932078
932078
العرب والعالم

قمة عمانية كويتية تنثر السلام على المنطقة.. وتقرأ الواقع بعيون الممكن

19 فبراير 2017
19 فبراير 2017

الأمير صباح الأحمد في ضيافة السلطان قابوس -

استقبال رسمي وشعبي كبير «لقائد الإنسانية» واستحضار للعلاقات التاريخية -

عاصم الشيدي -

يحل صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح اليوم ضيفًا عزيزًا على عُمان، سلطنة وسلطانًا، في زيارة دولة تستغرق ثلاثة أيام.. وتترقب شعوب المنطقة النتائج السياسية والاقتصادية لهذه الزيارة المهمة التي تأتي في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني لكل من السلطنة ودولة الكويت الأسبوع الماضي والتي حملت ردودًا إيرانيةً على الرسالة الخليجية المشتركة حول سبل التقارب الخليجي مع إيران، إضافة إلى بحث التشابك الإيراني مع العديد من ملفات الدول العربية في اليمن وفي سوريا وفي العراق وسبل حلحلته.

الاستقبال الرسمي والشعبي الذي سيُجرى اليوم لضيف عُمان الكبير يكشف عن المكانة التي يتمتع بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في قلوب شعوب المنطقة والدور الكبير الذي تلعبه بلاده اليوم فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية.. وهو دور مستمد من شخصية الكويتيين في المقام الأول، ومن شخصية أميرهم بشكل خاص.. وذلك الدور وتلك المكانة جعلت الأمم المتحدة، قبل سنتين، تتوج الأمير صباح بلقب «قائد الإنسانية».. كما تكشف عن مدى ترحيب السلطنة بالكويت أميرًا وشعبًا ومسيرة ودورا محوريا تقوم به في المنطقة.

وتتلاقى الكويت الساعية نحو الأمن والاستقرار للمنطقة مع فكر جلالة السلطان -أعزه الله- رجل الحكمة والسلام. وكما تتميز السلطنة بحكمتها وبعد نظرها في قراءة الأحداث السياسية وربطها بإطارها التاريخي فإن الكويت أيضا تتميز برزانة دبلوماسيتها التي أسسها الشيخ صباح منذ أن كان وزيرًا للخارجية واستكملها عندما تولى عرش الكويت. ولذلك رأينا الأمير صباح يقود مبادرات دبلوماسية في الكثير من القضايا سواء كانت بين دول الخليج بعضها البعض أو بينها وبين دول عربية أخرى.

وهذا التقارب في الأفكار بين القائدين يعطي المنطقة فرصًا أكبر للخروج من الكثير من الأزمات وإنهاء الكثير من الخلافات. وتعرف المنطقة والكويتيون الدور الكبير الذي اضطلع به جلالة السلطان -حفظه الله- وحكومته إبان الحرب العراقية الإيرانية، أو خلال الغزو العراقي للكويت حتى تحرير آخر شبر منها. سواء كان ذلك الدور سياسيا ودبلوماسيا أو عسكريا حينما لم يكن هناك بد من التدخل العسكري.

وعلاقة عُمان بالكويت علاقة قديمة ومتشابكة يمكن للبعض أن يتحدث عنها باعتبارها علاقة بين الشمال والجنوب، أو بين مدخل الخليج وبوابته وبين عمقه في أقصى الشمال.. لكنها في الحقيقة أكبر من ذلك وأعمق وأقدم.. وربما كان البحر أحد روافد هذه العلاقة حيث تلتقي على صفحته الزرقاء مصالح البحارة العمانيين القادمين من صور ومن مسقط ومن صحار والعابرين إلى أقصى الشمال ببحارة الكويت الماخرين عباب الخليج بحثًا عن اللؤلؤ أو جلبًا للتجارة. ثم تلاقت مصالح الطرفين في توفير مساحات أمنة في المنطقة تخلو من سيطرة الاستعمار الذي ينهب خيارات الشعوب.. فساهم الكويتيون مساهمةً كبيرةً في طرد المستعمر البرتغالي سواء كانت تلك المساهمة بالمال أو بالسلاح أو بالرجال كما يذكر ذلك الكثير من الباحثين.

ولا يمكن هنا تجاوز رواية «الشراع الكبير» للأديب العماني عبدالله الطائي الذي تشاركنا الكويت بنصيب فيه، حيث عاش هناك مرحلة من مراحل حياته وساهم في تفعيل وتطوير المشهد الثقافي الكويتي، وهو أحد مؤسسي مجلة «الكويت» الثقافية.

فهو يقول في روايته التاريخية حول النضال العماني ضد المستعمر البرتغالي:

ـ «أجل كلنا عمانيون، ولكن تذكروا أن المعركة تقوم على الشراع الكبير، شراع السفينة التي تمتد من مسقط وتنتهي بالقرين» والقرين كما هو معروف اسم من أسماء الكويت.

ثم يقول على لسان متحاورين في السياق الروائي:

ـ «نعم نعم عرفتها... تعودنا معشر التجار أن نأوي إليها إن نشبت أخطار أو حروب في البصرة... وعلى مقربة منها كاظمة...»، ويذكر الطائي في الرواية القائمة على مصادر ومراجع تاريخية مساهمة أهل «القرين» في المجهود الحربي لطرد البرتغاليين من الخليج. وإذا كانت هذه الأحداث تعود إلى الثلث الأول من القرن السابع عشر فإنه من غير المستبعد أن تكون العلاقات العمانية الكويتية قد نشأت في زمن أقدم من ذلك الزمن، فمن أجل أن تساهم «القرين» بالمجهود الحربي لطرد البرتغاليين من عُمان لا بد أن تكون قد نشأت بينها وبين عُمان علاقات زمنية أقدم.. على أن هذا لا ينفي أن تكون المصالح المشتركة قد تلاقت عند نقطة طرد البرتغاليين.

