أفكار وآراء

نادي أصدقاء الرئيس

17 فبراير 2017
17 فبراير 2017

جوناثان فريلاند، الجارديان -

ترجمة: أحمد شافعي -

تصوروا هذا، لقاء أصغر أندية العالم نادي المعجبين بدونالد ترامب (فرع زعماء العالم). إذ التقى اثنان من نجوم هذا النادي في داوننج ستريت يوم الاثنين الماضي، حيث استقبلت تريزا ماي رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في جولة محادثات، قبل أن يتوجه الأخير إلى واشنطن لمقابلة الرجل نفسه. ولو كانت ماي قد وجهت الدعوة لفلاديمير بوتين أيضا لكان اللقاء قد جمع كل أعضاء النادي تقريبا.

تتعامل ماي ونتانياهو بطبيعة الحال مع رئيس الولايات المتحدة من وجهتين مختلفتين. فترامب بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ـ كما بالنسبة لبوتين ـ كان الخيار الأصيل في انتخابات نوفمبر. إذ كان معجبا بموقفه العدواني من إيران، وهو الموقف الذي طالما كان ـ ولا يزال ـ على قمة أولويات نتانياهو الاستراتيجية، إن لم يكن هاجسا شخصيا. كما أنه قدر أن ترامب سوف يكون أكثر تساهلا مما قد تكون عليه هيلاري كلينتن تجاه استمرار نشاط إسرائيل الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.

بعد ثماني سنوات من عدم إسراره ما يكنه لباراك أوباما من سوء كان آخر ما يريده بيبي – نتانياهو - هو أن تحظى وزيرة خارجيته السابقة بأربع سنوات أخرى. وهكذا أخذ نتانياهو مكانه بجانب الرئيس الروسي ليكون ضمن قلة قليلة من زعماء العالم الذين ابتهجوا بفوز ترامب.

أما العلاقة بالنسبة لرئيسة وزراء بريطانيا - تيريزا ماي - فمختلفة بعض الشيء. فهي لم تجد نفسها مع ترامب باختيارها بل بدفع من الضرورة. إذ يأتي تقاربها من ترامب حفاظا على حالة من الدفء وسط برودة المناخ فيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فبعد إدارة بريطانيا ظهرها لأقرب جيرانها في أوروبا، تعرف «ماي» أنه لا غنى عن الإبقاء على علاقة ناجحة مع الولايات المتحدة، وإن تكن في ظل إدارة جديدة مضطربة. لعلها كانت تؤثر التعامل مع كلينتون رئيسة ـ ما لم تكن هيلاري لتلتزم بتهديد أوباما بوضع بريطانيا في «آخر صف» الصفقة التجارية الجديدة ـ ولكنها لم تنل تلك الفرصة. في ضوء قرار ناخبي الولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك عقدت ماي ونتانياهو هذا اللقاء طامحين إلى أمور مختلفة راغبين في الحصول من أحدهما الآخر على ما يريدان الحصول عليه من ترامب. كانت الأولوية بالنسبة لماي هي التبادل التجاري، راجية أن تنال التزام الإسرائيليين ـ على الأقل من حيث المبدأ ـ بعلاقات اقتصادية أوثق بين البلدين بمجرد أن تغلق بريطانيا الباب في وجه الاتحاد الأوروبي (ويتصادف أن العلاقات التجارية البريطانية الإسرائيلية قوية بالفعل).

بالنسبة لنتانياهو كان الهدف مرة أخرى هو إيران التي «تهدد الغرب وتهدد العالم» بحسب ما قال لماي وهما واقفان أمام الكاميرات. هو يريد تجنيد بريطانيا في «جبهة مشتركة» ضد طهران، ساعيا إلى حليف له في رؤيته أن الصفقة الإيرانية التي توصلت إليها إدارة أوباما معيبة جوهريا، وأنها سوف تيسر للإيرانيين امتلاك القنبلة بدلا من أن تحول دون ذلك. ولسوف يشير دون أدنى شك إلى تجربة إطلاق الصاروخ الباليستي التي أجرتها طهران أخيرا باعتبارها دليلا على سلوك الإيرانيين، وعلى أن الخطر النووي لم يتراجع- حسب زعمه بالطبع.

