أفكار وآراء

الأسباب المباشرة لتذبذب أسعار النفط

18 فبراير 2017
18 فبراير 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

تذبذبت أسعار النفط خلال شهري يناير وفبراير 2017 وتناور حول 55 دولارا للبرميل رغم اتفاق خفض الإنتاج الذي توصل إليه وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومنتجون خارجها في 9 ديسمبر 2016 لتقييد إنتاج الخام وتخفيف تخمة المعروض في الأسواق بعد استمرار تدني الأسعار على مدار أكثر من عامين. وهو الأمر الذي وضع ضغوطا على موازنات الكثير من الدول وأثار اضطرابات في بعضها. واتفقت (أوبك) على تقليص الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من يناير 2017. وكانت المملكة العربية السعودية الأكثر التزاما بقرار الخفض، بل أنها بادرت بمزيد من خفض الإمدادات الأمر الذي حد من تراجع سعر البرميل دون 55 دولارا خلال يناير وفبراير 2017. كما أن معظم دول أوبك أبدت التزاما بنسبة 95% بقرار الخفض وكذلك دول خارج (أوبك) كروسيا.

ويبدو أن أسواق النفط وأسعاره عندما تستقر تبرز العوامل ذات التأثير المباشر لتتحكم وتوجه سعر البرميل ارتفاعا وانخفاضا لصالح المضاربة يوما بيوم. ويبدو أن المضاربين (شركات وأفراد) خبروا أساليب للتأثير على الأسعار التي تخدم مصالحهم . فكونوا سبل اتصالات بالمعنيين من وسائل الإعلام المتخصص بمتابعة أسواق النفط يوميا لإعلان عن مسببات ارتفاع سعر البرميل أو انخفاضه.

من بين تلك العوامل يأتي الإعلان عن الخزين الاستراتيجي الأمريكي من النفط ومشتقاته، إذ يصدر معهد البترول الأمريكي (American Petroleum Institute) بيانا يوم الأربعاء من كل أسبوع عن مستوى المخزون من النفط ومشتقاته .

«معهد البترول الأمريكي» أكبر جمعية نقابية لصنعة النفط والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية . يضم 650 شركة نفط وغاز تعمل في الإنتاج والتكرير والتوزيع والصناعات البتروكيميائية . والمعهد يعمل على تمثيل الشركات الأعضاء أمام الحكومة الأمريكية في المفاوضات في كافة الشؤون القضائية والضريبية والبيئية والمعايير المهنية .

فكلما أعلن المعهد عن ارتفاع المخزون انخفضت أسعار النفط وكلما انخفض المخزون ارتفعت أسعار النفط. ولا يمكن التحقق من دقة وصدق تلك البيانات. وقد يمكن أن تستخدم هذه البيانات للتأثير على مستوى الأسعار أسبوعيا إذ تتناسب كمية الخزين مع الأسعار عكسيا. فبزيادتها تنخفض الأسعار وبانخفاضها ترتفع الأسعار. ولا يعرف أحد حقيقة بيانات المعهد الأمريكي إلا من يصدرها، إذ أن سعر برميل النفط يتأثر هبوطا وارتفاعا بتناسب عكسي مع ما يعلن عن مستوى تلك المخزونات.

العامل الثاني الذي يتكرر ذكره في ارتفاع أو هبوط أسعار النفط العلاقة بين أسعار النفط وأسعار العملات وخصوصًا الدولار الأمريكي ففي الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلى رفع أسعار النفط، يسهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدولار .

علاقة سعر الدولار بالنفط

ولفهم العلاقة بين أسعار الدولار وسعر النفط فإن النفط يتم تسعيره وبيعه وشراؤه بالدولار الأمريكي، كل البترول في العالم الآن يتم تسعيره بالدولار الأمريكي . فهناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط ولا يمكن فصل هذه العلاقة لأن الحلول المتمثلة في تسعير النفط بغير الدولار أو تخفيض اعتماد الولايات المتحدة على النفط غير ممكنة حالياً. وعلى المدى القصير، يسهم انخفاض الدولار في تشجيع المضاربين على دخول أسواق النفط، والذي يسهم بدوره في زيادة أسعار النفط وزيادة ذبذبتها، على المدى الطويل يسهم انخفاض الدولار في تخفيض نمو الإنتاج بينما يسهم في زيادة النمو في الطلب على النفط، الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع أسعار النفط. هذا الارتفاع لا يعني بالضرورة أن يكون نافعاً للدول المنتجة لأن العبرة بما يمكن أن تشتريه عوائد النفط، وليس بسعر البرميل.