ويذكر الباحث الكويتي الدكتور يعقوب يوسف الغنيم إنه في اليوم السادس والعشرين من شهر أغسطس لسنة 1947 غادر الشيخ أحمد الجابر الصباح الكويت على الباخرة «دواركا»، وذلك في رحلة طويلة شملت باكستان والهند وعُمان والبحرين، وقد رافقه في هذه الرحلة الشيخ جابر الأحمد الجابر والشيخ صباح الأحمد الجابر «الأمير الحالي» وبعض حاشيته. وبذلك تكون تلك أول زيارة قام بها الأمير صباح للسلطنة وكان عمره حينها 18 سنة.

وكانت عودته في اليوم السابع من شهر أكتوبر لسنة 1947 حين بدأ التحرك من كراتشي، ولكنه مر بمسقط تلبية لدعوة من سلطانها «السيد سعيد بن تيمور» وكان الشيخ أحمد الجابر سعيدًا بهذه الزيارة التي أحيت الصلات بين البلدين والعاهلين.

وكان الشيخ عبدالله السالم محبًا لعمان كثير التردد على مسقط، وقد كان يقضي فيها أياما يرتاح خلالها، حتى أن خبر وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح في اليوم التاسع والعشرين من شهر يناير لسنة 1950 قد بلغه وهو في مسقط».

وساهمت هذه الزيارات واللقاءات في تلك المرحلة كثيرًا في الترابط بين البلدين. وكانت الكويت أحد المهاجر المهمة والرئيسية التي عرفها العمانيون خلال مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي بحثًا عن مساحات من العيش والحياة والتعليم الحديث. ومع بداية عصر النهضة الحديث في السلطنة بقيادة حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله- فإن الكويت دعمت العهد الجديد سياسيًا وقدمت قروضًا عبر صندوق التنمية العربي.

وإذا ما عدنا إلى أهم الملفات التي يمكن لهذه القمة الثنائية مناقشتها فلا يمكن تجاوز توقيت الزيارة الذي يأتي في أعقاب زيارة روحاني للبلدين، ولا يمكن أن نتجاوز أيضًا الدور الكبير الذي تقوم به كل من السلطنة والكويت في محاولة البحث عن مخرج سياسي للحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات في اليمن. والتي ستأخذ حيزًا كبيرًا من النقاش خلال القمة المرتقبة اليوم بين القائدين، حيث توضع الملفات على طاولة البحث لبلورة حلول سياسية في ضوء النقاشات التي دارت مع الرئيس روحاني.. ودور السلطنة في اليمن كان واضحًا منذ البداية ومعروفًا للجميع حيث امتنعت السلطنة عن المشاركة في التحالف العربي الذي يخوض حربًا في اليمن منذ ثلاث سنوات من أجل إعادة الشرعية وفق التعبير المستخدم في وسائل الإعلام.. وقال بعض الدبلوماسيين: إن أي حل في اليمن لا بدّ أن يعبر من البوابة العمانية باعتبارها بوابة الوسطية والاعتدال والقارئة الحصيفة للمشهد العربي بكل أبعاده.. أما الكويت فقد استضافت مباحثات ماراثونية بين الفرقاء في اليمن وبقيت تصر على البحث عن حل يبعد اليمنيين عن ويلات الحروب.. وما زالت الكويت وبالتعاون مع السلطنة تبحث عن هذا المخرج وتصر عليه.

ولذلك، فإضافة إلى ملف العلاقات بين السلطنة والكويت في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وهي في أوجها الآن، سوف يكون أمام الزعيمين ملفي العلاقات الخليجية الإيرانية والملف اليمني بشكل خاص إضافة إلى الملفات العربية العديدة.

وتتلاقى الكثير من الرؤى العمانية الكويتية خاصة أن للبلدين جهودًا كبيرًا في دعم الأمن والسلم الدوليين ولم يعرف عن البلدين وجود أي أجندات خارجية من شأنها زرع الشقاق والفرقة بين الدول.. بل على العكس نقرأ الكثير من الجهود المبذولة من أجل تقريب وجهات النظر، ومن أجل تدعيم السلم.

وكانت التجربة الكويتية التي خاضتها إبان الغزو العراقي مطلع تسعينات القرن الماضي تجربة مهمة يستحضرها الكويتيون اليوم وهم يتحدثون عن ويلات الحرب الذي تعيشها الدول الأخرى.. وهذا الشعور ينعكس اليوم على طريقة تعاملهم مع الآخرين للبحث عن مخارج سياسية وليست عسكرية للنزاعات الدائرة في المنطقة، وكذلك جهودهم في تقديم الخدمات الإنسانية، وفي الحقيقة فإن تلك الخدمات وتلك الجهود النبيلة كانت رفيقة الكويتيين منذ القدم.

وكلنا يتذكر الصندوق الكويتي للتنمية والذي كان رأس ماله في عام 1966 أكثر من 200 مليون دينار كويتي ولنا أن نتصور هذا المبلغ في تلك المرحلة الزمنية، والدور الذي لعبه في تنمية الكثير من البلدان العربية وبلدان العالم.