والاستسهال.

ثم القيام بعملية تواصل واسعة النطاق مع الناشطين النقابيين أو على شبكات التواصل أو المعنيين بالضرائب من منظمات المجتمع المدني أو اللجان الاقتصادية في الأحزاب للاستماع الى آرائهم في كيفية إصلاح وتطوير الكيان الضريبي وتغيير ثقافة و أوضاع العاملين بها وكذا تغيير المنظومة التشريعية الحاكمة لها واعقب ذلك إدارة حوارات حول أفضل الممارسات الدولية في مجال العمل الضريبي واستقدام خبراء من منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية ومن صندوق النقد الدولي وكذا من انجلترا لتدريب العاملين والقيادات وخلق طلب على الحداثة في الأداء وتغيير طريقة التعامل مع الممولين واستخدام العلوم السلوكية في إيجاد لغة جديدة في تواصل المصلحة مع المستثمرين و أصحاب الملفات.

وكان لزاما زيادة شعور العاملين بالثقة في أنفسهم وتنبيههم الى دروس التطور التاريخي لمصلحة الضرائب و إثارة شعورهم بأعلى درجة بالمسؤولية الوطنية يبحث، قال وزير المالية وقال نائبه للسياسات الضريبية في أكثر من موضع

أن العمل بالضرائب هو مهمة قومية وليس وظيفة وانه ولكي يتمكن العاملون بالمصلحة من أداء الواجب الوطني هذا فلا بد من وجود نظام إثابة قوي و«محترم» مع بيئة عمل مناسبة كما أكدا في عشرات المرات أن العاملين بالضرائب هم قضاة مال ويجب ان يتمتعوا بكل ما يحفظ هيبتهم ويدعم أداءهم لوظيفتهم السامية، فالضرائب تساهم بنحو سبعين بالمائة من إيرادات الدولة في مصر.

وقد تم بذل جهد ضخم فى سبيل كسب تأييد أعضاء البرلمان لعملية الإصلاح الضريبي وتطوير مصلحة الضرائب ما أثمر عن تأييد قوى لتشريعات أو تعديلات تشريعية تمت وأخرى في الطريق، ويوما بعد يوم يتأكد للعاملين أن من يعمل يثاب وانه لا فرق في ذلك بين كبير أو صغير وبين من يعمل في هذا الموقع أو ذاك وستبقى هذه هي القاعدة ويقابلها نظام عقاب عادل أيضا لمن يقصرون أو لا يحققون المستهدفات أو يخالفون القانون، وأديرت حوارات مع العاملين أنفسهم حول طرق مكافحة الفساد في المصلحة وزيادة الشفافية، كما تدعم وزارة المالية الجهات الرقابية في عملها لمكافحة الفساد وتعمل على تدعيم ركائز الرقابة الداخلية ومعايير الشفافية والنزاهة والتصدي لكل ما من شأنه تشويه سمعة المصلحة والعاملين فيها حيث لا يمكن في أي إصلاح جاد دفن الرؤوس في الرمال وتجاهل انه توجد حالات فساد ولابد من التصدي الحاسم لها مع التأكيد على ان الفساد ليس هو الرشوة فحسب ولكنه يشمل الإهمال ، إساءة اختيار القيادات والعاملين ، المساواة بلا معايير ،عدم معاقبة المخطئ ، عدم إعداد صف ثان ، إعاقة الإصلاح وإطلاق الشائعات وإهمال العمل.

وقد أكدت وزارة المالية مرارا أن هدف الإصلاح في النهاية هو أن يدفع كل مواطن نصيبه العادل من الضرائب بلا ظلم وبلا تفريط، فحصيلة الضرائب في مصر حاليا كنسبة من الناتج المحلي متراجعة بشدة قياسا الى الدول التي تشبهنا في مستوى النمو رغم كل الصراخ من الضرائب وهناك تهرب ضريبي واسع ولا يمكن السماح باستمراره.

وإذا بدا الحماس يدب في أوساط العاملين أكدت وزارة المالية أن الطموح ليس فقط ان تكون مصلحة الضرائب الأفضل في مصر ولكن أيضا على المستوى العربي و انه من غير اللائق ألا نقود التطور الضريبي في المنطقة ومصر لديها اعرق مؤسسة ضريبية في العالم العربي واقدم منظومة تشريعية في هذا المجال في محيطنا.

وظهر للجميع بوضوح اهتمام رئيس الدولة بالاصلاح الضريبي على نحو غير مسبوق ومتابعته الدائمة مع الوزير ونائبه لهذا الملف وقد جاء موضوع توقيع بروتوكول تعاون بين مصر ودولة الإمارات العربية الشقيقة مؤخرا في مجال الضرائب لتقوم مصر بمقتضاه بتقديم خبرتها في مجال تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تتجه دول الخليج العربي لتطبيقها أقول جاء ليقدم عاملا إيجابيا للعاملين بالضرائب المصرية ويزيد من شعورهم بقيمة ما يملكونه من تاريخ وخبرات ، وقال عمرو المنير نائب وزير المالية خلال توقيع البروتوكول ان التجارب الحديثة توضح ان دور السياسات المالية و الضريبية السليمة والعصرية اصبح لا يقل أثرا عن أي أداة اقتصادية أخرى لتحقيق الشعور بالعدالة والتماسك الاجتماعي والشمول المالي وتحقيق النمو وتشجيع الاستثمار وخلق الوظائف أي كل ما يؤدي في النهاية الى بناء مواطن فعال ومشارك ومسؤول وبالتالي سعيد وراض، وقال أيضا: سنتعاون مع الأشقاء بكل جدية لإنجاح تطبيق هذه العملية وتقديم كل الدعم الفني المطلوب للمخططين وللإدارة الضريبية التي ستتولى تلك المهمة هنا، كما يسرنا تبادل الزيارات والمعلومات وتنظيم دورات تدريبية متقدمة للقيادات التي ستتولى ذلك من خلال برامج مثل الاتجاهات المالية الحديثة في التخطيط الضريبي الدولي، وهيكلة الضرائب و الأداوت الجديدة في التخطيط الضريبي ، والتخطيط الضريبي والتجارة الإلكترونية ، والتهرب الضريبي

الدولي ، والسعر المحايد لأغراض الضريبة ، وغيرها فضلا عن الأنشطة التدريبية الخاصة بالموارد البشرية ،هكذا إذن تتحول مصلحة الضرائب المصرية كل يوم وتتغير نفسية العاملين فيها فقد أصبح لديهم مسؤوليات وطموحات توجب ان يكونوا في مستواها محليا وعربيا الطريق لا يزال طويلا ولكن قل لي ما هو طموحك أقل لك ما الذي ستكون عليه.