أفكار وآراء

من ركائز النهضة والتنمية المستدامة

19 فبراير 2017
19 فبراير 2017

عبدالله بن محمد المسن -

مع استمرار وتطور مسيرة النهضة المباركة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ومع تطور متطلباتها واحتياجاتها من الكوادر العمانية المتخصصة والمؤهلة والمدربة في مختلف المجالات، أصبحت موضــوعات التربية والتعليم، والتأهيل و الوعي والتدريب، تحتل حيزًا كبيرًا من اهتمامات الدولة باعتبارها ركيزة لبناء المواطن الواعي، الذي يشكل أداة التنمية ودعامة البناء لتحقيق التقدم والرفاهية والتنمية المستدامة. ومن ثم أصبحت العناية بنوعية السكان اهم وأخطر من مجرد العناية بالتحكم في أعداداهم. وإذا كان التعليم حق لكل إنسان كالماء والهواء، فان التربية والتنشئة الصحيحة هما الســياج القيمي والأخلاقي الذي يحمي الإنسان من زلل الطيش، وهو ما يتم غرســــه لديه عبر تعاليم الدين الحنيف وقيم الحـــق والخير والمحبة لكل البشر، وعبر تقاليد وعادات المجتمع الأصيلة من خلال دور الأسرة والمدرسة ومؤسسات التعليم في المراحل المختلفة. فإن الثقافة هي الجانب المعني بوعي الإنسان ومشاعره. والفــــرد المثقف هو الشخص الواعي بقضايا عصـره ومجتمعه وهــــو الإنسان المنتج للحضــارة وليس المستهلك لها، وهذه الثقافة تستمد جذورها من تراث وتاريخ الشعب، وتبنى على التفاعل بينها وبين غيرهـا من الثقافات في شتى أنحــاء العالم، وبخاصة في عصرنا الحديث، والذي تحول فيه العالم من خلال وسائل الاتصال المتقدمـــة إلى قرية كبيرة لا يستطيع فيها أي شعـب أن يعيش بمعـزل عما يدور حوله في شتى أرجاء الأرض.

ومن هنا يمكننا القول بأن هـــــدف التربية والتعليم والثقافة هو بناء الإنسان الواعي بمتغيرات الحياة وظـــروف وواقـــع بلده ومجتمعه، والقــــادر على التوافق مع هذا الواقع بكل تعقيداته ومشكلاته والذي يمكنه تكوين رؤية واضحة له حول حاضره ومستقبله، ويعد تحقيق ذلك، بأفضل مستوى ممكن، مهمة ضرورية وشديدة الأهمية؛ لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتنمية المجتمع بوجه خاص، وبالمشاركة القوية في تنميته وتحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية وفي مختلف المجالات بوجه عام. فالمجتمع الواعي بقضاياه ومشكــلاته المسلح بالقيم الأخلاقية والمعرفة والوعي هو المجتمع القادر على الأخـــذ بضـــرورات التنمية ومتطلباتها والقادر أيضا على حسمها لصالح أجياله القادمة لأنها في النهاية تعني رفـــــاهية الإنسان في حاضرة وتؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفـــاده ومن ثم تقدم المجتمع في النهاية . وحتى يتحقق لنا ما نسعى إلى تحقيقه ما تقتضي المصلحة العامة أن نذكر هنا مرة أخرى، بما هــــو معـــروف أن الهدف من التربية هـو تزويد الإنسان بالحقائق والمفاهيم والاتجاهات والمعارف والمهارات، وهو ما اصطلح عليه بالعملية التعليمية، التي تحتاج إلى تطوير وإعادة نظر بين مرحلة وأخرى لتتواكب مع احتياجات التنمية، إلى جانب عدم إغفال الجانب الأخلاقي بإحاطة الفرد وتزويده بمقومـــــات دينه وتراثه وبالقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، ليكون ناقلاً لمحتواها مستقبلاً منها ما يفيده في حل مشكلات حاضره ومواجهة مسؤولياته كعضو فاعل في المجتمع، مضيفا إليها بمـا تهيؤه له قدراته واستعداداته. وكلما كان عدد الأفراد داخل المجتمع، أونسبة زيادة السكان متوائمة مع موارد المجتمـع وإمكانياته وقدرته على تلبية احتياجات الأفراد ومتطلبات الحــياة الكريمـــة لهم كلما وضـــح تأثير أية تنمية أو تحسين أية خدمات تكفلها الدولـة لهؤلاء الأفراد . ولا شك أن هناك علاقةً متصلةً اتصـــالاً مباشرًا بين الجانبين.