العامل الآخر الذي يتكرر ذكره هو ما يعرف بتخمة المعروض أي وجود كميات من النفط الخام في الأسواق أكبر من حاجة الطلب اليومي . والذي كرّس هذا العامل دخول النفط الصخري الأمريكي . فعندما تعلن شركات إنتاج النفط الأمريكية عن إضافة منصات حفر جديدة يتراجع سعر برميل النفط أو يتوقف صعوده. وعندما يتراجع عددها يرتفع سعر برميل النفط .. وكأن هذه التخمة تحولت إلى “قدر” لا نهاية له. علما بأن سعر البرميل في مطلع يوليو 2008 كان قد تجاوز 145 دولارا، كان سببه التوترات السياسية على الصعيد العالمي وضعف الدولار مع وجود معروض متصاعد من النفط الخام في الأسواق. ووقتها لم يكن هناك نقص في المعروض من النفط الخام. ومنذ بدء تراجع أسعار النفط في أسواق النفط يعزى سبب التراجع إلى “تخمة المعروض”. غير أن تقريرين حديثي الصدور ومن مؤسستي خبرة متخصصتين في شؤون النفط والطاقة، يؤكدان عدم وجود معروض يتجاوز الطلب اليومي من النفط الخام في الأسواق. توثق “إدارة الطاقة الأمريكية” الإنتاج اليومي في العالم من النفط الخام فتقول: بلغ إنتاج النفط الخام في العالم 92.43 مليون برميل يوميا عام 2014. وارتفع إلى 93.85 مليون برميل يوميا عام 2015 .

وهناك عدد من العوامل المؤثرة في أسعار النفط ومنتجات الطاقة الأخرى يوميا، فهناك العوامل الأساسية غير المباشرة وهي:

• الطلب على النفط الخام وعلى المشتقات والأحوال المناخية . وكذلك صناعة وسائل النقل كلما ارتفعت مبيعات وسائل النقل التي تعمل بمنتجات الطاقة مثل السيارات أو الطائرات كلما ازداد الطلب على النفط والعكس صحيح .

• الضرائب التي تفرضها الحكومات على المستورد من النفط الخام والمشتقات النفطية الأخرى الذي يؤثر على البيئة.

•التغيرات البيئية فاستخدام النفط والغاز الطبيعي بمعدلات مرتفعة من أكثر العوامل الضارة بالبيئة والمسببة للتلوث والتغير المناخي. الأمر الذي جعل الاتحاد الأوروبي يفرض ضريبة على المستورد من النفط والغاز الأمر الذي يتسبب بارتفاعها.

• الإنتاج (العرض): فبالرغم من أن عدد المنتجين للنفط والغاز غير قليل إلا أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أصبحت توفر 33.3 % من إنتاج النفط في العالم . هذه الحصة المهمة التي تأتي من مصدر واحد جعلت من أوبك عاملا مؤثرا بدرجة كبيرة في أسعار النفط.

• مستويات الإنتاج والمخزون في الدول المنتجة والمستهلكة الأخرى بنفس تأثير أوبك ، لكن بدرجة أقل ، فيتأثر إنتاج النفط وأسعاره في الأسواق بمستويات الإنتاج أو مخزون النفط في الدول المنتجة الأخرى ، مثل أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، روسيا أو الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفييتي.

• النضوب الطبيعي: فمنتجات الطاقة لديها فترة عمر محددة لأن النفط والغاز من الموارد الطبيعية الموجودة في باطن الأرض، من الناحية النظرية، سوف يتلاشى الإنتاج على مر السنين بشكل طبيعي مما يؤدي لارتفاع الأسعار.

أما المتغيرات المباشرة التي تتفاعل في السوق يوما بيوم فهي:

• الأحداث السياسية: الاضطرابات والنزاعات المتأججة وأعمال العنف على الساحة السياسية تؤثر بشدة في أسعار النفط . ومن المؤكد أن أهم الأحداث في الوقت الحالي تتعلق بالحروب في العراق وليبيا والضغوط الاقتصادية على روسيا بسبب الحرب الأهلية في أوكرانيا.

• التقرير الأمريكي عن الخزين الاستراتيجي من النفط الخام ومشتقاته الذي يعلن أسبوعيا عن مستوى الخزين ارتفاعا أو تراجعا له تأثير مباشر على الأسعار. فأسعار النفط في الأسواق تتناسب عكسيا مع مستوى الخزين الأمريكي.

• حالة التداول في أسواق الأوراق المالية (البورصات) ، ومتغيراتها يوما بيوم تؤثر في الطلب اليومي على النفط ، فأسواق الأسهم مرآة تعكس مدى انكماش أو ركود أو نمو الاقتصادات العالمية .

• أسعار صرف العملات ، وتحديدا سعر صرف الدولار الأمريكي الذي يتناسب عكسيا مع أسعار النفط ، فلطالما تراجعت أسعار النفط بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام سلة العملات الرئيسة .

• حجم المعروض من النفط الخام ومشتقاته في الأسواق ، ففي الوقت الذي تصل أسواق العالم كميات تفوق الطلب اليومي تتراجع الأسعار.