من المؤكد أن الطرفين سوف يتعهدان ببذل كل ما في وسعهما لتبادل العون، ولو أن هذا سوف يكون أيسر على نتانياهو منه على ماي. فبوسعه أن يصدر أصواتا لطيفة بشأن التجارة، ولكنها لا تكاد تقدر على التراجع عن الصفقة الإيرانية، في ضوء أن بريطانيا كانت مشاركة بعمق في تلك العملية منذ بدايتها. والحق أن المتحدث باسم ماي قد أكد مجددا على رؤية البريطانيين للاتفاقية و«تحييدها» إمكانية حصول الإيرانيين على الأسلحة النووية لما يزيد على عقد.

لكن لا شك أن لقاء ماى ونتانياهو كانت تعلوه تخوفات من احتمال أن يخيب ترامب رجاءاتهما في النهاية. وليس ذلك فقط لظهوره متغير الرأي لا يمكن التنبؤ بمواقفه مستعدا لغلق الباب في وجه حلفاء قدامى (مثلما يتبين من واقعة رئيس وزراء أستراليا)، وهو أيضا قادر على التراجع عن التزامات سابقة دون أن يحمر له وجه. ويتبين من إشارات الأسبوع الماضي الصادرة عن البيت الأبيض أنه ـ برغم السعادة الناجمة عن فرض عقوبات على بعض الأفراد الإيرانيين ـ ليس ثمة نية في النهاية للتهيؤ لتمزيق الاتفاقية الإيرانية.

ولو أن نتانياهو كان يتوقع أن يحصل من ترامب على تفويض بحرية الحركة فيما يتعلق بالفلسطينيين فسوف يخيب رجاؤه في هذا الأمر أيضا. إذ حذر المتحدث باسم ترامب الأسبوع الماضي من أن النشاط الاستيطاني المتوسع «قد لا يكون معينا على تحقيق» السلام. وقد يبدو هذا التصريح للفلسطينيين تهوينا رخوا للأمر، لكنه حين يجتمع مع مؤشرات بعدم تعجل ترامب تنفيذ تعهده أثناء الحملة الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فإنه ينال من ثقة نتانياهو بأن ترامب هو الذي سوف يحقق كل أحلامه.

الأسباب التي تدعو ماي إلى القلق أقل لا تتجاوز الافتراض بأن ترامب حينما يعد بـ«صفقة عظيمة» فهو يعني صفقة تحابيه وتقضي على غيره. ولكنها رأت بالفعل أن صداقة ترامب قد تكون باهظة الثمن. فهي ليست فقط هدفا لغضب محلي إثر قبولها دعوة رسمية لزيارة الرئيس الجديد ـ وليس أدل على ذلك من التصفيق الذي أعقب اعتراض جون بيركاو رئيس المجلس النيابي على ذلك ـ ولكن حماسها لمقابلة ترامب أبعدها أكثر مما هي بعيدة عن نظرائها الأوربيين الذين بدا واضحا أنهم عاملوها بفتور خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في مالطا. وسوف يكتشف نتانياهو أن حماسه لترامب قد كلفه ثمنا غاليا هو الآخر بإغضابه الكثير من يهود الولايات المتحدة الذين يقفون في صفه.

ربما تكون ماي ونتانياهو قد درسا كل ذلك حين التقيا على الغداء، وقال أحدهما للآخر على سبيل المواساة إنه ليس من اليسير أن يكون أحد صديقا لترامب. وليس غريبا في نهاية المطاف أن يكون الأعضاء في ناديهما قليلين للغاية، وفي ضوء سلوك ترامب يبدو أن العضوية في النادي سوف تبقى على هذه القلة.