عمومًا لم تعد القضية هي الكم، فالكم الهائل من البشر مع محدودية موارد المجتمـع وإمكاناته في كافة المجالات يعود بالسلب على مستوى البشر الفكري والثقافي والاجتماعـــي والصحـــي، والتربية تمثل الخبرة الإنسانية المنقولـــة للإنســـان مما يوضـــح الترابط الوثيق بين الثقافـة والتربية، وبالفعل أدت زيادة السكان إلى زيادة مساحــة الرقعة السكــــانية ونمو المجتمعات والتف الإنسان حوله ليعرف ما يدور في المجتمعات الأخرى، ومع تطــور هذه المجتمعـــات ذاتها أدت إلى زيادة الإنسان بتطوير وتغيير أنماط حياته، وبعد أن جاءت سلسلة الاكتشافات والاختراعات والتقدم التكنولوجي لتضيف بعـــدًا خطـيرًا في تلاحق إيقـــاع التطور، وتيسير تبادل المعرفة والمعارف وسرعة انتشارها، وهو ما يفرض ضرورة مواكبته والاستفادة منه أيضا على مستوى تأهيل المواطن ليقوم بدوره المنشود في مختلف القطاعات.

ولقد كان من اليسير في ظل محدودية الكثافة السكـــانية أن تتم ملاحقة التطـــور العلمي والمعرفي وتوفير آليات العملية التربوية ووسائلها ولكن مع تزايد البشر وتضاعف أعدادهم تغيرت كافـــة الظـروف المادية من اقتصاد وموارد وبيئة لتلقى على كاهل الدولة بوصفها المسؤول الأول عن توفير التعليم والتربية والتدريب لمواطنيها مواجهة أعباء جسيمة منها ملاحقة التطور الجـاري في العـــالم والأعداد الهائلة من البشر الذين هم في حاجة إلى توفير المأكل والملبس والمـشرب والرعـــاية الصحية، ومن ثم أصبحت المعادلة الصعبة التي تواجه العديد من حكومات العالم وبخاصـــة في الدول النامية، لعدم تمكنها من تحقيق التوازن بين عدد السكــــان وبين طموحات خـــطط التنمية التي كان لا مفــر من الالتجاء إليها لتحسين حاضـــرها والتطلع إلى تأمين مستقبلها. وأصبحت مشـــكلة الأخذ بمعطيات التطور الحـــديث في العملية التربوية وآلياتها تلازمـــها مشكـــــلة أكــــثر دقــــــة وخطـــــورة، وهـــي توفيرها لهذه الأعـــداد الرهيبة من البـــشر.

وفي حين أصبح التعليم الفني والمهني ضرورة يفرضها إيقــاع العصر، حتى يمكـــن إيجاد الظروف المناسبة لتوظيف هـــــذه الأعــــداد الهائلة من الباحثين عن عـــمل، فان الضرورة الملحة تستدعي العناية الكبيرة بكل ما يتصل بالتدريب المهني والفني، وأن يكون ذلك بمشاركة القطاع الخاص، باعتباره القادر على استيعاب الكثير من هؤلاء الباحثين عن عمل، والقيام بعملية التدريب على رأس العمــل، وهكذا يمكننا تدريجيًا من إتاحة الفرصة لأبنائنا للعمل لدى القطـــاع الخـــاص في كثير من الوظائف التي تشغلها القوى العاملة الوافدة، وانطلاقاً من ذلك على المواطن أيضـــاً أن يكون فعـــالاً ومـــؤثرًا ومنتجًا، وساعيًا للنهوض بمستواه الفني والمهني، وعليه تقع المسؤولية للمشاركة في مواجهة كافـة التحديات التي قد تعترض طريقه، أو تعوق الانطلاق في مختلف المجالات، خاصة بعد أن وفرت الدولة كافة الإمكانيات وصولاً لإيجاد الوظيفة المناسبة وللحد من القوى العاملة الوافدة تدريجيًا وإحلال المواطــن العمـــاني الباحث عن العمـــل مكانها باعتباره مشروعــــًا وطـــنيًا جديرًا بالاهتمــــام من كـــافة القطاعــات.